نساء الكونغرس اللواتي غيرن وجه السياسة الأمريكية
العالم الآن – أحدثت ثلاث نساء، انتخبن حديثا عضوات في الكونغرس، ضجة كبيرة في السياسة الأمريكية.
النساء الثلاث ذوات بشرة ملونة وفزن بمقاعدهن في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ورغم كونهن جديدات في مناصبهن، إلا أن ذلك لم يمنعنهن من إحداث صخب وتحدي الأعراف القديمة للمؤسسة الأمريكية، في الشؤون الداخلية والخارجية، فحصلن بذلك على جيش من المشجعين المتحمسين لهن، وفي الوقت ذاته أصبح لديهن كثيرا من المنتقدين – بما في ذلك داخل حزبهم.فهل هن مجرد نساء يحدثن ضوضاء بكلامهن أم أنهن ثائرات طال انتظار السياسة الأمريكية لهن؟صانعات التاريخ
في سن الـ 29 أصبحت أليكساندريا أوكازيو-كورتيز، التي كانت تعمل نادلة في نيويورك، أصغر امرأة تدخل الكونغرس. وأصولها تعود لبورتوريكو.وإلهان عمر من ولاية مينيسوتا، صومالية-أمريكية ذات 38 عامًا، ترتدي الحجاب، وكانت قد وصلت كطفلة لاجئة إلى الولايات المتحدة عام 1995.
وأصبحت إلهان عمر هي وزميلتها رشيدة طليب أول مسلمتين تنتخبان للكونغرس.
رشيدة طليب، ذات الـ 42 عاما، ممثلة من ولاية ميشيغان، هي محامية فلسطينية-أمريكية، ولا تزال جدتها وأقاربها يعيشون في الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل.
ثلاثتهن يدافعن عن حقوق المثليين، ويطالبن بحق المرأة في الإجهاض إن شاءت ذلك، كما يدافعن عن حقوق المهاجرين، على نحو ينسجم مع السياسة التقدمية للديمقراطيين.وفي الشؤون الخارجية، فتختلف إلهان عمر ورشيدة طليب بشكل كبير عن الرأي العام السائد في الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، الحليف القديم للولايات المتحدة، وأكبر متلق للمساعدات الأمريكية.
أما أليكساندريا أوكازيو-كورتيز، فتحظى توجهاتها اليسارية بالاهتمام، وهو أمر نادر في السياسة الأمريكية.
هؤلاء السياسيات الديموقراطيات يعارضن تماما الرئيس دونالد ترامب، ولكن في بعض الأحيان يتشابه الخصوم.
ويبدو أن هذا التشابه يتركز في استخدام تويتر، فالرئيس ترامب فتح بابا جديدا عندما حول تويتر إلى منبره الرئيسي للتحدث مباشرة إلى الأمريكيين، وتسير النساء الثلاث على خطاه من خلال الوجود القوي على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسائلهن السياسية.وفقًا لدراسة نشرها موقع Axios الإخباري، فإن أليكساندريا أوكازيو-كورتيز، وخلال شهر واحد، حصلت على نسبة تفاعل على موقع تويتر أكثر مما حصدته ستة مواقع إخبارية أمريكية ناجحة على تويتر بما في ذلك المؤسسات الكبرى مثل سي إن إن و نيويورك تايمز.
لكن دونالد ترامب كان يفوقها أكثر بثلاث مرات.
قد لا يكون محبذا من قبل الجميع أن تنشر عضوة الكونغرس مقاطع فيديو على إنستاغرام وهي تعد الحساء في المطبخ أثناء مناقشة مقترح زيادة الضرائب على الأثرياء، ولكن بالنسبة لجيل جديد نشأ في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن مثل هذا الفيديو يحظى بكثير من الجاذبية.
وإلى جانب موضوع رفع الضرائب على الأغنياء، تروج السياسية الشابة لخطة تسمى “الصفقة الخضراء الجديدة” لتحويل أمريكا بالكامل إلى بلد يعتمد على الطاقة النظيفة، ويتوفر التأمين الصحي لجميع الأمريكيين.
كما أنها تتابع عددا من القضايا، منها مصدر تمويل الحملات السياسية في الولايات المتحدة، والأرباح التي تجنيها شركات أدوية كبرى متهمة “باستخدام بحوث ممولة من القطاع العام لإنتاج أدوية غالية الثمن”، وخطط شركة “أمازون” لبناء مقرها الرئيسي في مدينة نيويورك.
وبالطبع هناك من ينتقدها، مثل عضو مجلس الشيوخ السابق جو ليبرمان، وهو ينتمي لحزبها، إذ يرى أن أليكساندريا لا يجب أن تكون مستقبل الديمقراطيين.
لكن الجميع يتفق على أن أليكساندريا الآن قوة رئيسية في النقاشات السياسية، خاصة بفضل مهاراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تحظى بأكثر من 3 ملايين متابع على إنستاغرام.عندما تحدثت إلهان عمر إلى الدبلوماسي المخضرم إليوت أبرامز مبعوث الرئيس ترامب إلى فنزويلا والمعين حديثاً، خلال جلسة تعيينه، انتشر الفيديو على نظاق واسع.
سألته في جلسة استماع بالكونغرس: “هل تؤيد فصيلا مسلحا في فنزويلا ينخرط في جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية، أو إبادة جماعية إن أعتقدت أن ذلك يخدم مصالح الولايات المتحدة، كما فعلت في غواتيمالا والسلفادور ونيكاراغوا؟”، مما أثار توترا بين الاثنين.
وكانت تشير إلى دور إليوت أبرامز في الفضيحة المعروفة باسم قضية إيران- كونترا، عندما اتضح أن الولايات المتحدة باعت سرا أسلحة إلى إيران في الثمانينيات، ونقلت الأموال إلى جماعات مناهضة للشيوعية في نيكاراغوا.في تلك الفترة ارتكب مسلحون تدربوا في الولايات المتحدة مجزرة في السلفادور ما أسفر عن مقتل أكثر من 800 مدني.
ووصف إليوت أبرامز الاستجواب بـ “السخيف” و بأنه كان “هجوما شخصيا” عليه.
إلا أن أليكساندريا أوكازيو-كورتيز شاركت على تويتر ردة فعلها وحصلت على 62.000 إعجاب. وكتبت: “مشاهدتها (لإلهان عمر) وهي تستجوب مبعوث ترامب يبدو إحقاقا للعدالة”.
ولكن موقف إلهان عمر من إسرائيل أثار جدلاً أكثر حدة.تدعم ممثلة مينيسوتا حركة المقاطعة، وهي حملة يقودعها فلسطينيون مستوحاة من حركة جنوب أفريقيا المناهضة للفصل العنصري، لفرض المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل بسبب سياساتها تجاه الفلسطينيين.
وتتهم إسرائيل الحركة بأنها تشكل تهديدًا لوجودها، ويشاركها في وجهة النظر هذه الساسة الأمريكيون من جناحي الكونغرس.
ومؤخرا تعهد أكبر عضو جمهوري في مجلس النواب، كيفن ماكارثي، باتخاذ إجراء ضد إلهان عمر بسبب مزاعم عن معاداتها للسامية عندما لمحت في تغريدة إلى أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) تستخدم المال لحشد دعم سياسات موالية لإسرائيل.
لكن تعليقاتها دفعت مؤيديها ومنتقديها لبدء حرب على تويتر حول دور (أيباك) في السياسة الأمريكية، كما كانوا يناقشون ما إذا كانت إلهان عمر عنصرية تجاه اليهود.
وأشار عدد كبير من الأشخاص الذين أحسوا بالإهانة من تصريحاتها إلى أنها استخدمت الصورة النمطية “لليهود الأغنياء الذين يسيطرون على العالم”.
وطالب الرئيس ترامب باستقالتها، وعاتبتها تشيلسي كلينتون لخوضها في معاداة السامية، كما اتهما السيناتور المحنك تشاك شومر بالتعصب.
ورداً على ذلك، وزع مدافعون عن إلهان عمر مقطع فيديو على تويتر لخطاب تشاك شومر في مؤتمر (أيباك) قبل عام تقريباً، وطالبوه بالاعتذار عما رأوه تعصبا دينيا ومعاداة للفلسطينيين.
وكانت النائبة عن منيسوتا واجهت في السابق اتهامات بمعاداة السامية. وأصدرت إلهان عمر بيانا باعتذار “لا لبس فيه” عن تغريداتها بعد محادثة أجرتها مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في هذا الشأن.رشيدة طليب، ابنة لاجئين فلسطينيين، هي أيضا داعمة علنا لحركة مقاطعة إسرائيل.
لكنها وبعد فوزها في الانتخابات أثارت الغضب، ولكن لسبب مختلف تماماً.
فبعد ساعات من أداء اليمين الدستورية، أثارت ممثلة ولاية ميشيغان جدلاً لاستخدام كلمة بذيئة عن دونالد ترامب، بينما كانت تدعو لعزل الرئيس أمام حشد من مؤيديها.
وفورا انتشر على الإنترنت فيديو لها وهي تتلفظ بتلك العبارة.ورد الرئيس بقوله إن تعليقاتها مشينة وإنها جلبت الإهانة لنفسها ولعائلتها.
ولم تعتذر رشيدة طليب، التي أدت اليمين الدستورية مرتدية الثوب الفلسطيني التقليدي وهي تحمل مصحفًا عائليًا، عما حصل بل قالت في تغريدة إنها ستقول دائما الحقيقة.
وتلقت الكثير من الانتقادات، بما في ذلك من قبل عدد من الديمقراطيين، لكن محاكمتها العلنية على تويتر أثبتت أن لديها كثيرا من المؤيدين، حتى أن بعضهم اعتبرها “رمزا نسويا” لأنها تحدت الرئيس فيما وصفوها بأنها “اللغة التي يستخدمها”.ووقفت كاتبة الرأي ميشيل غولدبرغ في النيويورك تايمز في صف رشيدة طليب، مذكّرة القراء بأن ترامب تحدث عن لمس النساء، ووصفه دولا أفريقية بأنها “حثالة”.
وكتبت: “إن القوة السياسية لهذه الوجه الجديد يصيب الكثيربن بعدم الارتياح”.
بديل الضفة الغربية
ولاحقا قالت رشيدة طليب: “لا أريد لأي شيء أفعله أو أقوله أن يشتت انتباهنا. هذا هو الشيء الوحيد الذي أعتذر عنه”.
وقد تجد الأمريكية-الفلسطينية نفسها في الضوء مرة أخرى إذا بدأت خططها لتنظيم زيارة للكونغرس للضفة الغربية، كبديل لرحلة تقليدية لإسرائيل.
وكل عام توجه دعوات لأعضاء الكونغرس الأمريكي المنتخبين حديثاً لزيارة مدفوعة التكاليف بالكامل إلى إسرائيل، بتمويل الذراع التعليمية لأيباك.
ويقبل كثير منهم العرض، ولكن قد يتغير الوضع هذا العام.
حيث تعتزم رشيدة طليب دعوة الأعضاء الجدد للانضمام إليها في رحلة إلى الضفة الغربية، للتركيز على الفصل العنصري وتأثير الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي دام 52 عامًا.
وقالت في مقابلة مع موقع Intercept: “لا أعتقد أن أيباك تعطي صورة حقيقية وعادلة لهذه القضية”.
وأضافت: “إنهم لا يظهرون الجانب الذي أعرف أنه حقيقي، وهو ما تواجهه جدتي وعائلتي هناك”.
واتهمها بعض معارضيها بالتعاطف مع الإرهابيين، لتقول على تويتر: “أنا مسلمة وفلسطينية. تصالحوا مع هذا”.
“BBC”