كويريا : من الحرية الجنسية إلى (خالتي مشهية) -عبدالوهاب العالم- ليبيا

العالم الآن – ينتمي الكـوير لأخوية الـ(LGBT+) بل هو العضو الأكثر تعبيرا ونشاطا فيها وهو ما يجعله متفردا بل مستقلا عنها في بعض الأحيان، إذ تشمل صفة الكـوير Queer – والتي تعني أساسا الغريب – كل خارج عن العادة (1) خصوصا أولئك المطالبين بمساحة تعبير أكبر..وهو ما قام به الكـوير في ليبيا منذ تاريخ مبكر جدا، مواجها الظروف القاسية التي عاش فيها أسلافنا، بدافعه عن الحقوق والتنوع في مجتمع متشابه.. وأيضا المشاركة في الحروب !
ولعل أقدم الأمثلة لنضال الكـوير في تاريخ ليبيا -بل في العالم- هي ظاهرة ارتداء نساء القبائل أزياء الحرب الخاصة بالرجال ووقوفهن معهم في المعركة وعند الأسر (2) إذ تعد أولى صور تخطي الأدوار الجندرية المعروفة في المجتمع، فضلا عن كونها من أولى الصور في تاريخ البشرية لما سيعرف بالـ(cross-dressing ) أو “الـدراغ Drag ” .
ويعتبر “الـدراغ” أحد أنواع الفنون التعبيرية Performing arts يرتدي فيها الرجل ملابس النساء وهو الـدراغ كوين ((drag queen و ترتدي المرأة ملابس الرجال لتكون بذلك دراغ كينج (drag king)

بيد أن “الـدراغ” -الذي يحتفي به العالم اليوم- هو ظاهرة حقوقية في الأساس، اللواتي يدافعن عن أرضهن… أو المتظاهرين في نيويورك لحقوق المثلية في السبعينات أو أسطورة الفاتيكان عن البابا جون…
لذا تبنى الكـوير في ليبيا فن الـدراغ كوسيلة لنقد المجتمع وتوسيع مجال التعبير عن التنوع بالإبداع الفني والفكري…ساعيا طوال تاريخنا لتحقيق غايات ثلاث، أولها: تخفيف العدوانية في السلوك الجمعي، وثانيا: تليين الدكتاتورية. وأخيرا: حماية المنبوذين من (العابرين جنسيا Transgender والمثليين) وغيرهم المقهورين اجتماعيا.
..تجسد هذا النموذج في الكويرو الخاص بنا، أقصد الفيلسوف الليبي آرستيبـو الذي خرق جميع القوانين عندما قرر تعليم ابنته الفلسفة وهو الأمر المحرم في أرجاء العالم القديم (3) وبهذا ناصر فئات مهمشة من المجتمع وهي النساء . كما أنه شجع حركة المسرح والموسيقى بالإضافة للأكاديميا في موطنه بقورينا الليبية وبهذا هذّب السلوك العام بالفنون والعلوم..كما عُرف عنه ارتداء ملابس النساء في بلاط حاكم (سيراكيوزه) المستبد..كنوع من التسلية .
وبذلك حقق فيلسوفنا الغايات الثلاثة للكويـر الليبي، بل كان الأساس الذي بنى عليه فنانون وكتّاب ليبيون أدوارا كوميدية و أعمالا نقدية لعادات المجتمع، من “اسكتشات” الأستاذ عبدالقادر بوهروس على الراديو في خمسينيات القرن الماضي مدافعا عن حقوق المرأة إلى العروض المسرحية الناقدة في الشرق والجنوب الليبي وأدوار (حاتم الكور) الذي عرف بإتقان الـدراغ …وصولا لشخصية (خالتي مشهية) وهي أشهر (دراغ كوين) في ليبيا خلال العقود الثلاثة الماضية (4)..والمبدع الليبي يتبنى منهج الكـوير في تشكيل هُويتنا الجمعية .
بيد أن قبول شرائح واسعة من مجتمعنا للـدراغ في صورته الكوميدية لم ينسحب على جانبه الحقوقي أو كونه وسيله للتعبير الشخصي، فانحصر وجود الـدراغ في بعض عادات المناسبات الاجتماعية (5) وداخل التجمعات الضيقة أو الترفيه الخاص، وهذه الأخيرة ألصقت صفة العار بل الجهل بظاهرة الـدراغ في ليبيا… بعد أن كان مرادفا لتميز الفرد وتنوع المجتمع .

المراجع:
1- يعود استعمال كلمة كوير queer لللقرن السادس عشر ومنذ ذلك الحين بديشير التعبير لغير المألوف وغير السوي والفريد.

2- محاضرات في تاريخ ليبيا القديم، الدكتور رجب عبد الحميد الأثرم، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، صفحة:71 – وأنظر: تاريخ ليبيا من أقدم العصور حتى الفتح الإسلامي، الجزء الثاني، د.عبد اللطيف
البرغوثي، صفحة 52 –أعده للنشر تامغناست –مؤسسة تاوالت

3- كان تعليم النساء محرما عن قدماء اليونان، وخصوصا تعليمهم الفلسفة التي كانت حكرا على الرجال الأحرار، ولذلك تعد آريتي بنت ارستيبوس رائدة الفلسفة في زمنها ورمزا نسويا للمرأة الحرة المفكرة في وقتنا .

4- عرف الفنان الليبي (فضيل بوعجيلة) بتأدية دور خالتي (مشهية) وهي سيدة بدوية تتفاعل مع المحيط الاجتماعي والسياسي بطرافة وذكاء…وذلك من خلال تعليقاتها وايماءاتها التي تحمل نقدا أو دعما لمحريات الواقع الليبي.

5- يقال أن عادة ارتداء الرجال او النساء لملابس الجنس الآخر شائعة في المناسبات الاجتماعية كالافراح في مناطق متفرقة من البلد، كما تقول بعض الروايات الشفهية ان حفلات او تجمعات خاصة للدراغ كانت موجودة بشكل سري خلال العهد العثماني في ليبيا.