أحياء في واقع ميت – د. عصمت حوسو – الأردن
العالم الآن – قصور العقل الإنساني عن تحقيق مبتغى السعادة والراحة “والأمن والأمان”، على الرغم مما وصل له من تطور علمي وتكنولوجي بمستوى عالٍ جدًا، يعود إلى ممارسته (فنون) الفساد والإفساد في الكوكب؛ فأبدع، مما جعل من البشر أجسادًا بأرواحٍ عارية ميتة للأسف الشديد.
(المسؤولية الأخلاقية) للإنسان، ولمن في موقع المسؤولية على وجه الخصوص، لا يمكن أن تتحقق ما دامت “العقلية” التي تدير الأزمات هي ذاتها في كل كارثة؛ فكيف نتوقع التغيير في النتائج والتفكير هو ذاته والطريقة هي ذاتها والعقلية هي ذاتها كذلك؛ فهل يحقّ لنا أن نشهد نتائج مغايرة بعدئذٍ ؟؟!!
اعتقد أن الجواب والحل في آنٍ واحد يكمن؛ عندما نتوقف عن نظام “الفزعة” ونتبع طريقة “إدارة الأزمات” بعقلانية وبشكل علمي مؤطّر ومقنّن، حتمًا حينها سننجح في التصدّي لأي كارثة طبيعية أو إنسانية، وبأقل الخسائر البشرية والمادية على حدّ سواء.
التصورات الخاطئة في التمادي -دون حساب أو حتى عقاب- بتغليب حقوق الأقلية الطمعانة على الأغلبية الغلبانة، وحَصْر الحقّ الإنساني في تلك القلّة، وتدجينه لصالحها فقط، دون الالتفات لما يترتّب على ذلك من خراب مؤسساتي ووطني، وتدهور أخلاقي فردي وجمعي، هو “انتحار وطني” وإفلاس سياسي دون أدنى شكّ، وهذا هو الجهل بعينه؛ الجهل بالفعل وبعواقبه..
وبما أن التعريف العلمي “للمسؤولية الأخلاقية” يصبّ في تقبّل تبعات أي فعل نختاره، سواء التبعات المادية أم المعنوية، يعني ذلك؛ إن اختيار فعل الغشّ في العمل، مثلاً، وعدم إتقانه، وشراء الذمم في عطاءات (البنى التحتية)، يتطلب منا أيضًا تحمّل مسؤولية خطايا الأرواح التي تُزهق نتيجة لذلك، وتبقى معلّقة في تلك الرقاب طالما الدنيا تدور..
وبالإضافة إلى ذلك، إن المسؤولية الأخلاقية تقتضي منا أيضًا “الاعتراف” بأننا مسؤولون عن أفعالنا أمام القانون، ومن المفترض أن القانون يُطبّق على الجميع دون استثناء، لكن، عندما يحصل العكس، ويكون تطبيق القانون انتقائي، والتنصّل من المسؤولية ( فنّ )، والتسرع في إلقاء اللوم على الأقل حظًا والأقل نفوذًا هو السائد، وجاهزية كبش الفداء على أهبّة الاستعداد دومًا؛ فلا غرابة إذًا مما حدث من كوارث إنسانية، وما سيتكرّر منها فيما بعد إن بقي هذا الوضع المُعيب والمُريب في ذات الوقت على ما هو عليه، ولا تستغربوا أيضًا ( فساد الشعب كله) لا فقط فساد بعضه، ومالا يُحمد عقباه قادمٌ لا مُحال، ويا مغيث..
المسؤولية الأخلاقية يا سادة، هي إجابة المسؤول على نواياه وأفعاله أمام ( الضمير) وهيهات إن وُجدَ الأخير؛ فالمسؤولية والمناصب بناءً على (الكلاشيه) المعلوك هي تكليف لا تشريف، وهي حتمًا ليست تفنّنًا ولا حتى إبداعًا في اختراع “تقنيات التملّص” الكثيرة جدًا من المسؤولية، ولكن ما يحدث في هذا الواقع (الميّت) من قبل الأحياء هو العكس تمامًا ..
المنظومة الأخلاقية والقيمية اليوم هي في حالة من ( التلاشي) للأسف، وهنا مكمن الخطورة وقرب السقوط في الهاوية، وهذا سبب أزماتنا المتكررة كذلك.
اعتقد جازمة أننا الآن في واقع أصبح طالب الحق فيه يسمى فاجر، وتارك حقه مطيع، والمشتكي مُفسد، والنبيه ملحد، أما الصالح الأمين فهو الخامل المسكين..
نحن في واقع غدى النفاق سياسة، والنذالة دماثة، والتصاغر أدب، والتذلّل لُطف، والتملّق فصاحة، وقبول الإهانة تواضع، والرضا بالظلم طاعة، وترك الحقوق سماحة، ودعوى الاستحقاق غرور، والإقدام تهوّر، والشهامة شراسة، وحرية القول وقاحة، والوقاحة جرأة، وحرية الفكر كُفر، أما حبّ الوطن فأمسى جنونًا. دستور من هذا الواقع الرديء..
لا يسعني في هذا المقام أن أختم هذا المقال سوى بكلمات محمود درويش التي تليق بما يحدث اليوم بما ورد أعلاه وإن كان أعلاه قاسيًا؛ ” أيهاالأحياء تحت الأرض عودوا؛ فإن الناس فوق الأرض قد ماتوا“..
صحيحٌ أننا ما زلنا أحياء ولكننا نعيش في واقع ميّت؛ فليس بحرنا هو الميّت فقط، وإنما واقعنا أيضًا؛ والإنسان الذي لا يقرأ ولا يفكر ولا يحلّل ولا يكتب ولا يعبّر ولا يقاوم هو ميّت وإن عاش، وإحنا كلنا عايشين لكننا لسنا أحياء…
سواء من (وحل) الواقع أم من (وحيه)، لا فرق، سيبقى لنا دومًا من هذا الحديث بقية….دمتم…
#دة_عصمت_حوسو
#مركز_الجندر_استشارات_نسوية_اجتماعية..
Www. GENDERCENTERJO. Com