وردة على قبر أمي – علي الشطرات – الأردن

0 377

العالم الآن – اليوم عيد أمي.. أمي التي نشأت على التقوى ونظافة اللسان وكثرة الاحسان، وأنشأتنا على طاعة الله والخُلق القويم.. أمي التي علمتنا الحياة واحترام الناس، وكنا تلاميذ في مدرستها، خلقا وتعليما وتربية.. أمي التي عاشت بهدوء زاهدة بالحياة، ورحلت بهدوء شوقا للآخرة التي عملت لها.

كم أنت جميلة يا من نهلنا من نهر عطائك الذي لا ينضب.. الحب والكرامة والعمل والاجتهاد، وتاج ذلك حب الوطن، الذي كنت تذرفين دموعاً على شهدائه، ويستبدّ بك الشوق للعودة إليه، وتتسمّر عيناك باتجاهه، فتنهمر دموعك مدرارة.. حسرة وحبا وشوقا، ويأخذك عقلك إلى مسقط الرأس والنشأة، عندما كنا نزور وإياك، بطلب متكرر منك، ضريح أمين الأمة الصحابي الجليل أبي عبيدة، عامر بن الجرّاح.

أمي الجميلة.. رغم أنك لم تتعلمي على مقاعد الدرس، إلا أنك كنت مدرسة في حياتك وفي مماتك.. أديت رسالتك تجاه الخالق، وتجاه بيتك، وتحملت شقاوتنا ومزاحنا، وحملت همومنا كبارا وصغارا، وشاركتنا فرحنا وحزننا، وخففت عنا بالكلمات الرقيقة البسيطة، بساطة حياتك: فاختارك ربّ العزّة إلى جواره أفضل اختيار.. يوم الخميس وليلة السابع والعشرين من شهر رمضان الفضيل والعشر الأواخر منه، وجاد عليك بمكرماته أنْ جمع من الخلق كثيراً، للصلاة على جثمانك الطاهر.

أمي المؤمنة.. لا أنسى نعشك الراكض إلى الثرى، والذي أدهشني لحظة حملته واخوتي بأيدينا، فأيقنت بعد صحوي من هول الصدمة، وبعد أن ذهب ظمئي وابتلت عروقي بعد صيام، أنه لشدة إيمانك كنت تقولين “خذوني إلى قبري خذوني”.

أماه.. يا أماه.. وا حرّ قلباه، ففي قلبي لوعة.. لوعة الفراق المفاجىء، أشتاق إليك شوق الأرض العطشة لغيث السماء، وأدعو لك بالرحمة، وأن يجعل الله قبرك نوراً ورياحين، فاهنئي أماه -إن شاء الله- بمقعد صدق عند عزيز مقتدر، وسعت رحمته كلّ شيء، وهيأ جنات خلد لعباده الأتقياء الأنقياء الصالحين.

يا أجمل الأمهات.. يا من كنت تخففين عني همّي ليل نهار. في عيدك -وأنت التي كنت تعرفين أن كل أيامك في الدنيا أعياد- أهديك وردة حب وطاعة. يا من كانت تكتحل عيناي برؤيتك كل صباح، أهديك كل الدعوات بالرحمة: فأنت الزيتونة التي كان ورقها أخضر طوال ثلاثة وستين عاماً، يظللني ويدفع عني عاديات الدهر، بادئاً يومي برضاك الفطري البسيط، الذي لن أنساه “الله ينوّر عينيك ويرزقك”، حتى في عزّ مرضك الذي امتحنك به المحيي والمميت.. حباً لك وكرامة.

يا أطيب الأمهات.. “أحتفل” اليوم بعيدك -على طريقتي- كما لو كنت أمام عينيّ ماثلة بهدوئك وطيبتك: فكل يوم لك عيد يا أماه، ولك مني وردة حب مع ندى كل صباح، ومع شقشقة عصافير الوطن قبيل كل شروق للشمس، ومع سحابات الغيث التي يسيّرها الغفور الرحيم سقيا لخلقه أجمعين.

أمي.. إليك أزجي تحياتي، وليديك الطاهرتين قبُلاتي، وأبتهل إلى ربي أن يكرمك في مثواك، ويجعل الجنة مسكناً لك مع الصالحات والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا.

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد