الملهاة – سهير جرادات – الأردن
العالم الآن – هناك نوع من أنواع التمثيل الكوميدي الكلاسيكي يعرف ب (الملهاة) ، تعرض من خلاله الحوادث بطريقة “دراماتيكية ” ؛ للإغراق في الانفعالات ،مع إثارة العواطف نحو قضية معينة ، يكون المقصود منها إرسال رسائل لا يفهمها إلا ” المعنيون ” من هذه الملهاة الكلاسيكية الاجتماعية.
في بلادي ، تجسد “الملهاة” على شخص ، يكون هو البطل ، ويعرف باسم ” المصدر ” ، مطلوب منه أن يطيع أسياده وأولياء نعمته ، وينفذ ما يطلب منه ، ويزودهم بالمعلومات المتفق عليها ، و يقوم بالأدوار المطلوبة منه ، على أن لا يحيد عن الخط المسموح له ، والدور المناط به .
في العدد الأخير من “الملهاة ” التي عرضت علينا ، واضح بأن هناك من نسي دوره ك” مصدر” ، واستهوته النجومية ، فحاد عن الخط المسموح له ، ولم يعد يقوم بأداء ما هو مطلوب منه بدقة، لغرور قد أصابه من المعلومات التي سمح له أن يطلع عليها ، أو لانتشار نفوذه ، أو لامتلاء جيوبه بالمال ، فتمرد على دوره الرئيس المطلوب منه ، وخرج عن الخط ، ونقض الاتفاق ، وتطاول بذلك على أسياده، واصبح يلعب دورا مزدوجا.
هنا تخرج علينا ” الملهاة ” ، التي قد تكون تراجيدية ومؤلمه ظاهريا ، إلا أن باطنها يحمل رسالة تذكر ” المصدر ” بحجمه ، الذي بدأ يكبر على من صنعه ووضعه بصورة مجتمعية معينة ، وزوده بالمعلومات وسلحه بالعلاقات القوية مع أصحاب النفوذ، حتى باتت قوته المستندة الى المعلومات التي سمح له أن يطلع عليها ، وللادوار التي قام بها – بغض النظر عن أخلاقياتها – ، بحيث خف عقله كنتيجة طردية لامتلاء جيوبه .
لقد نسي معها دوره بأن يبقى ” مصدرا ” فقط، يزود اسياده بالمعلومات ، ويقوم بالمهمات التي تطلب منه ، دون ابداء أي اعتراض أو طرح آراء ، وما عليه سوى أن يحدد المقابل من اداء الدور المسند إليه .
تأتي ” الملهاة ” لتوجه درسا موجعا للمصدر ، بأن لا يتجاوز دوره، ولا يتطاول على اسيادة ، وما عليه إلا أن يفهم الدرس ، ويتقبله وأن يعود إلى صوابه ، لأن هذه ” الملهاة ” ستكون بمثابة بروفة ، والتمثيلية الحقيقية ستكون أشد واقصى عليه ، وهو يعي ذلك ، لمعرفته المسبقة بقوة أسياده ، ويعي تماما بأن اللعب مع الكبار له ثمن باهظ ، وهو اضعف من أن يتحمله ، لأن الارتدادات تكون اقسى وأقوى من الضربة ذاتها .
تعبر ” الملهاة ” عن الواقع ، إلا أنها تغلف الظروف الواقعية القاسية بالضحك ، فلا انفصال بين الكوميديا والتراجيديا سوى بالاسلوب المتبع في العرض ، فمؤسس فن ” الواقعية ” هو نفسه مؤسس ” الملهاة “، فلا ملهاة دون واقع ، ولا واقع دون ملهاة.
وفي النهاية ، تجنح ” الملهاة ” نحو مصلحة راسميها واسيادها ، و الدروس والعبر من نصيب ” المصادر ” التي جنحت عن الطريق المسموح لها ، والخسارة للمواطن المشاهد لهذه ” الملهاة ” ، الذي خسر وقته وتفكيره وتوجهت اهتماماته نحو قضايا لا تعنيه ، كل ما قصد منها تلقين ” المصدر ” درسا ، حتى لا يعود لفعلته مرة أخرى .