التعديلات الدستورية في مصر بين حملات تأييد مكثفة وشكوى المعارضة من التضييق
العالم الآن – في مقر جديد يقع في بناية شهيرة مطلة على ميدان التحرير بقلب العاصمة المصرية القاهرة، اجتمع عدد من رموز وقيادات حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في جلسة لمناقشة موقف الحزب من المشاركة في الاستفتاء المنتظر على التعديلات الدستورية.
وقد خضعت التعديلات الدستورية لنقاش دام أكثر من شهرين بمجلس النواب، قبل الاستقرار على صيغتها النهائية، وإحالتها للتصويت في جلسة عامة بالمجلس.
وُلد حزب التحالف الشعبي الاشتراكي من رحم ثورة يناير 2011 وشارك أعضاؤه شبابا وشيوخا في وقائع الثورة وما تلاها، وخاضوا العديد من الاستحقاقات الانتخابية اللاحقة بالتحالف مع قوى أخرى لها نفس النهج المؤيد لدولة مدنية قائمة على العدالة الاجتماعية وتداول السلطة واحترام الدستور.وكان للحزب موقع جيد بين الأحزاب المصرية وتمكن من الحصول على عدد من مقاعد برلمان 2012 الذي كانت تسيطر عليه أغلبية من الأحزاب الإسلامية. وشارك الحزب في مناسبات لرفض ما كان يعتبره همينة لجماعة الإخوان المسلمين على السلطة، قبل عزل الرئيس مرسي في يوليو/ تموز 2013.
لكن السنوات اللاحقة لم تكن كما توقع أو تمنى الحزب الذي بات يمارس نشاطه فقط داخل جدران مقراته، سواء في العاصمة أو الأقاليم، في ظل ما وصفه رئيس الحزب مدحت الزاهد بالتضييق على النشاط السياسي للأحزاب المعارضة والموالية على السواء.ولم يُسمح للحزب، بحسب الزاهد، بتنظيم أي مؤتمرات أو وقفات تعبر عن رأي أعضائه في التعديلات الدستورية التي يرفضونها منذ البداية.
وتقدم الحزب عن طريق محاميه بطلب لتنظيم وقفات في الشارع من أجل إيضاح موقف الحزب من تلك التعديلات بصورة علنية، لكن ذلك الطلب قوبل بالرفض من الأجهزة المعنية.
ويقول الزاهد: “استجبنا لمتطلبات قانون التظاهر بضرورة الحصول على إذن مسبق قبل تنظيم أي فعالية، ولم نحصل على موافقة”.
ويضيف: “هناك قناعة حاليا بأن ممارسة العمل الحزبي بحرية تقتصر على المقرات الحزبية وليس خارجها…، مما يعني عدم قدرتي على التواصل مع الشارع أو بناء كتلة جماهيرية”.
ونبّه الزاهد كذلك إلى أن هذا تكرر مع الحركات والقوى المعارضة للتعديلات الدستورية المتحالفة مع حزبه، ومنها الحركة المدنية الديمقراطية، وتيار الكرامة، وغيرهما.
وبالفعل لم يرصد مراسل بي بي سي لافتة واحدة في شوارع العاصمة في موضع بارز تعارض التعديلات الدستورية.وبإلقاء نظرة على ميدان التحرير من شرفة الحزب ذاته، تصطدم عين الناظر على الفور بلافتتات تدعو للمشاركة في التصويت على التعديلات الدستورية تتدلى على واجهات المباني الرئيسية المطلة على الميدان، ناهيك عن حزام مرتفع بارز من نفس اللافتات يحيط بصينية الميدان كاملة، فضلا عن انتشار كثيف لنفس الدعاية على الجسور الرئيسية، والشوراع الكبرى في العاصمة والأقاليم.
وقال رئيس البرلمان المصري إن تلك الدعاية لم تكن نهجا حكوميا، بل يتطوع بها أفراد أو مؤسسات يرون في تلك التعديلات أمرا إيجابيا.
وشهد البرلمان خلال مناقشاته للدستور حوارا مجتمعيا استمر أسبوعين، أبدت فيه شخصيات معروفة معارضتها لمبدأ تعديل الدستور أو بعض مواده، بينما عبرت غالبية الشخصيات التي حضرت تلك الحوارات عن تأييدها لتعديل الدستور.
ومن بين المشاركين في تلك الحوارت من الشخصيات المعروف عنها معارضتها للسلطة القائمة، رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، ووزير القوى العاملة السابق كمال أبوعيطة، الذي يعد ناشطا عماليا، ونواب آخرون من أعضاء تكتل 25/30 المعارض، مثل أحمد طنطاوي، وهيثم الحريري، وشخصيات أكاديمية مثل مصطفي كامل السيد وغيرهم.
وقال أبو عيطة في إحدى الجلسات إنه يرفض مقترح التعديلات من الأساس، وإنه طلب سحبها وتأجيلها إلى وقت آخر.
وقال أبو عيطة في تلك الجلسة مخاطبا الحضور ورئيس البرلمان: “أطلب منكم سحب هذه التعديلات وتأجيلها إلى وقت آخر. فأصحاب التعديلات يقدمون للخصوم وللإعلام المعادي والسيئ مادة ولقمة طرية يلوكون فيها ليل نهار…، أجّلوا هذا الكلام…، ليس وقته”.
وقال الزاهد لبي بي سي إن حزبه لم يتلق دعوة للمشاركة في الحوار المجتمعي الذي جرى داخل قاعات مجلس النواب وغطته محطات الإذاعة والتلفزيون بشكل مكثف.
وأضاف أن حزبه وحلفاءه طالبوا رئيس المجلس الأعلى للإعلام بتخصيص مساحة لهم في الإعلام الحكومي لإيضاح وجهات نظرهم كمعارضين للتعديلات، ولم تتم الاستجابة لمطلبهم.
دعاية حاشدة مؤيدة
وشهدت وسائل الإعلام العامة والخاصة في مصر خلال الأسابيع الماضية دعاية منتظمة لصالح التعديلات الدستورية، شملت استضافة شخصيات معروفة في مجالات مختلفة لدعم هذه التعديلات.
كما نظم العديد من القوى والأحزاب السياسية المؤيدة للتعديلات مؤتمرات جماهيرية داخل وخارج جدران مقراتها، من بينها حزب الوفد، ورابطة قبائل الصعيد، وغيرها.
وقال بهاء أبو شقة، رئيس حزب الوفد ورئيس اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، لبي بي سي إن المجلس استمع لكل الآراء المؤيدة والمعارضة للتعديلات خلال جلسات الحوار المجتمعي.
وأضاف خلال مؤتمر بالحزب لدعم التعديلات الدستورية أن “القول الفصل في نهاية المطاف سيكون للصندوق الذي يتعين على الجميع احترامه”.
وقال النائب محمد أبو حامد: “الداعون للحوار المجتمعي جاءوا من خلفيات متعددة، وكانوا يمثلون جميع أطياف وفئات المجتمع”، مضيفا أن الجميع حصل على فرصة كافية لعرض وجهة نظره تأييدا أو رفضا للتعديلات.
ويري مؤيدو التعديلات أنها تتماشى مع الواقع وتتيح للرئيس الحالي فرصة لاستكمال إنجازات بدأها منذ تولي مهام منصبه، كما أنها في صالح أمن واستقرار البلاد.
وكان ذلك ظاهرا بقوة في مؤتمر جماهيري حاشد نظّمته رابطة أبناء الصعيد في العاصمة القاهرة بحضور المئات من المواطنين وقيادات محلية وشخصيات حزبية.
وقال كمال عثمان مخلوف، رئيس رابطة قبائل الصعيد لبي بي سي، إنه عقد المؤتمر لدعم التعديلات الدستورية بعد الحصول على التصاريح الأمنية، مضيفا أن الأجهزة الأمنية “اطمأنت إلى أن جميع الحاضرين وطنيون قبل الموافقة على هذا العرس الكبير الذي تشارك فيه كل الأحزاب”.وقال رئيس مجلس النواب المصري علي عبد العال إن التعديلات الدستورية المقترحة لن تكون الأخيرة، وسيجري العمل على “وضع دستور جديد كليا للبلاد خلال 10 سنوات”.
وكانت اللجنة الدستورية المكلفة بالصياغة النهائية لمسودة تعديلات الدستور المصري تبنّت تغييرا يطيل أمد الفترة الرئاسية إلى ست سنوات بدلا من أربع سنوات، على أن تُطبّق على الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بأثر فوري لتمتد فترة حكمه الحالية إلى عام 2024، ويسمح التعديل له بالترشح للرئاسة لفترة ثانية تنتهى في 2030 .
ونصت التعديلات في صورتها النهائية على زيادة حصة المرأة إلى 25 في المئة من مقاعد مجلس النواب.
وجاء في التعديلات المقترحة “لرئيس الجمهورية أن يعين نائبًا له أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم، ويعفيهم من مناصبهم وأن يقبل استقالاتهم.”
وشملت التعديلات كذلك منح القوات المسلحة دورا في “الحفاظ على مدنية الدولة ” إضافة إلى دورها المنصوص عليه سلفا في “حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية”.
كما نصت الصيعة النهائية للتعديلات على إعادة تفعيل الغرفة العليا للبرلمان أو مجلس الشيوخ (الذي كان يعرف في مصر سابقا باسم مجلس الشوري).
” BBC “