أعيدوا لنا دكتاتورنا الميت – صلاح انقاب – ليبيا

0 450

العالم الآن – في عام 2011 ، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تصريحٍ لها أثناء إندلاع بداية الحرب الليبية، إن خطاب الديكتاتور الليبي كان مخيفًا. حدث هذا أثناء قيام قوات الناتو بغزو البحر المتوسط واستعدادها للتدخل في ليبيا والإطاحة بالنظام بحجة حماية المدنيين.
في واقع الأمر، كان الأمر مخيفاً لليبيين من كلا الجانبين.، فمن ناحيةٍ ، هناك ديكتاتورٌ يريد الحكم حتى بعد وفاته ، من ناحيةٍ أخرى ، كانت هنالك أساطيل الإمبريالية الغربية ، التي لم يكن لديها بالتأكيد أيّ نوايا طيبة، وهو أمر عرفناه بفضل التجربةٍ طبعاً، أقصد هنا تجربة العراق وأفغانستان تحديداً.
انتهت القصة بموت الديكتاتور الليبي، والانهيار التام للدولة الليبية كنتيجةٍ لذلك، لكن حدث شيءٌ آخر، وهو أنّه لم يعد هنالك أحدٌ يشعر بالقلق أو على الأقل القليل من الإتمام بشأن معرفة ما حدث في أمر الرعب الليبي، حيث انتشرت مئات الحالات من عمليات الاختطاف، القتل على الهوية، جرائم الحرابة، قتل الصحفيين والناشطين السياسيّين، التهجير بسبب انعدام الأمن وانتشرت الميليشيات في جميع أنحاء البلاد ، حيث تشتري بلدان أخرى مجاورة وبعيدة أيضاً، أكثر من نصف أسلحة هذه الميليشيات من ألمانيا نفسها. حدث كل هذا بعد وفاة الديكتاتور ، ومن المفارقات المثيرة للدهشة والسخرية أيضاً أنه لم يتحرك أحد.
اليوم ، يغلق الإيطاليون أبواب أوروبا في خضم البحر المتوسط أمام اللاجئين والاربين من أتون الحرب، الجوع، الفساد والفقر في إفريقيا ، بحجة المخاوف من انهيار الرخاء الأوروبي الناجم عن استعمار إفريقيا نفسها لسنوات، ألم أخبركم أن الأمر برمّته مثير للسخرية.
في الوقت نفسه ، ينتشر الخوف في قلوب الآلاف من أولئك الذين فقدوا أوطانهم واستطاعو بسبب الحظ، والظروف الطارئة الوصول الى أوروبا، ينتشر الخوف في قلوبهم وهم يرون العالم الليبرالي ينهار أمام أمواج القوميين، والأحزاب الشعبية اليمينية في عموم أوروبا، لا في شرق أوربا فقط بل في غربها أيضا، فرنسا، الدنمرك، ألمانيا، النمسا، النوريج، هولندا بل وحتى بريطانيا، والتي أصبحت تفوز بأصوات الناخبين في البرلمانات الأوربية بشكل متزايد ، ففي ألمانيا نفسها مثلاً يدعو حزب االبديل لأجل ألمانيا بحجة الديمقراطيّة إلى إلغاء قانون حق اللجوء من الدستور الألماني.
في برلين ، أخبرني نيجيري التقيته مصادفة في أحدى المقاهي، أنه حزينٌ للغاية بشأن وفاة القذافي ، وأنه عمل في ليبيا ولم يفكر أبدًا في الذهاب إلى أوروبا، حيث اشتكى لي متذمراً من كل شيءٍ في اوروبا، ابتداء من الطقس وصولا الى صعوبة الحصول على عمل مروراًبالتأكيد ببيروقراطيّة الإدارة الأوربية التي تجعل حصوله على حق الإقامة على ركنٍ من أركان الكوكب أمراً شبه مستحيل.
كانت الفوضى التي حدثت في ليبيا، وسيطرة عصابات الاتجار بالبشر في ليبيا على الشاطئ الليبي الممتد لأكثر من الفي كيلومتر تقريباً، والتي جلبت الرجل إلى ألمانيا، ناجمة بشكل رئيسي عن أحداث 2011. بعد مقتل الديكتاتور الليبي ، ترك الناتو والمجتمع الغربي ليبيا وراء ظهره ، تعاني من فوضى وهيمنة الميليشيات المسلحة على الحكومات الجديدة الضعيفة ، والتي تتلقى المعونات المالية من الاتحاد الأوروبي نفسه، وهذا أمرٌ آخر مثير للسخريّة.
ما لا يريد الغرب أن يستوعبه على ما يبدو، هو حقيقة كون الديمقراطية ليست وجبة غداء مجهزة مسبقاُ يمكن إعطائها لأشخاصٍ ما زالوا يعيشون في عصر ما قبل الدولة ، وهي أيضاً موضوعٌ لا يمكن فرضه على أيّ مجتمعٍ كان بالقوة طبعاً، فرعب اليوم في ليبيا لا يعادل عُشر الرعب الذي شعرت به المستشارة الألمانية قبل ثماني سنوات ، حيث وصل الأمر لدرجة مطالبة الناس هناك بعودة الديكتاتور الميت، ولو كان الأمر عبر دكتاتور آخر يختلف في الإسم يأتيهم أيضا فوق دبّابة، أو ربما الإكتفاء باستبدال الدكتاتور الميت بابنه عبر ديمقراطيّةٍ كل شيءٍ فيها مزيف.

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد