#كومستير…هل شر البلية هو ما يضحك؟! – شادن صالح – الأردن
العالم الآن – يقول إبن خلدون في مقدّمته:: اذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم ان الفقر قد اقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور..
هذه المقولة هي فقط ما يتبادر لذهني في كل مرة أقرأ فيها سيلاً من النكات التي قد تصل حد ” الإستهزاء” بعد كل تصريح أو إعلان من الحكومة أو بعد بث لبرنامج تلفزيوني … حتى بعد زلة لسان لمسؤول أو فنان أو حتى إعلامي، لتجد نفسك أمام موجة من النكات عليه قد تصل للتجريح والتشويه، فلا يعد بمقدورك التمييز بين النقد والإنتقاد أو بين السخرية والمسخرة والإستهزاء أيضاً.
أنا على يقين بأن أوجاع وأزمات الشعوب حين تشتد عليهم يحاولون خلق مساحة لأنفسهم يرمون خارجها كل معاناتهم ومتاعبهم ولعل ذلك هو انتشار النكتة كمتنفس ساخر كرد فعل لتصريح او لموقف مرفوض يسردونها بطريقة مضحكة وتلقائية، وبإعتقادي أن سائر الشعوب لديها مثل هذه الثقافة في مواجهة المواقف الجادة، ولكن المنطقي والإنساني أن لا تصل النكتة حد المساس بكرامة الأشخاص وإنسانيتهم أو التقليل من شأنهم كنوع من الإحتقار.
ولعل الشأن السياسي أكثر ما يحفز الشعوب لإطلاق النكات وقد يعود لمعاناة الشعوب من القهر والاسبداد والظلم وتكميم الأفواه فما لا يستطيع الشعب قوله علناً وبجدية يعنلون على قوله بطريقة النكتة، مما يجعل النكتة السياسية أداة بمنتهى القوة يستخدمها من لا يملكون سلاحاً غيره في وجه من يملكون كل أدوات السلطة والتفوذ والقمع أحياناً وهذا هو السبب الذي يجعل الكثير من السياسيين و أصحاب القرار يتفادون النكتة بل ويخشونها أيضاً.
مطالب الشعوب بحياة أفضل وواقعاً أكثر إشراقاً أيضاً هي ما يفرز نكتة مليئة بالوجع والقهر المغلف بالضحك على هذا الواقع الذي نأمل أن نعيشه فلا يصبح بأيدينا سوى إعادة إنتاجه بصورة هزلية مضحكة، فيتحول العجز عن تغيير الواقع الى سخرية من مصدر القوة المسيطر على أحلامنا قبل واقعنا من خلال الرمزية والإيحاء.
ولعل أكثر ما علينا إدراكه عدم الإستهانة بالنكتة السياسية لأنها فقط من تقوم بتعرية الواقع بكل ما يحمله من قهر وتسلط وكشف الحقيقة كما هي، ناهيك عن قدرتها في إختراق كافة الفئات الشعبية، وإزدياد انتشارها ما هو الا مؤشراً خطيراً على كبت الحريات والتعبير ..
كل ما سبق يجعل الصورة أكثر وضوحاً بأن السياسات والنهج المتبع والشخصيات العامة بالأوساط السياسية والإجتماعية والفنية هي الفئات المستهدفة التي تتمحور حولها النكات مما يجعلها تحت المراقبة والتي ما يدفع الأجهزة في الدولة من تخصيص وحدات استخباراتية متخصصة برصد الشائعات والنكات بغرض قياس الرأي العام والوقوف على حاجات ومعاناة الشعوب وما يشغلهم من ناحية ديمقراطية لأيجاد الحلول لهذا المشاكل والمتاعب من جهة، أو بغرض معرفة رموز معارضة وبالتالي ملاحقتهم وتكميم أفواههم وهذا ما يحصل قي الأنظمة القمعية، وفي الحالتين لا يمكن لأحد منا إنكار تأثير النكتة في الأوساط كافة على القرار السياسي وإستخدامها كنقطة ضغط على الأنظمة لأنها مؤشر واضح على مدى وعي الشعوب والأوساط الإجتماعية التي تفرز هذا النكات.وهذا بالضبط ما يقودنا بالمحصلة الى التأكد من ضعف الروايات التي تبث عبر وسائل الإعلام الرسمية التي تخضع للإملاءات والتبعية على عكس النكات الشعبية التي تتصف بالتجرد والتحرر والمصداقية والشفافية أيضاً.
ولم تسلم النكات الإجتماعية من استغلال السلطات، فالنكات التي تقوم بالسخرية من أبناء مناطق معينة في كل بلد مثل التي تطلق على أهل الصعيد بمصر أو الحماصنة بسوريا أو المعسكريين في الجزائر أو أهل الطفيلة في الأردن وأهل الخليل في فلسطين – مع جل تقديري وإحترامي لكل هؤلاء -والتي لا تروق لي شخصياً على الإطلاق، ما هي إلا فجوة قد يقوم البعض باستغلالها أحياناً لخلق انقسمات وهمية من شأنها إبعاد الناس عن همهم وظلمهم وعدم التركيز عما هو مهم .
لنضع الأمور كافة في نصابها الصحيح ولنتفكر في القادم بدل من النحيب على واقع لن يقودنا سوى للهاوية إن بقينا باتباع نفس النهج دون أخذ الأنور بجدية لأن أمور الحياة المفصلية ومصير الشعوب لا يقرر ولا يتغير بالنكات. ناهيك عن مرحلة في غاية الصعوبة والحرج تمر بها كل دول الأقليم والمنطقة تتطلب منا تفكيراً عميقاً وبمنتهى الجدية لإتخاذ موقف حازم وحاسم على كافة الأصعدة.
أخيراً عتبي ليس على البسطاء من الناس بل عتبي الشديد على فئة تصنف نفسها من المثقفين والكتاب الذين لجأوا للسخرية التي تقربهم من الجمهور ليحصدوا أعجابات وهمية وشعبية زائفة، و تجنبوا مقال موجع موجه لمن كانوا سبباً في قلة حيلتنا وأوجاعنا.
بعد كل هذا ينطبق علينا تماماً ما قاله أبو الطيب المتنبي
لا تحسبنّ رقصي بينكم طرباً فالطير يرقص مذبوحاً من شدة الألمِ