نحن والحالة الفلسطينية: هموم عابرة للحدود- د.غالب سعد – الأردن
العالم الآن – مضت أربعة عقود ونصف، على قرار القمة العربية في الرباط، عام 1974، القاضي باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ومضى أكثر من ربع قرن على إنشاء السلطة الفلسطينية، في اطار اتفاق اوسلو، الموقع عام 1993، بين المنظمة وإسرائيل ، حاول الفلسطينيون تجسيده على أرض الواقع بإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، فلا الدولة العتيدة رأت النور، ولا فكرة التمثيل إحتفظت ببريقها، أو أنتجت ما يبرر المعارك والتضحيات التي بذلت من أجلها، هناك الكثير ما يمكن قوله، حول الأسباب التي أدت الى تبديد تلك الأحلام الجميلة،بعضها من صنع الفلسطينيين أنفسهم، وأخرى خارجة عن إرادتهم،
يمكن أن يمتد الحديث مسترسلاً عن السيناريوهات المتعلقة بمستقبلهم، ولكن في هذا المفترق التاريخي، يجب التريث قليلاً، في إنتظار شكل الوزارة الفلسطينية قيد التشكيل، برئاسة الدكتور محمد أشتية، وبرنامجها السياسي، وما سيؤول الية وضع الإنقسام بين الضفة والقطاع، أو وضع الضفة ذاتها، على ضوء نتائج الإنتخابات الإسرائيلية القادمة، والإنتخابات الفلسطينية، اذا قُدِرَ لها أن تحصل، واستحقاق صفقة القرن الأمريكية المنتظرة، وما قد تحمله من مفاجآت، وأخيراً إستحقاق الرئآسة الفلسطينية، عاجلاً أم آجلاً، وكلها محطات حاسمة، ستترك آثاراً عميقة على مستقبل القضية الفلسطينية، وربما على المنطقة بأسرها، والى حين ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود، يمكن التوقف في عجالة، عند جزئية أصداء الحالة الفلسطينية الراهنة في دول الجوار، مصر والأردن بشكل أساسي.
يتركز الإهتمام المصري بشأن القضية الفلسطينية، على قطاع غزة ، باعتباره نقطة التماس الجغرافي والديمغرافي مع شبه جزيرة سيناء، الخاصرة الأمنية المصرية الرخوة، وبالتالي فهو قضية أمن قومي مصري بإمتياز، تطغى على كل إعتبار، مهما كانت الشعارات التي تُرفع عند اللزوم، كان هذا المفهوم المعتمد في السياسة المصرية، قبل ثورة يوليو وبعدها، ولكنه تأكد بشكل واضح في السنوات الأخيرة، نتيجة الإضطرابات الأمنية المتكرره في شبه جزيرة سيناء، وسيطرة حركة حماس علي القطاع منذ أكثر من احدى عشر عاماً، وهي المعروفة بنسبها الآيديولوجي مع الحركات الأسلامية المناهضة للنظام المصري، الى هذا الحد يبدوا المشهد معقداً في علاقة مصر بقطاع غزة، دون غيره من الأراضي الفلسطينية، ومن الواضح أن أطرافاً اقليمية أخرى تتقدمها إسرائيل، تشارك مصر الإهتمام بالوضع السياسي والأمني في القطاع، والتوجه مؤخرا لمعالجته واحتوائه، ولو منفصلاً عن الضفة الغربية.
ربما هذا ما يفسر فشل محاولا ت المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وعدم اكتراثهما باحتمالات الإنفصال بين الضفة والقطاع، وربما يفسرالدعم الخليجي للجهود المصرية في القطاع، والتي تجري بالتنسيق والتوافق مع الجانب الإسرائيلي، للوصول الى هدنة مع حماس، ولا شك أن الهدف المشترك والنهائي، يبقى تفكييك البنى العسكرية والفكرية الغزية المشاغبة، وصولا الى ضبط الوضع الأمني، وإبعاد النفوذ الإيراني عن المنطقة، وأخيراً فان حركة حماس التي تعيش تحت حصار وضغط شديدين، بعد أن خسرت الرهان على استمرار اللإخوان المسلمين في السلطة في مصر، وقطعت حبال التواصل مع السلطة المركزية في رام الله، لم يبقى أمامها من خيار، سوى تَفَهم القلق الأمني والسياسي لدول المنطقة، والتجاوب مع الجهود المصرية للتهدئة، وهذا يتوافق مع المعطيات الجغرافية والتاريخية والإجتماعية في القطاع، ويلتقي بشكل غير مباشر مع سياسات السلطة الفلسطينية ومتطلبات أوسلو، ولو من مدخل فصائلي مختلف، ومن خارج منظمة التحرير الفلسطينية.
أما عبر نهرالأردن، فلا يبدو المشهد الفلسطيني أقل تعقيداً، فمنذ القرار الأردني بفك الأرتباط ، ثم توقيع إتفاقية وادي عربة مع الجانب الإسرائيلي، ساد الإعتقاد أنه أصبح بالإمكان ترتيب الوضع الداخلي الأردني الى حد بعيد، بإنتظار أن ينجز الفسطينيون قضايا الوضع النهائي مع الجانب الإسرائيلي، بما يضمن مصالحهم والمصالح الأردنية المشروعة، بحكم العلاقة التاريخية والجوار، إلا أن هذا الإعتقاد لم يعد مؤكداً، بعد أن وصلت عملية السلام الى طريق مسدود، وإعلان الإدارة الأمريكية عزمها طرح ما يسمى، بصفقة القرن، وما قد ترتبه على الأردن من تبعات، ليس اقلها العبث في الرعاية الأردنيه للأماكن المقدسة وموضوع اللاجئين وحق العودة، وربما أكثر من ذلك، من تسريبات حول الحدود والتوطين والوطن البديل، هنا أصبح الأمر يتطلب من الأردنيين كما من الفلسطينيين، وقفة جادة، لتأمل العلاقات بينهما، وسيناريوهات المرحلة القادمة، ان لم يكن لتغيير مجرى الأحداث ودرء الأخطار بالكامل، فعلى الأقل، للحد من الأضرار وتقليل الخسائر، هذا ما يفسر قلق الشارع على ضفتي النهر، والإعتقاد السائد، أن القوى المهيمنة على النظام العالمي، لا تأبه كثيراً بمصالح الدول الصغيرة المسالمة، لا سيما إذا تعلق الأمر بمصلحة إسرائيل.
ربما يجوز للأردنيين أن يقلقوا قليلاً، ولكن في وضع الإستعداد، يحق لهم أن يطمئنوا كثيراً، وهم يتابعون التحركات المكثفة التي يقوم بها قائد البلاد، على الصعيد الدولي وفي الساحة الأمريكية، بشكل خاص، فلا يغيب عنهم جميعاً، صعوبة المرحلة، وضرورة تجاوزها بالحكمة والعمل الجاد المسؤول، لا سيما وأن مصاعب إضافية ناتجة عن تردي الوضع الإقتصادي، ومطالب داخلية مختلفة، فضلاً عن الضغوط الخارجية التي تصل أحياناً لدرجة الإبتزاز، ليس في الموضوع الفلسطيني فحسب، بل في غيره من الملفات الإقليمية المفتوحة، يحتاج الأردنيون لمواجهة هذه التحديات لخطة شاملة، بمقاربة غير تقليدية، على مستوى الأفكار والوسائل، وربما تكون البداية، بالمبادرة والتحرك الوقائي بإتجاه الضفة الغربية بشكل خاص، على غرارالتحرك المصري مع قطاع غزة، وقد يحتاج الأشقاء غرب النهر لبعض المساعدة السياسية والتنظيمية، في حدود المطلوب، وقد يحتاجون لمن يحثهم على ترتيب أوضاعهم في حدود الممكن، وتحديد مواضع قلقهم، بالتوازي مع تفهم قلق الأردنيين أنفسهم، بنفس الصراحة الوضوح والشفافية، بعيداً عن حساسية التدخل وكبرياء الهويات، بل في إطار من التضامن الأخوي الذي تفرضه عوامل الجغرافيا والتاريخ، وفي اطار من الواقعية السياسية، التي تفرضها حكمة التجربة وغريزة البقاء، أما بالنسبة للأشقاء والأصدقاء، الذين إختبروا الأردن وخَبِروه، وعرفوا معدنه الأصيل، فهناك مؤشرات مطَمْئِنَة، كتلك التي ظهرت في مؤتمر لندن الأخير، والتصريحات التي تؤكد الثقة بالأردن وقيادته ودوره، والإلتزام بدعمه واستقراره، ومع التقدير لهم جميعاً ولنواياهم الطيبة، فيمكن الجزم أن جلالة الملك قد قام أثناء جولاته المتكررة، بما يلزم من توضيح لثوابت الأردن ومتطلباته، وحدود قدرته على الصمود والتحمل، وقبل كل شيء خطورة المغامرة في تحميله ما لا يحتمل، يبقى على الأردنيين أن يتذكروا الحكمة القائلة، ما حك جلدك مثل ظفرك، ومعناها في لحظة الإشتباك، أن ليس أهم ولا أثمن، من تكاتفهم والتفافهم حول قيادتهم، وتقديم ما هو أهم على ما هو مهم، وقيام كل منهم بما يجب، وسًد الثغرات في أدئهم الفردي والجماعي، كل من موقعه، حتى يبقى الأردن أولا، لنا وللأجيال القادمة.
[email protected]