#كومستير …رمضان مختلف جداً – شادن صالح – الأردن

0 7٬818

العالم الآن – في أواخر الثمنينيات بداية التسعينيات لا أذكر تماماً كان شهر رمضان يأتي علينا في شهر تموز وآب .. كان الحر شديد وساعات الصيام طويلة …. جميعنا أطفال وكان أكبرنا في العائلة لا يتعدى الرابعة عشر من العمر تقريباً … وبما أن والدي حفظه الله كان عسكرياً دكتاتورياً في التربية فكان الإفطار في نهار رمضان يعتبر واحدة من الكبائر التي تستحق من والدي الضرب بأداة التربية المفضلة لديه وهي ” العقال ” ..لأن أسلوب الترغيب لم يكن وارداً على الإطلاق … . لذا لم يكن مفهوم صيام العصافير للأطفال لساعه معينة من النهار مدرجاً ضمن قائمة الأعذار…. وفي يوم قمت بشراء بكيت شيبس على شطة في طريق عودتي من المدرسة لأستمتع به بعد المغرب لكن إشتهائي له أفقدني الصبر فخبئته تحت ثيابي ودخلت للحمام وبدأت بأكله وفي كل حبة آكلها ” أتشردق ” خوفاً في حال علم والدي وما أن خرجت من الحمام حتى أصابتني حمى ودوار من الفوبيا التي سببها أبي لي ….
في كل يوم رمضان وقبل الإفطار بساعة تقريباً كان أبي يقسمنا إلى مجموعتين … مجموعة عند ” الفريزير ” الموجود أسفل العمارة والملئ بأكياس الثلج التي كان يجب علينا توزيعها على سكان العمارة والجيران لعمل عصائرهم الباردة ومجموعة تأخذ صحون من ” الطبيخ” لتوزيعها على الجيران والذين كانوا يفعلون نفس الشئ تقريباً معنا…. عصبية والدي والخوف من عدم طاعته بسبب العقاب المنتظر كان الدافع لأن يعرف كل منا وظيفته دون أدنى نقاش أوتذمر …. فلا يحق لأحد أن يقول ” أنا تعبان” أو ” مش جاي عبالي أوزع ” أو غيرها من الأعذار … وكوني إينه مطيعة – على ذمة الوالدة – كنت أوزع الثلج والصحون دون أن أتفوه بكلمة واحدة ولكن الخوف أيضاً هو ما أربكني لأن ينسكب طبيخ الجارة على ملابسي حين كان أبي يستعجلني لأن أنهي مهمتي قبل آذان المغرب … أخاف .. أرتبك .. ” ألاخم ” أركض … فينسكب كل شي علي وهات خلصنا مع أبوي …
يأتي الأفطار وحقيقة كنت أتمنى أي نوع شوربة غير شوربة العدس وكنا حين نطلب من أمي شوربة خضار او فطر تقول أنها غير مفيدة وأن العدس أفضل حتى لو كرهناه تجدر الإشارة الى أن أمي لا تشتري باكيتات الشوربة الجاهزة ولا تريدنا أن نتعود عليها…
ينتهي الإفطار ويأتي وقت التحلاية وكانت قرارات أبي التي لا مجال فيها للنقاش تشمل القطايف أيضاً … فكان محكوم علينا أكل القطايف مشوياً وليس مقلياً لأن القلي يضر بالصحة وأيضاً وأيضاً يجب أن يكون محشواً بالجوز ولا يوجد شئ إسمه قطايف بجبنة … لذلك كنت أفرح يوم عزيمة الإفطار عند بيت خالي – على إعتبار أنهم أكثر ديمقراطية وحرية في التعبير – لأنهم ينوعون القطايف بين المقلي والمشوي المحشو بالجوز والجبنة وبالقشة كنوع آخر من الرفاهية….
السحور كان كل ليلة بنفس المنيو جبنة قشقوان وحلاوة تشبه الشعيرية وقمر الدين …. ولأني كنت أريد شيئاً مختلفاً ولم أكن أصرح بذلك خوفاً طبعاً .. كنت أريد السحور جبنة مثلثات ومرتديلا وأصابع دجاج مقلية هذا ما جعلني أكره قمر الدين لغاية هذا اليوم لا أدري ما إسم ذلك ولكن من الممكن إدراجه تحت بند الحقد الطبقي…
لم يكن هناك زينة رمضان لكن كنا ” نحوش” مصروف الندرسة لنشتري شبر ملون ونعمله على شكل جديلة ونعلقه بواسطة ” تب ” أسود على درابزين البيت المطعوج وبكل صراحة كانت فرحتنا به تعادل أضعاف أضعاف فرح اليوم بأي زينة من أي نوع …
هذه الذكريات مر الكثير بها من أبناء جيلي … ومنهم من يكرهها وربما يتجنب الحديث عنها …. لكن حين أسردها أعود لشئ ما ….لا اعرف إسمه لكنه شئ حقيقي بفرحه ووجعه وحتى بكل مشاعر الخوف التي كانت تتملكني أحياناً …. والأهم أني أشكر هذا الشئ الحقيقي والصادق الذي كان بمثابة رصيد كبير لي بصنع قناعاتي الكثيرة في الحياة ولكن أهمها الديمقراطية الحقيقية التي سأمنحها لأولادي حين ألتقيهم حتى وإن طلبوا مني ” مرتديلا”….

ذكريات العيد في مقال لاحق

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد