الفردوس تنتظر عند المحراب – بسام العريان – الأردن
العالم الآن – كانت التكبيراتُ آخر الأصوات التي لامست الآذان.
وكان السجادُ المفروش آخر العهد بالألوان.
وكانت الفردوسُ تنتظر عند محراب المسجد فَسَبَحُوا إليها في لجج من الدماء.
لقد بكَّروا الذهاب إلى المسجد في ثاني جمعات رجب الأصبّ غُرَّاً محجلين من أثر الوضوء والمسابيح تتدلى في الأنامل ، وعلى الأكتاف عمائم وسجاجيد صلاة.
وكانوا يبتسمون كما لم يفرحوا بصلاة الجمعة من قبل ، ويتبادلون التهاني بيوم عيد المسلمين كما لم يسبق لنيوزيلندا وأن ذاقت طعم العيد.
وما أنْ استفتح إمام مسجد مدينة “كرايست تشيرش” ب”سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ، وحادوا المناكب بالمناكب ، وصلُّوا صلاة مودع” ، كان عدو نفسه خلفهم لايحب تسوية الصفوف ، ولا محاداة المناكب بالمناكب ، وكان كل همِّهِ جَعْل صلاتهم صلاة مودع ، فاقتنصهم فردا فردا بدم بارد كما يقتنص الصياد العصافير .
وكانت الرصاصات الغادرة القادمة من الخلف تخترق الأبدان وإنْ لم تنجحْ في تحريف المصلين عن قبلتهم ، بل أسهمت دون قصد في دفعهم أشبارا إلى الأمام ليقتربوا أكثر من المحراب.
وبينما هم يتقلدون أوسمة الخواتيم كان “برينتون تارانت” يبتعد عن دائرة المسجد والحارة والبلدة وقبل ذلك يخرج من دائرة الإنسانية وهو يقتحم بيت الله ويحز رقاب عباده ، ليوصل رسالته الشريرة ، بغض النظر عما إذا كان هو كاتبها أو أنها أمليت عليه ليبلغها.
إلا إن نيوزيلندا ومن على شاكلتها ستتعامل مع هذه الجريمة البشعة بقياسات مختلفة ، وسيتضرر منها الإسلام رغم أنه المستهدف بالرصاص.
وسيذوق مرارتها المسلمون رغم أنهم ضحايا الغدر.
وستخرج نيوزيلندا من المأساة بالمزيد من القراءات المغلوطة عن الإسلام وبالتشديد على المسلمين والتضييق على المساجد.
ووحدهم الرُّكَّع السُّجود الذين توجهوا إلى المسجد للصلاة من فازوا بأوسمة الإستشهاد ، ونالوا شرف السباحة في دمائهم إلى المحراب ، لتستقبلهم الملائكة فتعرج بهم لمقاعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرْ.
فيا فوز من يعبر الصِّراط في ركوعه ، ويا سعد من يسجد ولا يقوم من سجوده إلا في غمامة تسبح به نحو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.