كوشنر في الشرق الأوسط لتمرير صفقة القرن وفق الرؤية الأمريكية
العالم الآن – مبنية على حزمة تنازلات مناسبة للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بعيدا عن الماضي لفتح صفحة جديدة تنعم فيها المنطقة بالأمل والفرص الهائلة”.
كلمات لخّصت رؤية المستشار في البيت الأبيض جاريد كوشنر المكلف من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمبادرة السلام في الشرق الأوسط المعروفة باسم “صفقة القرن”.
ولم يعلن جاريد كوشنر خطته للسلام في المنطقة خلال جولته الأخيرة بها على أمل الإعلان عنها رسميا بعد الانتخابات الإسرائيلية في 9 نيسان/أبريل القادم.
يعتقد كوشنر أن مبادرة السلام العربية التي أقرها القادة العرب في قمة بيروت عام 2002 لم تنجح في إحلال السلام، بينما لا يزال العرب يتمسكون بها كأساس لأية تسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مرتكزات حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وحق اللاجئين بالعودة وإزالة المستوطنات الإسرائيلية خارج حدود الرابع من حزيران 1967.
لم تشمل جولة جاريد كوشنر إسرائيل، كما أنها لم تشمل أيضا السلطة الفلسطينية التي جمّدت اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية بعد إعلان الرئيس الأمريكي القدس عاصمة لإسرائيل أواخر عام 2017، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
جاء توقيت الجولة بعد نحو أسبوعين من عقد مؤتمر حول الشرق الأوسط عقد في وارسو برعاية الولايات المتحدة، وشارك فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي وممثلون عن عدد من الدول العربية لحشد الدعم ضد إيران، والترويج للمبادرة الأمريكية لإحلال السلام والمضي باتجاه التطبيع العربي الإسرائيلي، وهو المؤتمر الذي قاطعته السلطة الفلسطينية.
وبحسب وسائل إعلام أمريكية، فإن مبادرة السلام قد تشمل في جانبها الاقتصادي استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات للفلسطينيين في الضفة والقطاع، ومصر والأردن وربما تشمل لبنان أيضا.
ويحاول جاريد كوشنر البناء على فرضية الفصل بين المسارين الاقتصادي والسياسي الذي يعتمد مبدأ الأرض مقابل السلام، وتغليب المسار الاقتصادي وإعطاءه الأولوية كمدخل للمسار الثاني، وهو ما يرفضه القادة العرب حتى الآن.
تفترض مبادرة السلام إنفاق ما لا يقل عن 65 مليار دولار على الشق الاقتصادي منها، بواقع 25 مليار دولار على الضفة والقطاع، و40 مليار دولار لدول الجوار المعنية بالمبادرة، مصر والأردن ولبنان؛ تساهم الولايات المتحدة بجزء منها ومعظمها ستكون من أموال دول المنطقة والدول الخليجية.
في جولته الشرق أوسطية التي شملت تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، أجرى كوشنر محادثات تناولت الشق الاقتصادي من مبادرة السلام.
رافق مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر في جولته الشرق أوسطية، الممثل الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الإيرانية براين هوك.
ووفقا لبيانات البيت الأبيض، فإن جاريد كوشنر أجرى في الرياض محادثات مع العاهل السعودي وولي عهده لحشد التأييد لخطة الولايات المتحدة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الاجتماع الأول له مع القادة السعوديين منذ مقتل جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بإسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
تناولت المباحثات تعزيز التعاون بين السعودية والولايات المتحدة وجهود الرئيس الأمريكي لإحلال السلام في الوقت الذي يواصل مشرعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الضغط على الإدارة الأمريكية للحد من علاقاتها مع السعودية على خلفية الحرب في اليمن ومقتل جمال خاشقجي الذي تشير دوائر أمريكية إلى مسؤولية مباشرة لولي العهد، الحليف المقرب من جاريد كوشنر، وهو ما تنفيه السعودية رسميا.
وتؤكد السعودية على موقفها تجاه “استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”، وهو الموقف الذي أعلنه ملك السعودية مؤخرا في القمة العربية الأوروبية التي انعقدت في شرم الشيخ بمصر.
وفي أنقرة، بحث جاريد كوشنر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جهود الولايات المتحدة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وقضايا الوضع النهائي في الصراع؛ بالإضافة إلى زيادة التعاون بين بلديهما وبحث “سبل تحسين أوضاع المنطقة بأسرها من خلال الاستثمار الاقتصادي”، وفق بيان للبيت الأبيض.
وكان الوفد الأمريكي قد التقى الاثنين 25 شباط/فبراير بالسلطان قابوس بن سعيد في عاصمة سلطنة عمان لبحث جهود السلام في المنطقة.
وفي الإمارات العربية المتحدة، التقى جاريد كوشنر ومرافقاه، جيسون غرينبلات وبراين هوك، بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الثلاثاء 26 شباط/فبراير لبحث “زيادة التعاون بين الولايات المتحدة والإمارات، وجهود إدارة ترامب لتسهيل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وطرق تحسين المنطقة بأكملها عبر الاستثمار الاقتصادي”.
وكشف المستشار في البيت الأبيض جاريد كوشنر في لقاء مع وسائل إعلام عربية عن أبرز مبادئ مبادرة السلام الخاصة بالشرق الأوسط مع تشديده على أهمية الحفاظ على سرية الكثير من التفاصيل التي أثبتت جولات المفاوضات السابقة أن خروجها، أي التفاصيل، قبل نضوجها كانت تدفع السياسيين إلى الهروب من الخطة.
وفي تصريحات لوسائل إعلام عربية، أبلغ جاريد كوشنر رغبته في رؤية الفلسطينيين المنقسمين حاليا بين الضفة الغربية وقطاع غزة دون فصل جغرافي بينهما تحت قيادة واحدة تسمح للشعب الفلسطيني في أن يعيش الحياة التي يصبو إليها.
سبق للرئيس الأمريكي أن امتدح جدار الفصل العنصري الذي شيدته إسرائيل، إلا أن جاريد كوشنر ومساعده يرون أن مبادرة السلام ستزيل في نهاية المطاف خطوط الفصل في منطقة الشرق الأوسط بأكمله عبر إدماج إسرائيل في المنطقة، أي التطبيع العربي الإسرائيلي.
يضع راسمو مبادرة السلام نصب أعينهم بناء منطقة خالية من الإجراءات الحدودية المعرقلة للتدفق الحر للبضائع لخلق المزيد من الفرص الاقتصادية بما يخلق تأثيرا في جميع دول المنطقة.
وتواجه مبادرة السلام معارضة إسرائيلية من الائتلاف المعارض لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقيادات في حزبه “الليكود” عبر التحذير المتبادل من القبول بأية خطة سلام تسمح بقيام دولة فلسطينية.
وعلى الجانب الفلسطيني، يرفض الفلسطينيون أية مبادرة للسلام لا تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، تضاءل تأثير الدور الأمريكي في مجمل عملية السلام مع رفض فلسطيني لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل بشكل مباشر أو عبر الوسيط الأمريكي.
أرجأ المفاوضون الأمريكيون السابقون مناقشة القضايا الخلافية الأساسية إلى المرحلة النهائية من المفاوضات، مثل قضية القدس وحدود الدولة الفلسطينية ومسألتي المستوطنات واللاجئين.
إلا أن الإدارة الأمريكية ومنذ وصول الرئيس دونالد ترامب اعتمدت جملة قرارات شكلت تحديا جديا للدور الأمريكي وقبول الفلسطينيين به مجددا.
ومن بين تلك القرارات، وقف دعم وتمويل منظمة إغاثة اللاجئين “الأونروا”، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وإنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين وقرارات أخرى خلقت قناعة لدى السلطة الفلسطينية بالانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل وتحطيم أية طموحات بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
ومن المستبعد أن يقبل القادة العرب بخطة سلام تضعها الولايات المتحدة دون إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وإزالة المستوطنات.
وعلى مدى أكثر من أربعة عقود احتكرت الولايات المتحدة كل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الرغم من وجود هيئة الأمم المتحدة كمنظمة مهمتها حل الصراعات الدولية.
ما لم تعلن الولايات المتحدة عن الجانب السياسي من مبادرتها للسلام في الشرق الأوسط، فإن حظوظ إحراز تقدم في الجانب الاقتصادي منها لا تبدو واقعية، إذ يجد العرب أنفسهم أمام فهم كامل المبادرة قبل تقديم الدعم الاقتصادي الذي يحاول جاريد كوشنر إعطاءه الأولوية في خطة المبادرة.
” الأناضول”