دردشة من ألف كلمة – للكاتب شفيق الدويك
العالم الآن – يعبر سلوك الإنسان عن جميع حالاته النفسية التي يكون فيها مشاركا عناصر الزمان والمكان والناس والأشياء والأحداث.
حالات الإرتياح النفسي، والتي يعبّر عنها من خلال الفرح والسعادة، تبدو على المحيا والشفاه، كما هي حالات التعب النفسي، والتي يعبر عنها من خلال التجهم الذي يحمل في طياته الغم والحزن أو الإكتئاب، وهو أقصى حالات التعب النفسي، ولهذا تلعب لغة الجسد دورا محوريا حيويا في التعريف عن حالة المرء، رغم محاولة الكثير من الناس إخفاء حالتهم في الوضعين ولأسباب معروفة للجميع، حيث يخشى كثيرون عندنا من الحسد، أو التشفي، وهي معتقدات وأمراض إجتماعية مزمنة.
هذا وتساهم التربية، والخبرات، والبيئة المحيطة (أي الإحتكاكات اليومية)، والتعليم، والمطالعة، والسفر أو التنقل، وحصيلة الفهم أو الإدراك (المتفاوتان عند الناس) في صنع السلوك الإنساني سواء كان بسيطا أو معقدا، بل ويعتبر جميع ما ذكر أساس البناء النفسي وأعمدته.
تتشكل معتقدات المرء ، وردّات فعله، في هدوئه، وفي ثورته أو لنقل أثناء عصبيته ونزقه بطرق معقدة، وعلينا أن لا نغفل الدور الذي يلعبه مخزون العقل الباطن مقابل العقل الواعي في رفد تصرفاتنا .
معظمنا، وللأسف، من أكثر شعوب الأرض ظنا ظن السوء بالآخرين، وكثيرا ما نفسر التصرفات البريئة بأنها خبيثة، ولا نمنح الناس فرص الدفاع عن أنفسها. نؤثر المواربة والطبطبة، ونتسول الفضائح، ونعشق صفحات الناس الملونة زورا وبهتانا بالأصفر.
لستَ أنت الذي يتصرف هنا (غالبا)، بل غالبا الظروف المحيطة بك، أقصد أن الأوضاع هي التي تتحكم في كثير من تصرفاتنا اليومية، خصوصا إذا كانت أقوى من قدرتنا على لجمها والسيطرة عليها. علينا أن نتذكر دائما بأنك في المحصلة مثل الثمر. بعضه ينضج بصورة أسرع من غيره، وبعض الثمر لا ينضج بتاتا بسبب عدم توفر الظروف المواتية للنضوج.
قد لا أستطيع دعوتك للغداء أو العشاء، إذا كنتُ على خلاف حاد مع أهل بيتي. لا يتقبّل معظم الناس فكرة إطلاع الغير على الخصوصيات الدقيقة الحساسة، أو إذا كانت أموري المادية أو حتى النفسية غير مواتية. قد نتصرف بطريقة مغايرة لطبيعتنا في أحيان كثيرة، ولا يتقن الناس عندنا فن التبرير، بل يتقنون فن الإتهام، لأن طبعنا السائد في العالم العربي هو الضغط على أعصاب بعضنا البعض، وتقييد حرياتنا، ونتفنن في التصيّد، إعتقادا منا بأن في عثرات الآخرين (المبررة وغير المبررة)، ترجيح للنقاط الإيجابية عند تقييم الآخرين لنا. وفي هذا خطأ كبير، وتقييم سيئ للأمور.
علينا الإعتراف بأن حالاتنا النفسية ليست مستقرة دائما، وليست غير مستقرة دائما أيضا. لا يُحرج المرء في الغرب عندما يعترف بكُنه حالته النفسية إذا لزم الإعتراف.
إن إدارة المزاج تتطلب موارد نادرة، ولعل من أهمها القدرة على التحكم بمحركات الغرائز الدونية فينا، وتنمية عنصر الحلم والهدوء والإتزان، أي التحكم بالمواقف، ومنع تحكم المواقف بنا، وفهم حدود حريتك في التصرف بحيث لا تتجاوزها وتدخل مناطق حريات الآخرين المحرّمة عليك.
نحاول ، قدر المستطاع، التغلب على معظم عقدنا النفسية التي ولدت معنا ونمت مع نمونا. نعيش في بيئة تتكاثر فيها العقد النفسية تكاثر الفطر، والضغط على أعصابنا عملية مستمرة على مدار الساعة.
لقد ابتلينا بالعقد والضغوطات ، ولم نختارها بعد تسوّق ، بل هي التي هاجمت وتهاجم مواطن الإستقرار النفسي فينا.
يقع معظمنا تحت تأثير ظروف ليست سهلة، سواء كانت تلك الظروف سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية أو ثقافية أو صحية (بدنية ونفسية عاطفية)، ونشعر في أحيان كثيرة بأننا في معارك أو منازلات لا تتوقف. الصراع في دواخلنا يتمثل في تعرض أنفسنا بين جاذبين قويين: جاذب نداءات الغرائز، وجاذب هيبة وقدسية القيم، وكلاهما يتربصان بنا تربص الكاسر أو الممتحِن.
أنت اليوم، ليس ابن الأمس، ويوم غد، ليس ابن اليوم. قد تتحسن، وقد لا تتحسن (فيما يتعلق بسلوكك الذي يرضيك ويرضي غيرك). نصادف الكثير من الذين تعبوا على أنفسهم للتخلص من عقد الأمس النفسية. أجهدوا أنفسهم في المطالعة والإحتكاك، وتقربوا من ينابيع الحكمة والبساطة والتقبّل بوعي فريد.
نتساءل دائما: ما هو السلوك الذي يرضيني، ويرضي غيري، وبالتالي يجعل حياتي أكثر إستقرارا وأمنا من الناحية النفسية ؟ هل أتصرف بالطريقة التي ترضيني أم بالطريقة التي ترضي الآخرين، أم أظل متأرجحا بين هذا وذاك ؟ بعبارة أخرى، هل أقبل بإقراض أحدهم لكسب وده، وأعرض مالي للهلاك، أم أرفض وأعرض علاقتي مع الناس للهلاك ؟
إذا كنت كريما، فإنك سوف تتعرض الى ضغوطات نفسية لا يقل أثرها السلبي وطأة عن الضغوطات النفسية التي يتعرض اليها البخيل لا محالة. لن ترضى زوجتك، في حالات كثيرة، عن تصرفاتك التي تدعي بأنها تتسبب في تبديد ثروتك ووضعها في معد الناس، وهي لم تخلق لتظل في المطبخ تطعم معارفك.
نحن بحاجة دائما الى الإعتدال في جميع شؤون حياتنا.
لدينا دائما العديد من التساؤلات والتي تفيد في مسألة معرفة أين تقف ذاتنا. هل أنت واثق من نفسك أم غير واثق ؟ هل أنت مستقر على الصعيد النفسي أم غير مستقر ؟ هل أنت متفائل أم متشائم ؟ هل درجة اليقين لديك مرتفعة مقابل درجة الشك ؟ هل تعتبر نفسك مطمئنة، أم أمارة بالسوء، أم لوّامة ؟ وأخيرا وليس آخرا: هل تعتقد بأن الذين يركزون على الجوهر مقابل المظهر هم أسوياء أم أغبياء ؟
ثم هل أنت إنسان مبرمج أم تبرمج لحياتك ؟ وهل أنت إنسان إستشرافي قادر على التنبؤ، أم إنسان عالق في منتصف الطريق، وتحتاج الى من يخطط لك ؟ وهل أنت إنسان إتكالي أم عصامي تصنع ذاتك، ثم ما هي درجة الإيثار لديك، ودرجة النرجسية وحب الذات أي الأنانية.
الإنسان، مخلوق إجتماعي بطبيعته، وهذا يعني ضرورة التفاعل مع الناس، إستشارتهم، وتقديم المشورة لهم. فأنت اليوم تستشير، وغدا ستُستشار، ولا بأس في ذلك. كن واثقا وقاوم التشهير بك من قبل الناس الذين تطلب خبرتهم (لنقصها لديك).
التواصل مع الجيدين يعطيك الكثير من الوصفات العلاجية أو لنقل الإجابات على كثير من الأسئلة سالفة الذكر، وينمي لديك عنصر التحوّط والتوجه نحو تحييد العاطفة في قراراتك التي تحتاج الى التعقل والتبصر. جميل أن تعتد بفكرك، ورأيك، ومنحنى خبرتك، والأجمل أن تتأكد من صواب قراراتك بعد الرجوع الى الأشخاص الملائمين. أن مشاويرنا الطويلة، الصعبة، المتعبة، والمعقدة مشاها كثيرون غيرنا. إستفد من خبراتهم وأدواتهم.
يعاب علينا أننا لا نعترف بالتفاوت بيننا وبين الآخرين، وهو تفاوت مقدر تقديرا عادلا ودقيقا، ولا نعمل على تجسير أو ردم الفجوات بيننا وبين الآخرين، بل نستمر، بدل العمل المبارك، في إضاعة الوقت في تعظيم عملية إنتاج الغيرة والحسد والحقد والضغينة والنميمة، وفي هذا تخلف مقيت، يؤلب الناس علينا، ويوتر العلاقات الإنسانية في المحصلة، والأهم من ذلك كله انه يغضب رب العالمين.
إن الإعتراف بالتفاوتات والمتناقضات يجعل الحياة أسهل وأجمل، وهو يدعم عنصر الثقة بأنفسنا، خصوصا إذا تم التخلي عن التقاعس في أداء الأدوار المنوطة بكل واحد فينا.