الرسالة التي وجهها ظريف من بغداد لواشنطن
العالم الآن – لم تعد بغداد كما كانت قبل عامين فقط، الحركة لا تتوقف ليل نهار، والشوارع تخلت عن عوائقها الإسمنتية والجدران الأمنية، ويبدو العراقيون وكأنهم بدأوا ينسجون نسقا جديدا لحياتهم بعيدا عن التهديدات الأمنية، وإن كانت لا تزال تحيط بهم من أكثر من جانب في ظل تهديدات تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية باستهداف المدن العراقية في شهر رمضان.
يقول مصدر أمني عراقي لبي بي سي عربي إن “أكثر من عشر محاولات جرى إحباطها بهدوء في أماكن مختلفة من العاصمة خلال هذا الشهر”، مضيفا أن الهدف من التكتم على العمليات عدم تنغيص حالة الاستقرار التي يعيشها العراقيون في ظل جهد أمني وقائي يبدو ناجعا حتى اللحظة.
وأكد المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن المرحلة الحالية تشهد إعادة تفكير أمني في وسائل التصدي للتهديدات في الداخل لا سيما في ظل الصورة الأخيرة التي ظهر عليها أبو بكر البغدادي في تسجيله الأخير والتي تشير إلى “اهتزاز بنيوي دفع به إلى تقليص العراق بأكمله إلى ولاية وكذلك سوريا”.
وتقول الجهات الأمنية إن شبح الإرهاب وإن كان مسيطرا على العراق إلا أنه ليس الخطر الوحيد الذي يحوم حوله، ولعله إذا ما قورن بخطر الفوضى الإقليمية قد يتراجع كأولوية إلى المركز الثاني في ظل قلق منتشر بين العراقيين من تنامي التوتر بين الولايات المتحدة وإيران إلى مرحلة المواجهة.
ويدرك العراقيون جيدا أن بلادهم أكثر مناطق تقاسم النفوذ حساسية بين البلدين، ولهذا فهي صندوق البريد الأمني العسكري والسياسي، والتحسب لا يقتصر فقط على الشارع إنما يتعداه إلى النخب السياسية، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة وإيران، ممن يدركون أنهم قد يتصدرون خطوط المواجهة متى أزف القتال.
وفي هذا الإطار جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بغداد يوم 25 مايو/ آيار الجاري والتي لم تكن معلنة رسميا لكنها سُربت من خلال مصادر صحفية ودبلوماسية. ولم يأت ظريف، الذي التقى بالمسؤولين العراقيين، برسائل تهدئة كما يشير مصدر دبلوماسي مطلع لبي بي سي، إنما حمل معه رسالة تصعيدية من طهران إلى واشنطن عبر العراق.
يقول المصدر إن إيران “لا تفرّق بين الحرب الاقتصادية والحرب العسكرية، ولن تسمح للولايات المتحدة بطهوها على نار هادئة حتى تفقد وعيها وتموت” ولهذا فهي أبلغت العراق، كما أرسلت إلى قطر وعمان والكويت رسائل مشابهة عبر نائب وزير الخارجية عباس عراقتشي ان الاستسلام لن يكون خيارا بالنسبة لها وأن الضغط سيؤدي إلى خلق مواجهة قد لا يرغب بها أحد في الولايات المتحدة وإيران.
وبالنسبة للعراق هو يسعى بين الطرفين لسحب فتيل التوتر، كما قال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في لقائه الأسبوعي مع الصحفيين، وهو عينه الكلام الذي ردده وزير خارجيته محمد الحكيم لدى استقباله ظريف في بغدادـ ورغم ذلك فإن مستوى التوتر لا يشي بأن بيد الحكومة الحفاظ على التوازن بين الحليفين في حال وقوع المواجهة.
وقال أبو آلاء الولائي أمين عام كتائب سيد الشهداء، إحدى الفصائل الشيعية الموالية لإيران في العراق، لبي بي سي إن تنظيمه يريد للعراق ألا يتورط في مثل هكذا صراع، لكنه يشير إلى أن الحرب إن وقعت فهو ينظر إلى أميركا كعدو “أنت تضعني أمام سؤال مع من سأكون، مع الحسين أم يزيد، طبعا سأكون مع الحسين، أنت تسألني إلى جانب من ستكون، سأكون مع الخير ضد الشر.”
وأضاف الولائي الذي استضافنا في مقر قناة تلفزيونية قريبة من تنظيمه وسط بغداد بدا صريحا جدا في تعبيره عن أرائه، وأكد من ناحية أن مصلحة العراق تأتي أولا ومن ثم كل العلاقات الأخرى، ومن ناحية أخرى أكد أنه وأعضاء منظمته يقلدون المرشد الإيراني آية الله خامنئي وهم سيفعلون ما أمكن لكي يطبقوا تعليماته، على حد قوله.
وتابع هو حث على “أن نفعل ما أمكن لكي لا تبقى الولايات المتحدة في المنطقة، وهذا سيكون تكليفنا، انا أريد من أميركا أن لا تتدخل في الشأن العراقي نهائيا وأي وجود عسكري أميركي غير مقبول، أما إيران فهي تقوم بما نطلبه منه، نحن نريد عراق مستقل وحر، وهذا موجود والإيرانيون لم يطلبوا منا يوما أي شيء”.
لكن ما يتبناه الولائي هو تماما ما يرفضه السياسي العراقي المعارض للنفوذ الإيراني حيدر الملا الذي كان نائبا سابقا في البرلمان العراقي الذي أشار إلى أنه يرغب بأفضل علاقات مع إيران، الدولة وليس الثورة.
ويضيف الملا الذي ينحدر بدوره من أسرة شيعية “قبل داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) كانت إيران دولة إقليمية تتدخل في الشأن العراقي، بعد داعش إيران أصبحت حزبا سياسيا فاعلا في العراق”. بالنسبة للولايات المتحدة ودورها يقول الملا إن الأمر معقد بعض الشيء، العراق لا يستطيع عزل نفسه عن المنظومة الدولية أو علاقته الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية لكن في إطار تصحيح المسار، ومساعد العراقيين في مواجهة تحدي الإرهاب أو تداعياته.
بعد عام 2003 تغيرت معادلات القوة في العراق، تحولت واشنطن وطهران إلى ما يشبه الرعاة الرئيسيين للطبقة السياسية العراقية. الطرفان وإن تصارعا وبشكل كبير كانا في ذات الوقت متفقين على دعم العملية السياسية التي بنت سلطة ما بعد الاحتلال الأميركي. وبينما استثمرت إيران في علاقات منوعة لها في العراق الجديد إن على مستوى مذهبي أو مع معارضين عراقيين سابقين أمنت لهم ملاذا آمنا في زمن حكم حزب البعث، بنت الولايات المتحدة على كونها قوة الاحتلال والدولة التي قادت التحالف الذي أطاح بالنظام السابق وهو ما أعطاها سطوة نخبوية جعلتها لها حضورا في مستويات الدولة.
ورغم الاصطفاف الواضح اليوم في العراق، إما مع أميركا أو إيران، أو ضدهما معا، يبدو العراقيون كمن يريدون أن تذهب رياح الحرب عنهم، لأنها إذا ما مرت فلن تذر ولن تبقي.
” BBC “