تعرف الى الطقوس والتقاليد التي تسبق الشهر الفضيل

0 305

العالم الآن – شعور ما يجتاح الجميع بأنه لم يعد هناك وقت كاف. وعلى الرغم من توفر تذكرات الوقت ورزنامات الأيام وتوقيتات الشهور والسنة، إلا أن صدمة ما تهيمن على الأجواء بأن الشمس أشرقت ذات صباح لتعلن بأن رمضان بات على الأبواب.

الجميع يهرول والكل في عجلة من أمره. يقولون إن الهرولة يجب أن تكون بحساب وأن العجلة من الشيطان، لكن في شعبان تتوقف الحسابات ويتروّى الشيطان تاركًا العجلة للمترمضنين الغارقين في الشعبنة.

“الشعبنة”– المشتقة من شهر شعبان– عادة اجتماعية سعودية، وتحديداً منطقة الحجاز التي ما زال بعض أهلها يحرص عليها حتى اليوم. وهي عادة تختلط فيها عوامل ثقافية بأخرى اجتماعية وأسرية ولا تخلو من جوانب روحانية ودينية تمهد الطريق للشهر التالي شهر رمضان المبارك.

عائلات ممتدة يتجمع أفرادها عقب صلاة العشاء حول وليمة كبرى، حيث تتشابه الأجواء بأجواء إفطار شهر رمضان المعروف بتجمعاته الأسرية وموائده التي تتسع للجميع. ومع مائدة الطعام يأتي البعد الديني والإنساني حيث يحرص الكثيرون على توزيع الصدقات ومساعدة المحتاجين.

وقد تلونت “الشعبنة” عبر القرون والعقود بألوان العصر وتطوراته، ولكن في سياق لا يخرج عن القواعد والقيم المتصلة بالدين. فالعقود الماضية شهدت استعانة البعض بفِرَق الأناشيد والتواشيح الدينية لإضفاء جو ترفيهي روحاني على هذه التجمعات الأسرية في شهر شعبان. آخرون حولوا جانباً من الشعبنة إلى مناسبة “نسوية” لتجمع نساء العائلة وفتياتها في الأمسيات الشعبانية وكأنها إحماء لشهر رمضان.

لكن ما أصاب العالم العربي من تفكك بطيئ للأواصر الأسرية وتحلل وثيق من العادات والموروثات الشعبية ألقى بظلاله على الشعبنة. وبعد ما كانت الشعبنة سمة من سمات الحياة اليومية في شهر شعبان وصفة من الصفات المتعارف عليها بين العائلات، بدأت تتضاءل وتنزوي حتى أصبحت لدى البعض مجرد ذكرى وحكاية يتداولها الأجداد ويحكون عنها للأحفاد.

الأحفاد تفصل بينهم وبين تقاليد الشعبنة خيوط تقنية هي خيوط العنكبوت، إذ اعتقدوا أنها ليست فقط بديلاً لتجمعات العائلة حيث الاكتفاء بالمعايدات الإلكترونية والبطاقات الافتراضية، لكنها تحولت كذلك “شعبنة افتراضية” توحي للأجيال الصغيرة والمراهقة بأنهم بالفعل “تشعبنوا” دون أن يبرحوا مقاعدهم أمام الشاشات.

وإذا كانت الشاشات نفسها حاول بعضها من قبل تحريم الشعبنة وإلباسها لباس التحريم، فإن عائلات عديدة تصرّ هذه الآونة على الحفاظ على هذا الموروث الثقافي والعادة الاجتماعية التي تجمع الأسر وتذكّر بقرب قدوم شهر رمضان وتشجّع على البذل والعطاء لمن لا يملك.
وتملك الدول العربية فيضاً هائلاً من الاستعدادات الرمضانية خلال شهر شعبان. ربما لا تطلق على نفسها “شعبنة” كما يفعل أهل الحجاز، لكنها تظل “شعبانيات” بشكل أو بآخر. آخر الطابور المصطف أمام منافذ بيع السلع والمنتجات الغذائية المحسوبة على شهر رمضان المبارك في ميادين مصر الكبرى والصغرى تشير إلى حديث ثري بنكهته “الشعبانية” واستعداداته الرمضانية. مجموعة النساء المنتظرات فرجاً يبدو بعيداً بعد أول الطابور يتبادلن ذكريات عائلاتهن في شهر شعبان استعداداً لرمضان، وهي الذكريات التي لم يبقَ منها إلا أقل القليل.

القليل الذي يشير إليه حديث النساء يتراوح بين تخزين أطعمة وسلع غذائية، لا سيما الدجاج واللحوم ومشتقاتها خوفاً من ارتفاع فجائي في الأسعار، وتعليق زينات وهي السمة التي يحافظ عليها سكان المدن الصغيرة والأحياء الشعبية ويتكفل بها أصحاب الأعمال في المدن الكبرى والعاصمة.

العاصمة المصرية تشهد ثلاثة أطياف رئيسية في الأيام الأخيرة من شهر شعبان استعداداً لشهر رمضان: أولها يختص بالأحياء الشعبية والفقيرة، وثانيها يتعلق بتحوّل جانب من رمضان إلى شهر الخير وغسل الذنوب بـ”كراتين” الطعام، والثالث لا محل له من الإعراب. في الشوارع بالغة الضيق في أحياء متوسطة الحال، مثل: المنيل والعجوزة، وأخرى متواضعة الأوضاع، مثل: إمبابة وبولاق وعين شمس، تقارب يصل درجة الالتصاق بين الجيران. لكن التقارب يكشف عن سمة إيجابية في خضم ثقافة الزحام الرهيبة وانعدام الخصوصية التي صارت واقعاً لا مفر منه.

عمل يجري على قدم وساق واجتماعات مسائية بين الصغار والمراهقين وبعض من الشباب رغم أنف موسم الامتحانات. مساهمات مالية وأخرى بالمجهود لشراء الزينات الرمضانية وتعليقها لتصل من نافذة “تامر” إلى شرفة “هشام” وأقرانهما من أول الشارع لآخره.
الزينات الرمضانية تكشف عن وجه مصري للشهر الكريم. ومع الكرم تأتي الرغبة في الجود والإحسان والتصدق ولا تخلو من ميل لدى البعض لغسل الذنوب عبر ظاهرة “الكرتونة الرمضانية” التي أتت على البلاد من شمالها إلى جنوبها. “الكرتونة الرمضانية” باتت اقتصاداً قائماً بذاته ينعش حركة البيع والشراء في المتاجر الكبرى ويعمّق مشاعر من يملك تجاه من لا يملك والعكس. يقول الحاج محمد السمرة (68 عاماً)، والذي يمتلأ بيته بـ”الكراتين الرمضانية” طيلة شهر شعبان “الكرتونة لا تحوي فقط سكرا وزيتا ومعكرونة وتمرا، لكنها تحوي رغبة حقيقية ممن رزقهم الله بالمال ليشاركوا غيرهم ممن هم أقل حظاً”.

الطيف الثالث والأخير المتعلق باستعدادات الشهر الكريم في مصر يندرج تحت بند العجيب والغريب. “الحق قبل رمضان” عبارة تتردد بين البعض ممن يعتبرون رمضان شهر التدين المؤقت والتقرب إلى الله حتى إلى أن يأتي شهر شوال. هذا المفهوم يدفع البعض من الشباب إلى المبالغة في القيام ببعض الأعمال “غير المناسبة لشهر رمضان” على سبيل التخزين.

عمليات التخزين تدور رحاها في شتى أرجاء الدول العربية وبين الجاليات المسلمة في دول العالم. تخزين السلع الغذائية القابلة للتخزين أمر يجمع كل الصائمين والصائمات. هدى حسين (38 عاماً)، مصرية مسلمة مقيمة في لندن مع أسرتها منذ سبعة أعوام. تقول إنها كانت تظن أن ظاهرة تخزين الغذاء سمة تقتصر على الدول التي يشعر فيها السكان بأن سلعاً ما قد تختفي وأخرى قد ترتفع أسعارها في أثناء رمضان “وجدت صديقاتي المسلمات من جنسيات مختلفة يحرصن على شراء السلع الغذائية بكميات أكبر بكثير من الأيام العادية أثناء شعبان، والسبب الحقيقي هو أن المجهود البدني يقل أثناء الشهر، ويفضل كثيرون ترشيد الخروج للتسوق لا سيما حين يتزامن رمضان مع الصيف وتطول ساعات الصيام”.

وتشير حسين إلى أنها أصبحت تحرص على شراء فوانيس رمضان لأبنائها الثلاثة وتزيين بيتها بزينات رمضانية لأن الأجواء المحيطة ليست رمضانية عكس القاهرة.

ومن القاهرة المستحضرة في لندن إلى تونس والتي لا يكتفي أهلها بـ”التشعبن”، بل تميل الأجيال الأكبر سناً إلى “الترجبن”. يقول الإعلامي المصري المقيم في تونس، خالد سليمان، إن التونسيين، لا سيما المتقدمين في العمر، يحرصون على بدء الاستعداد والاحتفاء برمضان من شهر رجب مروراً بشهر شعبان، حيث يزيد الإقبال على النوافل والحرص الشديد على صوم النصف من شعبان، بالإضافة إلى كثرة الصوم.
ويشير سليمان إلى أن الحرص على النوافل ربما يجمع الكثير من الشعوب الإسلامية، لكن التونسيين يتفردون بمجموعة من الاستعدادات التي تميزهم عن شعوب إسلامية أخرى “يحرص الكثيرون في كل عام على طلاء بيوتهم ونوافذها قبل بدء الشهر الكريم كنوع من استقبال شهر الصوم بمزيد من الرونق. كما تحرص السيدات على تجهيز مجموعة من التوابل يطلق عليها اسم (أفاحات)، وأبرز مكوناتها رأس الحانوت والزعتر والإكليل والكسبرة وغيرها، وهي خلطة لا غنى عنها على المائدة الرمضانية. ولديهم نوع مميز من الطماطم المحفوظة بطريقة خاصة بهم، بالإضافة إلى حرص الكثيرين على شراء أواني وأكواب جديدة احتفاء بالشهر. كما تتخذ الأسر التونسية عدتها خلال شهر شعبان بتجهيز السميد الذي يستخدم لتجهيز الحلوى التونسية الرمضانية، مثل المخارق والزلابية والحلوى الأندلسية”.

ويستطرد سليمان شارحاً الاستعدادات التونسية لرمضان حيث النساء والرجال إما يشترون أو يجهزون أزياءهم التقليدية والمسماة “الجبة”، والتي يحرصون على ارتدائها في المناسبات الرمضانية.

المناسبات الرمضانية تحيي كل المدن التونسية وتملؤها حياة على مدار ساعات ما بعد الإفطار. يقول سليمان إن أغلب المدن التونسية بما فيها تونس العاصمة تتسم بهدوء واضح، لكن أمسيات رمضان ولياليه تنعش هذا الهدوء وتبث فيه الكثير من الحركة والبهجة.

وفي مقابل البهجة المسائية يهيمن على الأجواء النهارية سكون رمضاني يصفه البعض بالكسل وينعته البعض الآخر بالهدوء المصاحب لنقص الكافيين والنيكوتين وغيرهما من المكونات التي تسهم في إبقاء البشر على قيد الحيوية والنشاط.

الهدوء الرمضاني النهاري وتباطؤ حركة العمل تجعل من شهر شعبان كذلك شهراً للإسراع بإتمام المعاملات الورقية وإنجاز المهام الحكومية، وهذه سمات يعرفها كل سكان الدول العربية. صحيح أن المصالح الحكومية تبقي على أبوابها مفتوحة لكن فتح الأبواب لا يعني بالضرورة إنجاز المعاملات.

وبينما يستعد شعبان للملمة أيامه مفسحاً الطريق لرمضان يهرول الجميع لإنهاء الاستعدادات سواء كانت روحانية عبر مزيد من العبادات وتدريبات الصيام وقيام الليل، أو إجرائية من خلال مصارعة الزمن لإنجاز الأوراق ودخول البيات الرمضاني بغض النظر عن ماهية البيات في عرف مسلمي الكوكب.
” اندبندنت”

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد