كويريا : هل أنت شاذ ؟ – عبدالوهاب العالم – ليبيا
العالم الآن – إن تاريخاً مليئا باضطهاد الكـوير كفيل بتكوين صورة نمطية Stereotipo سلبية ليس فقط لدى فئات المجتمع الأخرى.. بل لدى الكـوير نفسه عن نفسه !
إذ عاش الكـوير الليبي في ظروف غير اعتيادية ..ظالمة، أرغمته على إخفاء جوانب من شخصيته واقتصار نشاطه الثقافي على الحد الأدنى لضمان بقائه خارج السجن…بل تفادي تهديد القتل .
وبالتالي تسربت الصور السلبية داخل المكونات الهامشية التي شكلها الكـوير لحماية المقهورين والمنبوذين اجتماعيا… وصار العار واحتقار الذات self degradation ضمن ما يشعر به أجيال الكـوير حيال أنفسهم استنادا إلى ادعاء مخالفة الكـوير للدين والفضيلة، وهو زعم يفتقد للكثير من الدقة وبحاجة لنقاش وبحث جدي… فالفضيلة – ونقصد بها هنا: قيم الاستقامة والدور الاجتماعي الايجابي – تعززت على يد الكـوير كما عرضنا في المقالات السابقة بل عمل الكـوير لنشر التعليم والفنون ورعاية الأقليات من خلال إنتاجه المتنوع وهو ما لم يفلح في عمله أنماط أخرى من الفاعلين الاجتماعيين !
أما عن مخالفة الكـوير للدين، فالأمر يناقش دائما من زاوية ضيقة…سطحية، وأر أنه من الاجدر بنا البدء من زاوية أخرى…جديدة إلى حد ما، فعوضا عن مسألة التحريم ومتاهة تفسير النصوص، دعونا مثلا نناقش عجز الفقه الإسلامي عن تقديم تشريع واضح للـعابر جنسيا Transsexual إذ توقف الفقهاء عند تقسيم العابر إلى مُشكل وغير مُشكل بالحكم على المظهر الخارجي حسب علوم القرون الوسطى…ولهذا يعترف الفقهاء اليوم بضرورة استشاره العلم الحديث قبل إصدار رأي شرعي (1) وذلك لعدم ورود أي إشارة للـ Transsexual في الحديث أو القرآن، كما يمكننا نقاش وصف النبي يحيى في القرآن بكلمة “حصور” (2) والتي تُقابل مصطلح Asexual وكيف أنه هو الآخر بلا حكم شرعي واضح…مما يستدعي الحاجة – مرة أخرى – لاستشاره العلم الحديث !
والعِـلم الذي استشاره الفقهاء بعد تحيّرهم، لا يجد خطبا في المثلية ولا الإزدواجية ولا أي من تنوعات الطبيعة الجنسية الأخرى، وهو ما يتفق مع التفسيرات الحديثة للآيات التي تشير للمثلية الجنسية في القرآن…من هنا يبدأ النقاش والبحث الجدي لفهم مجتمعنا وتنوعاته (3)
بيد أن مهمة البحث هذه، تقع على عاتق الكـوير في المقام الأول، كونه الناشط والفاعل الاجتماعي الأبرز في مجموعة الـ(LGBT+) ، فلم يكن الكـوير في مجتمعنا مثلياً بالضرورة أو إزدواجيا أو عابرا أو مغايرا حتى، إذ كان للفيلسوف آرسـتيبو علاقات مع النساء وكانت له بنت في حين ثمة فنانات مثليات وكُتّـاب إزدواجيين وناشطين عابرين/عابرات جنسيا وغيرهم (4) ولذا تتعدى مهمة الكـوير التصنيف الذي ينتمي إليه، إلى الحرية التي ينشدها المجتمع ككل، وبالتالي كانت مهمته – عبر تاريخنا – ثقافية بالأساس وهو ما جعله يواجه حكما سلبيا من الرافضين لحقوق الإنسان وجموع الغافلين والمتعصبين…بل الأعجب أنهم يتعرضون لتنمر بعض أعضاء الـ( LGBT+) أنفسهم.. الذين يصرون على : “البقاء بسلام في الظلام”… وهو ما لم يحدث في تاريخنا على الإطلاق، إذ لم تنفع محاولات التخفي والاندماج مع البقية في مجتمعنا والدليل هو الأعداد المهولة للمعتقلين والقتلى بدعوى الانحراف الجنسي في السجون الليبية في السنوات الماضية ..رغم محاولتهم التخفي والبقاء في الزوايا المظلمة ودعواتهم لله الذي (خلق الإنسان في أحسن تقويم)…أن يشفيهم من لعنة الشذوذ !
لذا لا يملك الكـوير سوى التحصن بالمعرفة وتوسيع وعي من حوله قدر الإمكان والسعي لمتع الحياة ما أمكنه ذلك والتصرف بذكاء مع مخالفيه وإدراك قيمته الثمينة من تاريخ يمتد لألوف السنين…وبالطبع الاهتمام بمظهره الخارجي !
إن هذه ليست مجرد نصائح مبتذلة وإنما هي أسلوب الفيلسوف آرستيـبو التي تُدرس تعاليمه في جامعات العالم حتى اليوم، فهو المثقف المعروف بتأنقه الشديد وبحبه للرفاهية والترف، واشتهر بسرعة البديهة والسخرية القاسية من معارضيه وحتى الفلاسفة منهم…ولهذا هو نموذجنا الأول للكـوير الليبي الملهم .
المراجع:
1- الفقه الإسلامي وأدلته -وهبة الزحيلي -المكتبة الشاملة الحديثة ص7900
2- وردت كلمة “حصور” في الآية 39 من سورة آل عمران وتعني اصطلاحا الراغب عن الزواج والزاهد في النكاح…انظر تفسير ابن كثير .
3-ظهرت في السنوات الأخيرة آراء جديدة تفسر قصة قوم لوط التي ذكرت في القرآن، بطريقة أخرى، حيث لا تعتبر إدانة الآية للفعل نفسه وانما لاسلوب القوم العدواني الغاصب…وهي ابحاث خجولة لكنها تحمل معنى منفتح يتفق مع حسم مؤسسات البحث العلمي في العالم بأن المثلية ليست مرضا نفسيا ولا جسديا ولا عقليا .
4-نمتنع عن ذكر اسماء شخصيات لكتاب وفنانين في يومنا هذا يمثلون الكوير ونشاطه التاريخي في المجتمع الليبي خوفا من الحاق المزيد من الأذى والتهديد بحياتهم .