الكونغرس الفلسطيني بين الفرص والتحديات – د. غالب سعد – الأردن
العالم الآن – للمرة الثانية أعود للكتابة عن الكونغرس الفلسطيني الإقتصادي العالمي، بعد أن عبّر كثير من الأصدقاء عن تأييدهم لإهتمامي بالموضوع، بينما استغرب البعض الآخر هذا الإهتمام، ومنهم من نصحني بالتريث، قبل الإصطفاف مع الفكرة، وصاحبا، عالم الأدوية ورجل الأعمال الفلسطيني / الأمريكي، الدكتور عدنان مجلي، ولم أجد ما أرد به عليهم، أفضل من الحكمة الشائعة، ” ان الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ” ولو إفترضنا وجود أي خلاف حول الكونغرس الفلسطيني، أو مع رئيسه، فلنلجأ للغة الحوار، ونتواصل بالكتابة، كلما تطلب الأمر ذلك، بعد هذه المقدمة البسيطة، أود أن أبدأ بالفرصة الكبيرة التي يوفرها الكونغرس للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، في وقت أنهكته ممارسات الإحتلال، وانشغل عنه معظم الأشقاء والأصدقاء، وأوشك أن يتملكه اليأس، من ضيق الحال وسوء الأداء واستفحال الخلاف على كل شيء، لدرجة الإنقسام المزمن، في هذا الظرف العصيب، تأتي فكرة الكونغرس، كما يطرحها صاحبها، بهدف تنظيم وتعبئة طاقات الشعب الفلسطيني، الفكرية والإقتصادية، وتوظيفها لتثبيت بقائه على خارطة شعوب العالم، ودعم صموده على أرضه، في وجه الإحتلال والأخذ بيده لمواجهة التحديات المختلفة، ودون أن أدخل في أي تفاصيل أخرى، فأي فرصة يمكن أن يحلم بها الفلسطينيون أفضل من ذلك، بأن يقف القادر منهم الى جانب المحتاج، ليس بتقديم الصدقات، بل بمساعدته على الإنتاج والتقدم والتفوق، وكم من الفلسطينيين سبق أن راوده مثل هذا الحلم، حتى جاء من يملك الإرادة والإمكانيات، ليترجم الحلم الى حقيقة، وهو حقه المشروع، إن لم يكن واجبه الوطني والإنساني، يقوم به بشكل مجاني وطوعي ، منفتح على كل فرصة للتعاون والتكامل، لا يتجاوز على حق أحد ولا ينتقص من دور أحد ولا يحمل أحد أي تبعات، من أي نوع.
من الطبيعي أن يكون إستعراض التحديات التي تواجه الكونغرس الفلسطيني، أصعب من عرض الفرص التي يمكن أن يوفرها، ولذلك سأُحاول إجمال أهم التحديات بموضوعية، بلا تهويل ولا تهوين، ودون أن ينتقص هذا، من إيماني بأهمية الفكرة إذا كُتِبَ لها النجاح، ولا يبدد من مخاوفي، إذا لم تأخذ حقها من المتطلبات وقواعد العمل الصحيح، أو في أسوأ الأحوال، إذا تم إختراقها وحرفها عن مسارها السليم، وأهم التحديات هي :-
يشكل الكونغرس الفلسطيني مشروع تنظيم وطني شامل، على درجة كبيرة من الأهمية والتعقيد، ويحتاج بالضرورة، لنفس المستويات من الخبرة وقواعد التنظيم والإدارة، يتم صياغتها وتضمينها في وثيقة مرجعية، فكرية وتنظيمية وإجرائية شاملة، من التخطيط حتى التنفيذ.
مع أن الطابع المعلن للكونغرس، هو إقتصادي تنموي بحت، إلّا أن مشروعا بهذا الحجم لا يمكن عزله عن الظروف والتعقيدات السياسية، ولا يمكن استبعاد تطوره أو محاولات إختراقه أو توظيفه في مسارات غير تنموية، وهذا يتطلب تحديد المفاهيم، وتوضيح الأبعاد المختلفة للمشروع، والسياسية منها بشل خاص.
إن إنطلاق المشروع من أمريكا، وتسميته بالكونغرس، ترك إنطباعاً بأنه منتج أمريكي بامتياز، وقد يكون من مكونات صفقة القرن، التي تعدها الإدارة الأمريكية لحل القضية الفلسطينية، مما يعرِّضه لرفض مسبق من المعترضين على السياسات الأمريكية، وربما يخرجه من سياقة الوطني، وهو ما يجعلة بحاجة لتدعيم شرعيته الوطنية، وتكثيف الجهد التثقافي والإعلامي للتعريف به.
قد يواجه المشروع على الساحة الفلسطينية مقاومة شرسة، بحجة الشرعية التاريخية، من التنظيمات القائمة، التي ستهب للدفاع عن مصالحها وصفتها التمثيلية، الأمر الذي يتطلب إجراء حوارات معمقة معها، والبحث عن قواسم مشتركة، وصيغ لتحييدها أو إحتوائها أو تجاوزها.
ينظر الفلسطينيون للكونغرس، كإطار اقتصادي تنموي، في بيئة تعاني من ظروف إقتصادية صعبة، وينتظرون منه أشكالاً مختلفة من الدعم المادي والمعنوي، وقد يترتب على ذلك المبالغة في التوقعات، والإلحاح في سرعة الإنجاز وحل المشكلات، بينما هي تحتاج لمزيد من الوقت والإمكانيات، وربما تكون مستعصية على الحل أصلاً، وهذا يتطلب من ممثلي الكونغرس التقيد بموضوعية السلوك والخطاب، وتجنب المبالغات والوعود، وعدم الإفراط في التمويل.
يتوزع الفلسطينيون على عدد كبير من البيئآت والدول المضيفة، لكل منها متطلباتها، وربما حساسيتها في التعامل معهم ومع أنشطتهم، وهذا يتطلب دراسة كل تلك الظروف وأخذها في الإعتبار من النواحي الإقتصادية والسياسية والأمنية، وإيجاد المعالجات اللازمة لكل حالة منها.
ان تعدد المواضيع التي سيهتم بها الكونغرس، وانتشار المشاركين والمستفيدين عبر الدول والقارات، يتطلب الإعتماد على قواعد البيانات وتكنولوجيا المعلومات والإتصالات الحديثة والآمنة، وتحقيق التوازن في الإدارة والمتابعة، بين مركزية وضع الضوابط وإتخاذ القرارات، ولا مركزية المشاركة في صنعها وتنفيذها.
تعاني المناطق الرئيسية لإنتشار الفلسطينيين، من ظواهر سوء التنظيم والإدارة، وغياب الحوكمة والشفافية، وهو ما يتطلب من الكونغرس الحذر في التعامل مع الأشخاص والمؤسسات، وأن يعمل على تقديم نموذج مختلف من القيادة وحسن الأداء والإدارة الرشيد.
يحتاج النجاح والأداء المتميز لمتطلبات الجودة الشاملة، والتدقيق في الخيارات وبشكل خاص، اختيار الأشخاص للتصرف والتحدث باسم الكونغرس، وتزويدهم بقواعد واضحة للعمل، وتدريبهم ومكافأتهم ومحاسبتهم، على قاعدة من العدل والإلتزام بالحقوق والواجبات.
أخيراً، إن كل نشاط عام يهم الفلسطينيين، قد لا يعتبر شأناً خاصاً بهم، بل يتداخل مع شؤون الدول المضيفة والنظام الإقليمي والنظام الدولي، أحياناً، وهذا ما يتطلب من الكونغرس تنسيق سياساته وأنشطته مع إيقاع الأطراف المعنية، وتوفير ما يلزم من متطلبات وضمانات النجاح والإستمرار.
[email protected]