أزمة إيطالية مع بركسل بعد دخول سفينة إنقاذ لمياهها الإقليمية
العالم الآن – دخلت عنتريّات وزير الداخلية الإيطالي وزعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف ماتّيو سالفيني، ومواجهته الصدامية مع الشركاء الأوروبيين حول ملفّ الهجرة، مرحلة غير مسبوقة من التصعيد بعد أن قررت كارولا راكيتيه قائدة سفينة الإنقاذ «سي – ووتش 3» تجاهل قرار حكومة روما وتحدّي تحذيرات وزير الداخلية وتهديداته ودخلت المياه الإقليمية الإيطالية بسفينتها التي تحمل على متنها 42 مهاجراً أفريقياً بعد أن انتظرت الإذن بالرسوّ في أحد الموانئ الآمنة لأربعة عشر يوماً.
ولا تزال السفينة «سي – ووتش 3» التي تشغّلها منظمة «سي – ووتش» الإغاثية تنتظر في البحر حتى أمس (الخميس)، حيث ترفض الحكومة الإيطالية السماح لها بإنزال المهاجرين. وأكدت كارولا راكيتيه أنه حقٌّ عليها إنسانياً إنزال المهاجرين الموجودين على سفينتها منذ الثاني عشر من يونيو (حزيران). وقد اقتربت السفينة من جزيرة لامبيدوسا القريبة من صقلية، إلا أنها لم تدخل ميناءها.
وكتبت «سي – ووتش»، على موقع «تويتر»: «صباح الخير للاتحاد الأوروبي. لقد اتجهنا بها إلى المياه الإقليمية لإيطاليا لوجود ضرورة لذلك. وهناك بالفعل عناصر من خفر السواحل والجمارك على متنها. انتظرنا لليلة. ولكننا لن نستطيع الانتظار ليلة أخرى. لا يصح التلاعب بمصائر الناس».
وتوعد سالفيني بعدم السماح أبداً لأي شخص بالنزول من السفينة، وقال إنه يتعين نقل ركاب السفينة إلى ألمانيا وهولندا، حيث إن السفينة تحمل علميهما. وبهذا تكون السفينة في طريقها لأن تصبح أول هدف لمرسوم حكومي أصدره سالفيني. ويفرض المرسوم غرامات تتراوح بين عشرة آلاف و50 ألف يورو (56800 – 11360 دولاراً) على السفن التي لا تمتثل لأوامر الابتعاد عن المياه الإيطالية. وفي تغريدة له، قال سالفيني أمس، إنه سيكون سعيداً فقط في حالة ما إذا تمت مصادرة السفينة وإلقاء القبض على طاقمها. وكانت زوارق خفر السواحل الإيطالية قد اعترضت سفينة الإنقاذ وأوقفتها ساعات عند مدخل ميناء لامبيدوسا، فيما طلب وزير الداخلية من السلطات القضائية إصدار مذكرات توقيف بحق طاقم السفينة.
وهذه هي المرة الأولى التي ترفض إحدى سفن الإنقاذ التي تجوب المتوسط لمساعدة المهاجرين أوامر الحكومة الإيطالية وتتحدّى سياستها المتشددة التي اعتمدتها مؤخراً، بمبادرة وإصرار من وزير الداخلية، والتي تقضي بإحالة سفن الإنقاذ التي تدخل المياه الإقليمية من غير إذن إلى المحاكم الجنائية وفرض غرامات مالية باهظة عليها.
وكانت قبطان السفينة راكيتيه، وهي في الحادية والثلاثين من عمرها، قد اتخذت قرار الدخول إلى المياه الإقليمية الإيطالية متجهةً إلى ميناء جزيرة لامبيدوسا، بعد أن تدهورت الحالة الجسدية والنفسية للمهاجرين على متن سفينتها، وقالت: «قررت الدخول إلى الميناء. أعرف جيّداً ماذا ينتظرني، لكن 42 من الذين نجوا من الغرق على متن السفينة لم يعد بوسعهم التحمّل. أحملهم إلى الأمان، وأعقد الأمل على أن تتفهّم السلطات الأوروبية والإيطالية هذا الوضع».
وكان وزير الداخلية الإيطالي قد صرّح عشيّة دخول السفينة المياه الإقليمية، قائلاً إن المهاجرين بإمكانهم أن يبقوا على متن السفينة «حتى عيد الميلاد»، وأكد رفضه السماح بإنزالهم في الموانئ الإيطالية، لاجئاً إلى استخدام عبارات نابية تنمّ عن مدى استيائه واضطرابه عندما قال: «لن ينزل واحد منهم». وأضاف سالفيني عبر شريط فيديو على حسابه في «فيسبوك»، محذّراً القبطان «الطائشة»، وحكومتي هولندا وألمانيا (السفينة ترفع علم هولندا، والمنظمة ألمانية) والسلطات الأوروبية، من أنهم «يلعبون لعبة سياسية ويعرّضون حياة المهاجرين للخطر». ثم قال: «علينا أن نهتمّ بالإيطاليين الذين يقاسون الصعاب، وليس بثلاثة أرباع العالم الذي يريد أن يعيش على حساب الطليان. لن نستقبل المهاجرين غير الشرعيين».
وأعرب سالفيني عن رغبته في أن تتولّى الحكومة الهولندية أمر المهاجرين على متن السفينة، ووصف امتناع هولندا عن الرد أو التعليق بأنه «تصرف استفزازي وعدائي»، فيما طلب وزير الخارجية الإيطالي إينزو موافيرو، من سفيره لدى لاهاي أن يبادر فوراً إلى الطلب رسمياً من الحكومة الهولندية التدخل لمعالجة الوضع.
وليس معروفاً بعد المصير الذي ينتظر المهاجرين الذين وصفتهم المنظمة المالكة للسفينة في بيان بقولها: «ذنبهم أن منظمة غير حكومية هي التي أنقذتهم. عقابهم: المعاناة طوال أسابيع تحت شمس حارقة، منبوذين من أوروبا ومتروكين لمصيرهم».
وتجدر الإشارة إلى أن السفينة المذكورة كانت قد أنقذت 52 مهاجراً في عرض البحر بعد مغادرتهم السواحل الليبية في 12 الجاري، تمّ إخلاء عشرة منهم لأسباب صحية، ورفض طاقمها الانصياع لأوامر السلطات الإيطالية بإعادتهم إلى أحد الموانئ الليبية لاعتبارها غير آمنة وفقاً لتصنيف المفوضية الأوروبية. ويذكر أن تقارير الأمم المتحدة أكدت أن المهاجرين الذين يعبرون الأراضي الليبية يتعرّضون للعنف والتعذيب في مراكز الاعتقال، وأن هذه المراكز غالباً ما تشرف عليها ميليشيات ضالعة في الاتجار بالبشر.
وكانت محكمة العدل الأوروبية قد قررت الامتناع عن النظر في الدعوى التي تقدمت بها المنظمة غير الحكومية التي تملك السفينة، لاعتبارها أن وضع المهاجرين على متن السفينة ليس من الخطورة التي تقتضي إنزالهم على وجه السرعة، الأمر الذي فسّره سالفيني بأنه تأييد لموقفه.
أما المفوضية الأوروبية من جهتها فقد أعلنت أنها تُجري اتصالات مع الدول الأعضاء لتوزيع المهاجرين الذين ما زالوا على متن السفينة، لكنها أكدت أنه لا بد من إنزالهم إلى اليابسة قبل نقلهم إلى الدول التي توافق على استقبالهم.
ويقوم المئات من سكان الجزيرة منذ أيام باعتصامات سلمية يطالبون خلالها السلطات الإيطالية بالسماح بإنزال المهاجرين، في الوقت الذي توجّه وفد برلماني من المعارضة اليسارية عصر أمس (الخميس)، إلى لامبيدوسا لتفقّد الوضع والتضامن مع المهاجرين الذين ما زالوا على متن السفينة.
” الشرق الاوسط”