#كومستير .. الربيع الجزائري – شادن صالح – الأردن

0 3٬900

العالم الآن – في حياة كل زعيم ما يكفي لكتابة مذكراته او الكتابة عنه ، غير ان رصيد المجاهد بو تفليقه الذي ابتدأ قبل تسلمه زمام الأربع عهدات الماضيه لا يبدو كافياً لفتح شريان قلبه او تخفيض ضغط جسده المريض ولا ضغط الشارع المرتفع الذي يرى في اعادة طرح اسمه دون سواه لعهدة خامسه اهانة لذكائه وخيانة لطموحاته وآماله ، وليس تنكّراً لما قدمه اخر المجاهدين للجزائر الوطن والشعب .
وقبل ان نخوض في تفاصيل الازمه ، ينبغي ان نتذكر بان الحزائر الذي يقطنه قرابة أربعين مليون نسمه هو اكبر دوله مساحة في افريقيا الْيَوْمَ وأكثرها ثراء من حيث المصادر والثروات الطبيعيه حيث يُعد ثالث اكبر دوله مصدره للغاز الطبيعي في العالم وتربطه علاقات سياسية وتجاربه عابره للقارات على الرغم من تناقضاتها ، اذ يُعتبر مُستعمَر الامس فرنسا الشريك الاول والاساسي في كافة المجالات يليه
الروسي .

بوتفليقة الذي يتميز بالدهاء السياسي استطاع إخماد شرارة الحراك في بداية سنوات الربيع العربي من خلال إنفاق عائدات النفط على مشاريع وطنية التي عملت على امتصاص بعض الغضب وإسدال الهدوء نوعاً ما في الشارع الجزائري، والعمل على استبعاد كل عوامل الاستبداد التي ظهرت في ثورات اخرى كالسورية والليبية مثلاً والابتعاد عن القمع والتدمير المنهجي وبالتالي تشكل تيار مناهض للربيع العربي كما في تونس وإضفاء بعض التناغم مع النظام السائد.
لكن في النهاية فأن التغيير حتمياً وضرورياً ولذلك كان لا بد من كسر الصمت عن السياسات الأمنية ومصادرة القرار الوطني والتفرد بالسلطة.
لكن الأزمة في الجزائر معقدة بسبب عدم وجود رموز سياسة فاعلة للوصول للسلطة ، وبسبب التدخلات الخارجية في المشهد الجزائري من ناحية أخرى.

ناهيك عن التغير والحركة الكبيرة في الشارع والتي لا يكاد يوم ويخلو من جديد فيها ، ولكل بناء ما سبق يصعب التكهن بشكل قاطع بالسيناريوهات المحتملة.
لكن المجلس الدستوري الذي يقوم بفحص ملفات المترشحين سيكون مفصلياً وحاسماً في رحلة التغيير في الجزائر وبالتالي من الممكن وضع تصورات أكثر وضوحاً.
تنحي بوتفليقة عن السلطة هو بالضرورة وجود أشخاص بدماء جديدة في عروق الربيع العربي والتي لعب الجيش فيها دوراً هاماً وحاسماً فمنذ الإستقلال والمؤسسة العسكرية تقوم بالدور الرئيسي في الجزائر رغم تحجيم بوتفليقة لها بالشؤون العامة الا أنه كان العنصر الذي أجبر بوتفليقة على الإستقالة.
هذا يقودنا الى أخذ دور الجيش على محمل الحذر أكثر في الدول جميعها وليس فقط الجزائر ، الجيش الذي قد يتخذ الحفاظ على مؤسسات الدولة ذريعة في رسم سباسات التغيير خاصة وأن تجارب الدول الجارة أظهرت صورة للعسكر التي تعكس استماتته للوصول للسلطة.
لكن الجانب المشرق مما حصل في الجزائر هو تجاوز هذا الشعب لكل الأخطاء التي حدثت في دول الربيع العربي كتجنب المواجهة المسلحة مثلاً وتسلحه بالوعي الحاضر في حراكهم مستفيدين من تجارب غيرهم وموقنين بأن السلطات لكي تخرج من الأزمات تستغل أخطاء الجموع. واضعين نصب أعينهم دموية سنوات التسعينيات والتي يتجنبون إعادتها الى المشهد، ولذلك كان حراكهم سلمياً، وهذه الكلمة تحديداً ما كررته جموع الجزائريين ” سلمية سلمية ” ..
التفاؤل في الربيع الجزائري حاضراً بالتزامن مع الحذر من العسكر ومن التدخلات الخارجية أيضاً والتي تبحث عن مصالحها من ناحية وعلى حرصها على عدم تحقيق مصالح الشعب حتى لا تكون مثالاً ينتقل للدول الأخرى من ناحية ثانية .
نأمل للربيع الجزائري أن يزهر خاصة بعد انتكاساتنا في تجربة سوريا وليبيا وإخماد حركة المجتمعات في مصر أيضاً، إضافة للدعم الدولي في الصراع المستعر في سوريا.

الجزائر اليوم وعبر حراكها الشعبي تكتب فصلاً جديداً من تاريخها ومنجزاتها، وتتجاوز إخفاقاته، وتصحح الحاضر وتعالجه، وترسم لنفسها مستقبلاً أكثر قوة ومناعة وثقة، شعارها في ذلك ما رفعه شباب الجزائر في الحراك: «نعم إننا قادرون».

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد