لماذا يوجد يوم عالمي للحيض ؟!
العالم الآن – اليوم العالمي للحيض في 28 آيار من كل عام ولكن .. لماذا؟
بعد الدورة الشهرية، تصبح النساء أكثر إتقاناً لبعض المهارات مثل “الإدراك المكاني” الذي يعني الوعي بالعلاقة المكانية بينهنّ وبين الأشياء المحيطة بهنّ
كيف تتلاعب الدورة الشهرية بدماغ النساء كل شهر؟
يشكل جسد المرأة وهرموناتها مادةً دسمة للأبحاث، فمنذ مصر القديمة وصولاً إلى اليونان لطالما أثارت “هستيريا النساء” فضول الفلاسفة والعلماء بحيث أنهم تأملوا هذه الحالة الغريبة لآلاف السنين وخرجوا بنظرياتٍ عديدةٍ.
وفي حين أن أفلاطون كان يعتقد بأن الهستيريا تعود إلى “الرحم المتنقلة” التي تكون حزينة حين لا تنجب مولوداً جديداً، فإن الفلاسفة الآخرين اعتبروا أن هذه الحالة تحدث حين تكون الرحم محاصرة في أجزاء مختلفٍة من الجسم، وقد استمر هذا الاعتقاد حتى القرن التاسع عشر بحيث كان يتم علاج هذه المسألة عن طريق إيصال النساء إلى النشوة الجنسية من خلال الهزاز.
وبالرغم من أن الجمعية الأميركية للطب النفسي لم تعد تعتبر أن “الهستيريا” حالة مرضية تستدعي دخول النساء إلى المصحات العقلية أو الخضوع لإستئصال الرحم، إلا أنه في وقتنا الراهن، ما زال هناك اعتقاد بأن الحالة البيولوجية للمرأة وخاصة الدورة الشهرية يمكن أن تؤثر على دماغها ومزاجها.
تقلبات مزاجية
عندما تكون المرأة سيئة المزاج و”moody” أول ما يخطر على بال البعض أن السبب الأساسي وراء تقلب مزاجها هو كونها تعاني من متلازمة ما قبل الحيض (PMS) التي تكون في الغالب مصحوبةً بمجموعةٍ من الأعراض الجسدية والنفسية وحتى العاطفية: “يمكن أن تسبب فترة ما قبل الدورة الشهرية تقلبات مزاجية حادة لا يمكن للنساء السيطرة عليها، إذ قد ينتقلن من نوبات البكاء إلى نوبات الغضب والقلق ثم العودة إلى حالة عاطفية مستقرة، كل ذلك في يومٍ واحدٍ فقط”.
ومن الملاحظ أن الرغبة الجنسية لدى العديد من النساء تزداد أثناء فترة الإباضة نتيجة زيادة الإفرازات المهبلية وارتفاع مستوى الهرمونات الجنسية في جسمها.
يوضح موقع “بي بي سي” أن بعض النساء يشعرن فعلاً بالقلق والانزعاج في الفترة التي تسبق الدورة الشهرية والبعض منهنّ يشعرن بزيادة الرغبة الجنسية مع اقتراب موعد المبيض، ولكن هذا لا يعني أنه يمكن تفسير الأعراض دوماً على هذا الشكل، خاصة أن لكل سيدة حالتها الخاصة، ومع ذلك يمكن القول إن الدورة الشهرية تؤثر على مزاج المرأة وعلى كيفية تعاملها مع محيطها.
الدماغ أثناء الدورة الشهرية
منذ الثلاثينيات يعمل العلماء على دراسة الطمث وتأثيراته الغريبة على سلوك المرأة بشكلٍ مدهشٍ، فمن المهارات المكانية وصولاً إلى الرغبة الجنسية، يبدو أن هناك تغييرات معيّنة تحصل في الدماغ أثناء الدورة الشهرية.
واتّضح أنه بعد الدورة الشهرية، تصبح النساء أكثر إتقاناً لبعض المهارات مثل “الإدراك المكاني” الذي يعني الوعي بالعلاقة المكانية بينهنّ وبين الأشياء المحيطة بهنّ.
وقد تبين أنه بعد مرور 3 أسابيع على الدورة الشهرية، تصبح المرأة بارعة في عملية التواصل والتعاطف أكثر مع الأشخاص الآخرين وفهم أحاسيسهم.
فما سبب ذلك؟
بمعزل عن نظرية الرحم المتجولة، أوضح موقع “بي بي سي” أن المصدر الرئيسي لهذه التغييرات التي تشهدها المرأة هو المبيض.
فهذه الغدد التناسلية مسؤولة عن تكوين البويضات وإنتاج الهرمونات الجنسية مثل الأستروجين والبروجيستيرون بكمياتٍ مختلفةٍ طوال الشهر، الأمر الذي يؤثر بشكلٍ كبيرٍ على دماغ المرأة وسلوكها، ولعلّ هذا ما يفسر طرق اختلاف الأنثى عن الذكر.
دور الهرمونات في تعزيز الاختلاف بين الجنسين
ليست هرمونات البروجيستيرون والأستروجين مجرد هرموناتٍ جنسيةٍ تؤثر على الإباضة والتكاثر، إنما تؤثر أيضاً على عددٍ كبيرٍ من الوظائف المعرفية والعاطفية، وفق ما أكده موقع “ساينس ديلي”.
بمعنى آخر، يمكن القول إن مثل هذه الهرمونات تلعب دوراً كبيراً في تحديد سلوك البشر كما تساهم في تعزيز الاختلاف والفروق بين الجنسين.
في هذا الشأن، يقول ماركوس هوسمان، عالم الأعصاب في جامعة دورهام، إن الفروق الجسدية بين الجنسين تعود إلى التقلبات الطبيعية في مستويات الهرمونات الجنسية:” قد نعني بذلك الدورة الشهرية عند النساء أو التقلبات الموسمية في مستوى التستوسترون لدى الرجال… إنها تجربةٌ طبيعيةٌ بالكامل”.
واللافت أن لدى المرأة مهارات إجتماعية تتفوق من خلالها على الرجال، لأن النساء يتمتعن بحس تعاطفي ويتفهمن مسألة أن يكون لدى الآخرين منظور مختلف عن منظورهنّ الخاص، كما أنهنّ يتفوقن على الرجال بمهارات التواصل، ولعلّ هذا ما يفسر السبب في أن الأطفال الذكور أكثر عرضةً بأربعة أضعاف لتشخيص إصابتهم بمرض التوحد في حين أن الفتيات أفضل في طمث أعراضهنّ، إضافة إلى أن الفتيات يتمكن من الكلام في وقت أبكر من الصبيان، على حد قول “بولين ماكي”، أخصائية علم النفس في جامعة إلينوي في شيكاغو.
في العام 2002، حرصت ماكي على معرفة كيفية تأثير المستويات المتقلبة للأستروجين على قدرات النساء على مدار الدورة الشهرية، وقد تم تقييم كل مشتركة مرتين: مرة بعد الدورة الشهرية حيث تكون معدلات الأستروجين والبروجيستيرون منخفضة، ومرة أخرى بعد حوالى أسبوع من الإباضة، حين يكون مستوى البروجيستيرون والإستروجين مرتفعاً.
وبالرغم من أن الدراسة شملت فقط 16 إمرأة طلب من كل واحدة منهنّ إكمال مجموعةٍ من الاختبارات العقلية، إلا أن النتائج كانت ملحوظة، إذ تبين أنه خلال الأيام التي كانت فيها الهرمونات الأنثوية عالية، عجزت المشتركات عن القيام في الأشياء التي يبرع فيها الرجال عادةً مثل الإدراك المكاني، في حين أنهنّ كن أفضل في الأشياء التي تميل النساء إلى إتقانها مثل القدرة على التواصل والإتيان بكلماتٍ جديدةٍ، وفي المقابل حين كان معدل هرموناتهنّ الأنثوية منخفضاً، فإن هؤلاء النساء تمكن من استعادة إدراكهنّ المكاني.
الشق المثير للجدل أيضاً أن إحدى القدرات التي تحسنت أيضاً لدى المرأة في الوقت الذي كانت فيه معدلات الهرمونات الأنثوية مرتفعة هو “التذكر الضمني” الذي تصفه “ماكي” بأنه “الذاكرة الباطنية التي تكون من دون جهد”، والتي تتعلق بشكلٍ خاصٍ بتذكر الكلمات مما يساهم في تطوير مهارات التواصل.
نتيجة لذلك، تعتقد “ماكي” أن هذه التغييرات الشهرية كانت مدفوعة في المقام الأول بالأستروجين، لكون هذا الهرمون يؤثر على منطقتين في الدماغ:
-الحصين أو حصان البحر الذي يساهم في تخزين الذكريات ويعدّ فعالاً لناحية تذكر التجارب الخاصة مما يساعد على فهم دوافع الآخرين، واللافت أن حجم هذه المنطقة تزداد كل شهر مع إزدياد تدفق الهرمونات الأنثوية.
-اللوزة المخية التي تساعد في عملية معالجة المشاعر، وخاصة الخوف وقرار القتال أو الفرار، كما أن اللوزة الدماغية تساعد على تجنب الأخطاء الاجتماعية لأن فهم سبب خوف الشخص الآخر يتطلب رؤية العالم من منظوره، بمعنى آخر فإن قدرات المرأة على التعرف على الخوف مرتبط بشكلٍ وثيقٍ بمستويات الأستروجين خاصة أنه تبين أن النساء اللواتي يفتقرن إلى القدرة على إنتاج هرمون الأستروجين يعانين من مهارات اجتماعية ضعيفة.
كما تبيّن أن المرأة تميل إلى استخدام الجانبين من دماغها عندما تزداد معدلات الأستروجين والبروجيستيرون كل شهر، وتسمح هذه الميزة لمزيد من المرونة في التفكير.
رصيف22