أصوات مغرضة، تستدعي الحذر والإدانة – د. غالب سعد – الأردن
العالم الآن – مفاجيء لدرجة الصدمة، البيان المقتضب، المتداول على مواقع التواصل الإجتماعي، باسم، شباب حراك المخيمات في الأردن، وهو ينتحل تمثيل عدد من المخيمات الفلسطينية الرئيسية، ويعلن الإنضمام، الى ما دعاه، الثورة الشعبية لإسقاط النظام، بيان ساذج مضحك لا يستدعي التعليق، لولا ظهوره في توقيت حساس، مما وضعه، شكلاً ومضموناً، في دائرة الشبهات، فالمنطقة تترقب طرح صفقة القرن الأمريكية، التي قد تعيد خلط أوراق القضية الفلسطينية والمنطقة برمتها، والأردن يتعرض بقيادته وشعبه ومؤسساته، لضغوط سياسية وإقتصادية غير مسبوقة، لإجباره على قبول الصفقة وتسهيل مرورها، والتخلي عن رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية، وقبول ما يحاك للمنطقة، حتى لوعلى حساب مصالحة ومصالح الشعب الفلسطيني والعرب جميعاً.
للمفارقة، أنه في هذا الظرف الدقيق بالذات، يصادف تنشيط الحراكات الفئوية والمناطقية والمطلبية، ذات السقوف المرتفعة، والخطابات الإستفزازية، في محاولة لإرباك الموقف الأردني، وتعزيز الضغوط الخارجية بضغوط داخلية موازية، الأمر الذي يلامس الخطوط الحمر للإستقرار والسلم الأهلي، بعد أن ساد الإعتقاد، أن تجارب الربيع العربي من حولنا، وما خلفته من عذابات ودمار، كانت كافية ليلتقط الأردنيون العبر والدروس، ويهجرون هذه الخطابات العبثية الى غير رجعة.
ولكن للإنصاف، هذا لا يمنع أن يكون للأردنيين طموحاتهم المشروعة، وأن يجدوا آذاناً صاغيةً لمطالبهم المحقة، وأن يعيشوا بأمان، في وطن يقدمون له ليقدم لهم، في حدود المتاح من الموارد والفرص، وفي دوله قوية مهابة الجانب، لتحميهم وتظللهم، حتى يصل المركب بالجميع، الى بر الأمان، بفضل الإلتزام بنهج التعقل، والحوار، ويبقى الرهان كما كان دائماً، على حكمة الأردنيين وقيمهم النبيلة وحسهم الوطني، لضبط الإيقاع بالمبادرة الذاتية، وقطع الطريق على اصحاب الأجندات ومن يتصيدون في المياه العكرة، أو من يخطئون تقدير الفرق، بين السياسات الناعمة للدولة، والإعتقاد بضعفهاً أو تهاونها، ففي مثل هذه الظروف ليس من حق أحد ولا من مصلحة أحد أن يغامر بالمساس بأركان وثوابت الدولة، وفي مقدمتها الإستقرار والسلم الأهلي.
ربما تغيب هذه الحقائق عن البعض، ويقع ضحية جهله أوغروره، وتستهويه فكرة الزج بالمخيمات الفلسطينية في لعبة الحراك، متجاوزاً عن النتائج الوخيمة لمثل هذه المغامرة، معتقداً أن ذلك قد يقوي من موقفه ويقربه من تحقيق أغراضه، وهنا يصبح من المهم، التوقف عند البيان المشار اليه بكل حزم، ليس من قبل الحكومة والأجهزة المختصة فقط، بل من قبل المخيمات الفلسطينية نفسها، والأردنيين والقوى الحيه في المجتمع بشكل عام، فحساسية قضية اللاجئين ووضع المخيمات في الأردن لا تخفى على أحد، ولا تحتاج لمزيد من الشرح، أوالتذكير، فهي الوحيدة، من بين مخيمات المنطقة، التي مازالت في مأمن عن التهجير والحصار والتدمير، وذلك بفضل وجودها في بيئة أردنية حاضنة مستقرة، بين الأهل والأشقاء، وكذلك بفضل حكمة أهلها واحساسهم بالمسؤولية، ووفائهم للأردن قيادة وشعباً، هذا لحسن الحظ، ما جعل البيان، أشبه بمسرحية سيئة الإخراج، فشل أصحابه في اخفاء طابعه المفتعل، واسلوبه الإستفزازي، وهم يرفعون باسم المخيمات الفلسطينية، شعارات الثورة الشعبية واسقاط النظام، ويحاولون توظيف خصوصيتها، في أهداف غاية في الخبث والخطورة، لا تخدم إلا أعدء الأردن وفلسطين على حد سواء.
لقد خاب مسعاهم، وجاءهم الرد سريعا من مختلف الفعاليات الممثلة للمخيمات والتجمعات والعشائر من اصول فلسطينية، والتي هبت جميعاً، تدين هذا البيان ومن يقف خلفة ومن يراهن عليه، وتعلن حرصها على الوحدة الوطنية الجامعة بين أبناء الشعب الأردني الواحد، وتؤكد التفافها حول اللقيادة الهاشمية، التي تدعم بكل قوة القضية الفلسطينية، وتتمسك برعاية المقدسات، وترفض بكل حزم، المؤآمرآت التي تستهدف حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، كما تستهدف الأردن في أمنه واستقراره ومستقبله، تجربة مرت بسلام، لم يتبقى منها سوى العبرة والقرآءة بين السطور، وفرصة لدعوة الجميع للتعقل والهدوء، والتركير على مواجهة القادم من التحديات، حمى الله الأردن وفلسطين من كل سوء، انه مجيب الدعاء.
[email protected]