حرير” .. ترسم الابتسامة على وجوه الأطفال مرضى السرطان
العالم الآن – يذهب الناس عادة الى صالونات الحلاقة لقص شعر رؤوسهم بشكل شبه دوري، وخاصة الذكور وغالبيتهم من الأطفال والشباب ، لكن الإناث يحرصن غالبا على إطالة شعورهن ، وعدد من يقصن شعورهن أقل من الذكور، وغالبا لأغراض الزينة وبفترات متباعدة ، ومقابل هذه الخدمة يدفع الزبائن للصالونات أجرة ، لكنني لأول مرة أعثر على مبادرة ريادية غير مسبوقة تتعلق ب ” التبرع بشعر الرأس .. ” !
كثيرة هي المبادرات والفعاليات التي تغرق مجتمعنا الأردني ، ويتم الترويج لها اعلاميا تحت عناوين الجهد الانساني والعمل الخيري، تقوم برعايتها جهات رسمية أو شركات ورجال أعمال ، أو منظمات مجتمع مدني وجمعيات خيرية ، حتى بعض الاحزاب دخلت ” اللعبة “، بالاضافة الى أشخاص آخرين طامعين بوجاهة اجتماعية أو سياسية !
وتهتم هذه المبادرات بتوزيع طرود الخير والمساعدات العينية، مثل الصوبات والوجبات الغذائية والملابس ..الخ ، ويبدو النشاط كثيفا في هذا المجال بالمناسبات الدينية ، مثل إقامة موائد الرحمن الخيرية في شهر رمضان المبارك ، وتوزيع التمور والمياه على الإشارات الضوئية والميادين خلال فترة الغروب، تحت عنوان التكافل الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية .
وأكثر ما يثير الاشمئزاز في مثل هذه المبادرات والفعاليات ، التقاط القائمين على الجهات الراعية وهم يسكبون الطعام ويقدمون العصائر للايتام والفقراء…، وهو سلوك ينطوي في جوهره على إهانة وإذلال لأصحاب الحاجة ! ولا أشك بأن بعض هذه المبادرات صادقة وذات طابع انساني خيري، لكن العديد منها استعراضي لأغراض دعائية، وربما تحركه دوافع سياسية مثل استخدامها لاغراض انتخابية ، أو في إطار الوجاهة الاجتماعية !
وأمام هذا المشهد الحاشد بالمبادرات المختلطة الأشكال والاوان .. المتعددة الدوافع والاسباب ، تبرز مبادرات شبابية في مختلف المجالات وبعض هؤلاء الشباب المبادرين بجهد شخصي وبإمكانات ذاتية، وبالنسبة لي فإن “مبادرة حرير” هي الأكثر إثارة للدهشة وذات طابع إبداعي انساني نبيل غير مسبوقة في حقلها ، تتعلق بالأطفال الذين يصابون بمرض السرطان ، ويتساقط شعر رؤوسهم نتيجة للعلاج الكيماوي، وجوهر المبادرة يقوم على تبرع أشخاص أصحاء ، سواء كانوا من الأطفال أو الكبار بجزء من شعرهم ، ثم يتولى القائم على المبادرة الشاب المتوقد حماسا “نهاد الدباس”، مستخدما خبرته المهنية باعتبره صاحب صالون حلاقة، بتحويل هذا الشعر الى “بواريك ” جمع باروكة ، وتركيبها على رؤوس الاطفال الذين أصيبوا بمرض السرطان، وتساقط شعر رؤوسهم نتيجة العلاج الكيماوي ، ومن المصادفات الغريبة أن الطالبات المرحومات ،اللواتي جرفتهن سيول البحر الميت في أول شتوة ، تبرعن بجزء من شعر رؤوسهن قبل الذهب الى الرحلة !
“حرير” علاج نفسي للأطفال مرضى السرطان
الفكرة لمعت في ذهن ” نهاد الدباس “، إثر وفاة خاله بمرض السرطان ” رحمه الله”، وبجهود دؤوبة حققت مبادرة “حرير للتنمية والتوعية المجتمعية” ، نجاحات ملموسة عبر إقامة فعالياتها وأنشطتها ، في رياض الاطفال والمدارس والجامعات والمولات والشركات والمؤسسات ،والقطاعات المجتمعية المتعددة داخل عمان وفي المحافظات ، لنشر ثقافة التطوع والعمل الخيري ، لدعم ومساعدة الاطفال مرضى السرطان لصنع “بواريك” شعر طبيعي لهم، من خصال شعر الاطفال الأصحاء ،الذين تبرعوا بها ،لاقرانهم الاطفال المرضى لاعادة شكلهم السابق، ورسم الفرحة والابتسامة على وجوههم .
مبادرة استثنائية
وتتضمن الفعاليات العديد من النشاطات الترفيهية والثقافية والتوعوية، وفقرات قص الشعر والرسم على وجوه الأطفال ،والرسم على ال” تيشيرتات” والقبعات واستخدام ألوان متنوعة ، وهي طريقة تستخدم كعلاج نفسي ومعنوي للأطفال المرضى ، ومنحهم القدرة والطاقة الايجابية ، اذ أنّ فكرة العلاج باستخدام الالوان الزاهية ، كما تقام في “موقع حرير” نشاطات متعددة كالرسم والموسيقى،واستخدام الكومبيوتر والانشطة التعليمية والرياضية ،وقراءة قصص الاطفال لصقل مواهبهم .
بهذه آلاليات استطاعت مبادرة “حرير” ، أن تنمي قدرات الاطفال وتحثهم على البذل والعطاء ، وتحقيق الانجاز وتهيئة السبل لانشاء مجتمع طفولي ، قادر على تخطي الصعوبات والمستحيل ،وتحقيق الانجازات وتوعية المجتمع الطفولي ، ليكون عنصراً نافعاً في المجتمع ، واستقطبت مبادرة حرير الكثير من الاطفال الى أنشطتها .
أكثر ما يحبط “نهاد” نقص الدعم من قبل الجهات المعنية ،والمؤسسات المهتمة بالعمل الانساني والصحي، وفي مقدمة هذه الجهات مستشفى الحسين للسرطان، وهو المرفق الأول المعني بعلاج مرضى السرطان ورعايتهم نفسيا ، وفي هذا الصدد يذكر” نهاد “: أنه خاطب عشرات الجهات المعنية ودعاها لدعم المبادرة، لكن “لا حياة لمن تنادي” ! باستثناء الكلام الانشائي وإطلاق عبارات المدح والاشادة والتشجيع ،الذي “يطرب” لكنه لا يترجم الى فعل !
التأهيل النفسي للمصابين بالسرطان
ولا شك أن أهم أولويات “مبادرة حرير” ، هو التأهيل النفسي للمصابين بمرض السرطان، من خلال زرع “بواريك” من الشعر الطبيعي المتبرع به، ومن جهة أخرى فإن هذا العمل يخلق حافزا نفسيا ومعنويا ، لدى الاشخاص المتبرعين ويشعرهم بالسعادة والغبطة ، باعتبارهم ساهموا بمساعدة من فقدوا شعورهم والتخفيف عنه نفسيا ، وهذا الأحساس يشكل محورا أساسيا في العمل الخيري الانساني .كما أن مبادرة حرير تهدف أيضا الى تحفيز الاطفال ، منذ نعومة أظفارهم للقيام بأعمال تطوعية وخيرية ،تخدم المجتمع وتنمّي قدراتهم الفكرية وتسهم في تكريس التربية والسلوك الصالح ، حتى يكونوا عناصر فعّالة تخدم الوطن .
لكن ” نهاد” يأمل بتكريس مبادرة حرير داخل الأردن، وتوسيع دائرتها لتمتد الى دول عربة أخرى ، ويطمح الى إقامة مشغل لصناعة “البواريك” في الاردن، بدلا من السفر الى لبنان كما يفعل حاليا على نفقته الشخصية ، حاملا خصلات الشعر المتبرع بها لتحويلها الى “بواريك” هناك !
دعم القوات المسلحة
ولا ينسى مؤسس مبادرة حرير الجهة الوحيدة التي دعمته وهي القوات المسلحة، حيث حصلت “المبادرة ” على موافقة رئيس هيئة اركان المشتركة ومدير الخدمات الطبية الملكية، ومدير مستشفى الملكة رانيا العبدالله للاطفال داخل المدينة الطبية ، لانشاء “موقع حرير” في المستشفى، لتقديم الرعاية النفسية والمعنوية للاطفال المرضى بالسرطان والتخفيف من معاناتهم ، من خلال التبرع بخصل الشعر وصنع “البواريك” ، وإطلاق “باص حرير” للتبرع بالدم ، لصالح بنك الدم الكائن في مستشفى الملكة رانيا ، ويكون الباص مزيناً بالالعاب وملوناً ومرسوماً عليه رسوم خاصة بالاطفال .
ويؤكد نهاد أنّ موقع المبادرة بحاجة الى مساعدة القطاعات المجتمعية ،وفي المقدمة منها قطاع الثقافة والشباب لتمكينه من تقديم خدماته للمجتمع الطفولي , وتحقيق الشراكات الهادفة لتلبية متطلبات شريحة الأطفال .
كما حصلت المبادرة على موافقة وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم ، لتتوجه المبادرة الى الجامعات الاردنية الحكومية والخاصة ، والمدارس الحكومية والخاصة ورياض الاطفال الحكومية والخاصة ، لتوعية الطلاب والطالبات بالعمل الخيري والتطوعي والمجتمعي والوطني والانساني ، وتحفيز المجتمع بكل فئاته لتحقيق البذل والعطاء والانجاز .