هل كان المعمار التونسي مصدر إلهام في صناعة فيلم”حرب النجوم”؟

0 304

العالم الآن – عاصر فندق “دو لاك” أياما هي الأفضل مقارنة بأيامه حاليا وذلك بفضل شكله المميز الأشبه بهرم مقلوب أو طائر يحلق في الفضاء كرمز لطراز معماري جديد تميزت به تونس في أوائل سبعينيات القرن الماضي.
كان الفندق يوما ما رمزا لطموح واستقرار تونس بعد حصولها على الاستقلال من الاستعمار تنشر جناحيها، لكنه بات اليوم مهجورا فريسة لسنوات الإهمال، كما أصبح مصيره معلقا في كفة الميزان.
ويعد هدمه من بين الخيارات المرجحة المطروحة على الطاولة، ويقول صاحبي جورجي، مهندس معماري شارك في رسم خطط للموقع نيابة عن ملاكه الليبيين : “البناية تحتاج إلى إنعاش من أجل الحياة”.وقال لبي بي سي إن ترميم البناية سوف يتكلف على الأرجح أكثر من تكلفة نقله، لاسيما إن أكدت دراسات إضافية شكوكه بشأن ضعف الإطار الحديدي.
وكانت مجموعة دردشة تونسية تعرف باسم “بنايات وذكريات” قد ناقشت التهديد الذي يواجه الفندق ودشنت حملة تهدف إلى الحفاظ عليه، مع تسليط الضوء على تاريخية البناية معماريا.ويعد المبنى نموذجا مميزا لنمط معماري يطلق عليه “الخرسانة الخام”، وهو نمط ساد القرن العشرين ويعرف بتصميمه الجريء والنحتي وأسطحه المكشوفة غير المزخرفة والمصنوعة من الخرسانة والمعادن.
وقال محمد زيتوني، مهندس معماري في تونس شارك في حملة للحفاظ على البناء، لبي بي سي : “الفندق شاهد فريد على عصر بعينه، فهو واحد من الأبنية النادرة بعد استقلال تونس التي تبرز رؤية ونضجا”.
وانعقدت آمال بشأن الحفاظ على الفندق بسبب رابط يظهر على موقع الفيلم الأصلي لـ “حرب النجوم” عام 1977، الذي صور مخرج الفيلم، جورج لوكاس، جزءا من خياله الفضائي في تونس، واستخدم “الصحراء” التونسية كبديل تجسيدي يرمز إلى كوكب “تاتوين” الخيالي في أحداث فيلمه.ويعتقد البعض في تونس أن مخرج الفيلم استوحى تصميم مركبة حربية أشبه بدبابة عملاقة أطلق عليها اسم “ساند كرولر (زاحفة الرمال)” من تصميم فندق “دو لاك”.
ويبدو أن مواقع الصحراء التي ظهرت في مشاهد فيلم “حرب النجوم” أصبحت مقصدا للجذب السياحي. لكن هل يمكن الحفاظ على الفندق من الهدم؟
هل ألهم الفندق المخرج لبناء مركبة “ساند كرولر”؟
تقول حملة مناشدة على الإنترنت، تروج لرابط الفيلم الذي يعتبره البعض “أسطورة”، إن الفندق “من المفترض أنه مصدر إلهام لبناء مركبة ساند كرولر في فيلم حرب النجوم”.
وقال زيتوني في وقت لاحق لبرنامج “فوكاس أون أفريقيا” لراديو بي بي سي إن لوكاس شاهد بناية الفندق عندما زار تونس أول مرة، و”استلهمه في رسم أو تصميم نوع دبابة أشبه بمبنى فندق دو لاك”.
وقال عضو بارز في فريق عمل الفيلم، اتصلت به بي بي سي لمعرفة إن كان بالفعل توجد صلة تربط بين المبنى و والمركبة الأشبه بدبابة، إنه يوجد “شبه إلى حد ما”.
بيد أن المخرج البريطاني روجر كرستيان، الذي فاز بجائزة أوسكار عن تصميم الإنتاج لفيلم “حرب النجوم”، يعتقد أن وجود أي صلة هي حجة “ضعيفة” في أحسن الأحوال.وقال كرستيان لبي بي سي إن شكل مركبة ساند كرولر يرجع إلى “رالف ماكواري”، الفنان الأمريكي الأسطوري الذي صاغ المناظر الجمالية لجميع أفلام ثلاثية حرب النجوم الأصلية.
وكان لوكاس قد عهد إلى ماكواري في وقت مبكر عملية تجهيز الفيلم، بينما كان لا يزال يكتب السيناريو ويصيغ أفكاره.
وقال كرستيان : “رسم رالف بعض من أجمل رسوماته، كانت مركبة ساند كرولر أجملها”.
بُنيت أجزاء من المركبة في استوديوهات “إلستري” بالقرب من العاصمة البريطانية لندن، وأٌرسلت قطعها عن طرق الشحن إلى تونس، ولطخ كرستيان التصميم بالطين ليوحي بالأصالة.
ويقول كرستيان إن ماكواري صمم مركبة “ساند كرولر” قبل تحديد تونس كموقع محتمل لتصوير الفيلم، لاسيما وأن قرار التصوير هناك أتُخذ في عام 1976، بعد أن زار لوكاس البلد بناء على توصية من مصمم المناظر، جون باري.ولم يعد باري ولا ماكواري على قيد الحياة، بيد أن صديق ماكواري بول باتيمان أكد لبي بي سي أن الرسومات التمهيدية للمركبة ساند كرولر كانت جاهزة قبل أبريل/نيسان عام 1975، أي قبل عام من زيارة لوكاس لتونس.
ناسا المستقبل
إذن من أين استوحى ماكواري أفكاره؟
خدم ماكواري في خمسينيات القرن الماضي في الجيش الأمريكي في كوريا، ومن ثم يمكن ملاحظة الإحساس بالمعدات العسكرية العملاقة والأسلحة الملساء في آليات فيلم حرب النجوم.
وظن بالخطأ مجموعة من الجنود الجزائريين على الحدود، أثناء تصوير الفيلم في الصحراء التونسية، نموذج مركبة ساند كرولر معدة عسكرية.
وقال كرستيان : “شاهدوا هذا الاسم، (حرب النجوم)، واعتقدوا أننا نصنع آلة حربية. وكانوا يضطرون إلى المجيء والتأكد من أنه تصوير سينمائي”.
وبعد انتهاء الحرب الكورية، احترف ماكواري فن رسم المعدات الفنية، وأنتح رسوما متحركة تصاحب التغطية التلفزيونية التي تروج لبعثات “أبولو” الفضائية لوكالة ناسا، كما عمل مع شركة “بوينغ” وأنتج دليلا لتجميع طائرة جامبو 747 الجديدة.
كان ذلك بمثابة فترة تدريب في المهنة، كنوع من اتقان العمل ليصبح رساما محترفا في قطاع الفضاء الأمريكي، وهو ما جعل آلات ماكواري التخيلية للحرب في المستقبل مقنعة. وكان عمله الفني في فيلم حرب النجوم بمثابة مشروع متقدم دال على التفوق التكنولوجي الأمريكي المعبر عنه من خلال سباق الفضاء الذي تجاوز حدود المنافسة على الأرض.ويقول باتيمان إن فكرة تصميم دبابة ساند كرولر العملاقة جاءت من “ناقلات ناسا الزاحفة”، وهي مركبات عملاقة كانت تنقل صواريخ “ساتورن” ضمن برنامج “أبولو” الفضائي إلى موقع إطلاقها.
ويقول باتيمان إن فكرة شكل ساند كرولر الأشبه بالسفينة جاء من قصص الخيال العلمي للسفن الرملية والسفن التي تمخر عباب “الصحراء” وطُورت بطريقة ما حتى تصبح “أشبه بسفينة حرفيا”.
معمار الخيال العلمي
كما يمكن رصد بعض الأفكار المعبر عنها في قصص الخيال العلمي في معمار “الخرسانة الخام”، وهو نمط معماري ظهر في خمسينيات القرن الماضي في بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأصبح مؤثرا مع انتشاره في شتى أرجاء العالم، ورمز الخيال العلمي لهذا العصر، الذي يظهر في صور استكشاف الفضاء.
وقال فليكس توركر، مؤرخ معماري ساعد في إدارة حملة تهدف إلى إنقاذ معمار الخرسانة الخام : “كان ذلك بدايات عصر الفضاء، وكان كل شيء ممكنا. وانتشرت في ذلك الوقت تصاميم معمارية جريئة ومعبرة عن المستقبل”.
تزامن إزدهار نمط “الخرسانة الخام” المعماري، خلال فترة خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، مع إنهاء الاستعمار في أفريقيا.
وعُهد إلى بعض المهندسين البارزين في معمار الخرسانة الخام بناء الكثير من المشروعات الكبيرة، كالمتاحف والجامعات والفنادق، في الدول التي نالت استقلالها، فانتصبت في شتى ربوع القارة أبنية خرسانية ترمز إلى الحداثة والرؤية الدولية.
وقال تروكر إن أبنية “الخرسانة الخام” تميل في تصميمها إلى إبراز ثلاث قواعد رئيسية هي : كشف المواد، وكشف الهيكل، وتقديم تصميم فريد يظل عالقا في الذاكرة”.
وصمم المعماري الإيطالي رافايلي كونتجياني فندق “دو لاك”، ويُعتقد أن التصميم المبدئي جاء مشابها لتصميم هرم مقلوب عرضه في معرض زغرب الدولي في عام 1957.
وكان الشكل المقلوب للفندق في تونس بمثابة حل فذ لمشكلات في موقع البناء، نظرا لعدم استقرار الأرض، كما أن الأساس الخرساني كان يحتاج إلى طريقة معالجة خاصة في البناء، وهي عملية شاقة.
ويقول تروكر إن موقع الفندق كان معروفا برائحته الكريهة، نتيجة قرب بحيرة في ذلك الوقت كانت مصبا لنظام الصرف الصحي التونسي.
وكانت الرائحة الكريهة سيئة جدا على مستوى الأرض، ومع زيادة سعة استيعاب الفندق في الأجزاء العلوية مقارنة بالطوابق السفلية، هيأ تصميم كونتجياني تمتع غرف الفندق بهواء خال من الهواء الفاسد.
كانت تونس قد حصلت على استقلالها منذ عشرين عاما في الوقت الذي صور فيه فيلم حرب النجوم، أسطورة الإمبراطورية والتمرد. وراقت البلد في أعين صناع الفيلم لعدة أسباب عملية.
كانت ميزانية الفيلم ضئيلة نسبيا أمام لوكاس، وكانت تونس رخيصة، علاوة على وجود مواقع صحراوية رائعة غنية بوجود فنادق قريبة تستضيف طاقم الفيلم من هوليوود.
واستطاع قطاع الفنادق في التونس تطوير نفسه بعد استقلال البلاد لجذب الزائرين الأجانب. وساعدت عائدات السياحة في تقوية الاقتصاد، وأسهمت بنحو 8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. غير أن عدد الزائرين الأجانب تراجع بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت مواقع سياحية في عام 2015، ويكافح القطاع حاليا من أجل تحقيق انتعاش.
ظهر نمط “الخرسانة الخام” المعماري في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتقديم نمط إسكان عالمي للقطاع العام، واختارته الحكومات في شتى أرجاء العالم للتعبير عن المثالية في أبهى صورها، والتي جعلت ممثلي الشعب يستخدمون الأموال العامة لتوفير أبنية للاستخدام العام.
وخلال العقود الأخيرة للقرن العشرين، تراجع تذوق هذه المُثل، وخضعت أشكالها الخرسانية للهدم. ويمكن القول أن أفلام هذا العصر كانت متأثرة بوضوح بنمط “الخرسانة الخام” الرامي إلى تصوير المستقبل بصورة كئيبة وبائسة.
وأصبحت الكثير من أبنية “الخرسانة الخام” المهملة رمزا للسياسات الفاشلة لحكومات الماضي، كما أصبحت مرشحة للهدم، بيد أنه في الآونة الأخيرة تجدد الاهتمام بالحركة، التي نبعت من خوف البعض من فقدان أفضل الأبنية إلى الأبد.وعلى الرغم من أن مركبة ساند كرولر لم يُستوحى تصميمها من المبنى إلا أنها أوحت بتصميم الفندق. وفي عام 2013 افتتح لوكاس شركة سينمائية في سنغافورة تشترك مع ساند كرولر في الاسم والشكل، يغطيها الزجاج وتستلهم شكل النمط المعماري للخرسانة الخام.
إذن ما الذي دعا إلى زعم الربط بين تصميم فندق “دو لاك” و مركبة ساند كرولر؟ يقول زيتوني لبي بي سي إن الأشخاص الذي يعملون في الفندق اعتادوا التفاخر بأن مبناهم كان قد ألهم لوكاس.
وفي عام 2015 قدرت مجلة “فورتيون” قيمة الامتياز التجاري بما في ذلك عائدات شباك التذاكر والمشاهدات المنزلية والسوق التجاري بنحو 42 مليار دولار، أقل بمليار دولار عن إجمالي الناتج المحلي لتونس في تلك السنة
“BBC “

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد