#كومستير.. الفزعة .. ما لها وما عليها – شادن صالح – الأردن
العالم الآن – مما لا شك فيه بأن المجتمعات العربية عموماً والمجتمع الأردني على وجه الخصوص نتسم بالشهامة بفطرتنا إنطلاقاً من العادات والتقاليد ومن تعاليم الدين التي تدعو للتكافل ومساعدة الآخرين .. مما ولد لدينا مفهوم “الفزعة” … وللمتابع لمنصات التواصل الاجتماعي في عصرنا هذا سيجد وبكل سهولة نماذج كثيرة للجوء للفزعة في كثير من مناحي الحياة الإجتماعية والإنسانية وحتى الإقتصادية والسياسية منها.. فلا تخلو الصفحات والمجموعات المنشأة على مواقع التواصل من نداء استغاثة من هنا وطلب فزعة للتبرع بالدم مثلاً أو إنقاذ مريض وفيديو هناك يعرض مشكلة اقتصادية لعائلة منا وطلب فزعة لحل مشكلتها وأحياناً لمسابقة معينة او دعم منتج ما مثلاً والقائمة تطول…
دعونا نتفق في البداية أنني لست ضد هذا الأسلوب إطلاقاً، لكن الإشكالية تكمن بإتخاذ نفس هذا النهج في التعامل مع الأحداث الدائرة بشتى المجالات والمستويات…. هناك قضايا مفصلية وحساسة ومهمة لا يمكن حلها بطريقة الفزعة لان القضايا التي تمس بكرامة المواطن والإشكاليات الكبيرة في المجتمع يجب أن تحتكم لقانون يطبق على الجميع في كل الأوقات وأركز على كل الأوقات إنطلاقاً من عدم تطبيق القانون فقط لإثارة قضية ما أو لإعتراض شعبي عليه ليتحول القانون عادةً وعرفاً بدون أي ضغوط تذكر.
رغم الإتفاق بأن الفزعة تنبع من عاداتنا وقيمنا إلا أن يتوجب علينا الأخذ بعين الإعتبار الفزعة في الدم وللطائفة والقبيلة وهنا تكمن النقطة الأخطر والتي قد تتعارض من الصالح العام ومع القانون أحياناً … وهنا سأسرد مثالاً على ما ذكرت … في السنوات الأخيرة أصبح الشارع أكثر ضغطاً على الحكومات والمطالبة بالتحقيق مع شخصيات تتهم بالفساد وفتح ملفاتهم … في الوقت الذي استجابت الحكومة للمطالب الشعبية واستدعت عدد من هؤلاء الشخصيات وفتح ملفاتهم أثيرت حفيظة عائلاتهم وقبائلهم وخرجوا مطالبين بالإفراج عنهم تحت ضغط الفزعة والقرابة والدم الذي يربطهم وهذا بالضبط ما سؤثر وبشكل مباشر في تنفيذ القانون عليهم بكل عدل ومساواة.
ما يزيد الأمر حيرة قبل أن يزيدها تعقيداً هو لزوم الوقوف مع القريب او الصديق مثلاً لأنه فقط قريبك او صديقك متناسين إن كان هذا الوقوف فيه نصرة لظالم مثلاًاو دعما لقريبك الذي قام بعمل مشين وهنا تحديداً تفقد الفزعة مفهمومها الإنساني النابع من عاداتنا وتعاليم ديننا والذي قد يصل في أحيان كثيرة لتبني آراء وتوجهات من منطلق سياسي او اجتماعي فقد لأن من يحملها إبن قبيلتك او طائفتك او بلدك وليس اقتناعاً بالمحتوى والمضمون.
والمجتمع الذي يفرض عليك الفزعة لقريبك او صديقك بكل ما يقول او يفعل او في توجهاته هو يفرض عليك ضمنياً الإلتزام بهذا الأفكار والتصرفات دون أن يعطيك حق الرفض بناء على معتقداتك وقناعاتك انت شخصياً وإلا ستكون خارجاً عن سرب المؤيدين..
النقطة الثانية والتي بنظري تعد سيفاً ذو حدين الإنجراف وراء عاطفتنا تجاه عائلة فقيرة مثلاً أو طفلا يعنف من قبل أحدهم أو أي حالة إنسانية تطغى عليها المشاعر أكثر من المنطق، سنلاحظ فزعة وتعاطفاً من كل أطياف الشعب لمساعدة هذه الحالة الإنسانية فتنقلب الموازين فجأة من مساعدين لهم لمساهمين في تدميرهم وبدلاً من إيجاد طويقة مناسبة لتقديم العون نبدأ بنشر الفيديوهات وشرح الحالة عالملأ فتتحول من تقديم يد مساعدة لتشهير “غير مقصود” لها ودون أن نعلم تصبح حالة العوز او الفقر او التعذيب والتعنيف يعلم بها كل من على المعمورة متجاهلين الأثر الإجتماعي والنفسي المدمر الذي سببناه لهم ونحن في طريقنا لمساعدتهم من وراء عدم التفكير باتباع إجراء أقل تشهيراً وفضحاً وأكثر ستراً وعوناً.
والأمثلة على ذلك كثيرة لا يمكن تجاهلها البتة وكان آخرها من يومين بحادثة نشر فيديو لطفل يعنف مع عدم الخوض بتفاصيل تلك الحادثة المرفوضة جملة وتغصيلاً إلا أن الفزعة لإنقاذه كانت خاطئة بنشر فيديو الطفل متناسين مشاعره ونفسيته.
يتوجب علينا في وقت كهذا والكثير من القضايا في المجتمع الآن على المحك وكثير من التفاصيل الني تحتاج لتوضيح مواقفنا من ناحية ولإتخاذ إجراءات ملزمة وحاسمة أن تقتصر الفزعة على ما هو إنساني وما هو متفق عليه بثوابتنا الدينية والاجتماعية والوطنية أيضاً .. وأن لا تشمل فزعتنا كل شئ من شأنه أن يلغي قناعاتنا وما نؤمن به فتنقلب هذه العادة النبيلة لأداة هدم لا إعمار لمجتمع نسعى أن يكون دائماً متطوراً متحضراً ومتمدناً، لأن الكثير من مسائل الحياة المفصلية والمشكلات التي لابد وأن يتخذ تجاهها إجراء حاسم وحازم وبغض النظر عن مرجعية من يقف وزاء هذه المشكلات يجب عدم الإحتكام لعاطفة القرابة او القبيلة والإلتجاء للقانون الذي هو فوق الجميع.
حاجتنا اليوم للفزعة الإنسانية في حدود معينة يجب أن لا تتجاوز المصالح العامة أو الخوض بخصوصيات الأشخاص، وما بعد ذلك فنحن بأمس الحاجة لفزعة مؤسسية بدون اي مظاهر الفوضى والعشوائية فيها منا ييحدد مهمام ومسؤوليات الجميع والإمتثال للقوانين والأنظمة والقواعد. ناهيك عن حاجتنا لوضع هذه المسؤوليات ضمن إطارات منظمة توكل للجان وأشخاص باستطاعتهم توصيل الفكرة والمعونة والإرتقاء بمجتمع مدني مع الإحتفاظ بقيمه وتقاليدة بنفس الوقت.
وبناء على كل ذلك لا أرى أي تناقض بين الفزعة والمؤسسية إذا ما طبقت بالشكل الحضاري والتنفيذ التشاركي فيما بينهما.
في نهاية مقالي وللإنصاف بحق كل النشامى والنشميات لا بد أن أقول كم من مشاعر الفخر والإعتزاز التي شعرت بها شخصياً حين قرأت منشوراً لأحد الأشخاص ينوي زيارة إحدى محافظات المملكة ويطلب فيها المساعدة بالحصول على عناوين وأرقام لفنادق يستطيع الإقامة فيها خلال زيارته ولم يعطه أحداً عنوانا واحداً لأن البيوت والقلوب مفتوحة له ومن المعيب بالنسبة لهم أن يقيم الزائر في الفندق وكل بيوت المحافظة بيته..
دمتم عوناً للمحتاج وستراً للفقير