ضغوط دولية قد تضطر مادورو للتفاوض مع المعارضة
العالم الآن – قالت مصادر مواكبة للمحادثات التي بدأت يوم الأربعاء الماضي في جزيرة «باربادوس» بين المعارضة الفنزويلية ونظام مادورو برعاية الحكومة النرويجية: «إن الأجواء التي خيّمت على الجلستين الأوليين تختلف كثيرا عن تلك التي سادت الجولة السابقة في أوسلو.. وإن ثمة احتمالات بالتوصل إلى اتفاق حول تحديد إطار للمفاوضات في المرحلة المقبلة».
وتأتي هذه الجولة من المحادثات في أعقاب ارتفاع الضغوط الدولية على مادورو بعد وفاة أحد ضبّاط سلاح البحرية الفنزويلية تحت التعذيب والتقرير الذي صدر عن مكتب المفوّضة السامية لحقوق الإنسان مؤكداً الاتهامات الكثيرة الموجهة للنظام بانتهاكه الحريات وممارسة الاعتقالات التعسفية والتعذيب المنهجي في السجون السياسية.
في هذه الأثناء كان المدير السابق لجهاز المخابرات السياسية الفنزويلية كريستوفر فيغيرا يدلي بتصريحات يؤكد فيها أن «النظام يستخدم أجهزة الدولة لقمع خصومه السياسيين الذين يتعرّض معظمهم للتهديد والتعذيب بصورة منتظمة». وكان فيغيرا، الذي كان أحد مدبّري محاولة الانقلاب الفاشلة في 30 أبريل (نيسان) الماضي التي أدت إلى إطلاق سراح الزعيم المعارض «ليوبولدو لوبيز» الذي كان يخضع للإقامة الجبرية، قد فرّ إلى كولومبيا حيث مكث شهرين، ومنها انتقل إلى ميامي حيث يقيم حاليّاً.
ويقول فيغيرا إنه اقترح على مادورو في مطلع هذا العام «حلّ الجمعية التأسيسية، أو إلغاء صلاحياتها، والسعي بشكل جدي مع المعارضة المعتدلة لإيجاد مخرج سريع من الأزمة الخطيرة التي تعيشها فنزويلا». ويضيف المدير السابق للجهاز الذي يخشاه الفنزويليون أكثر من أي جهاز أمني آخر، أنه عاد وكرر اقتراحه على مادورو مرتين، في فبراير (شباط) ثم في أواخر مارس (آذار)، ودعاه إلى إجراء انتخابات يشترط لها أن ترفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على فنزويلا، لكن مادورو «اعتبر هذا الموقف انهزاميّاً وجباناً» وطلب عدم إثارته مرة أخرى.
ونفى فيغيرا أنه كان على اتصال بالمخابرات الأميركية كما روّجت أوساط النظام بعد انشقاقه، مؤكدا أن الولايات المتحدة «هي التي طلبت عقد اجتماع مع المخابرات الفنزويلية عن طريق الملحق العسكري في الجمهورية الدومينيكية.. وأن مادورو هو الذي كلّفني عقد هذا الاجتماع الذي أطلعته على كل تفاصيله».
عن المحاولة الانقلابية التي انتهت بالإفراج عن الزعيم المعارض ليوبولدو لوبيز، الموجود حاليا في مقرّ السفير الإسباني في كاراكاس، وفشلت في إحداث التمرد العسكري المرتقب لإسقاط النظام، يقول فيغيرا إنها «لم تفشل كليّاً، وكثير من التطورات التي نشهدها اليوم، مثل محادثات باربادوس، هي من نتائج تلك الحركة». ويضيف فيغيرا أن الاتهامات التي وردت في تقرير المفوّضة السامية لحقوق الإنسان صحيحة، لكنها لا تعطي صورة كافية عن الانتهاكات الجسيمة التي تحصل، مضيفا: «كل الذين يعترضون على سياسة مادورو أو ينتقدون مواقفه، يعتبرون أعداء النظام ويتعرضون للملاحقة الميدانية وتخضع اتصالاتهم الإلكترونية والهاتفية للتنصّت، وغالباً للتهديد المباشر والاعتقالات التعسفية». ويؤكد فيغيرا أن «مادورو هو الذي يعطي الأوامر شخصياً بملاحقة خصومه السياسيين.. وهو أكثر قسوة في معاملة القادة العسكريين الذين ينتقدون تصرفاته أو يشكّك هو في ولائهم المطلق.. إنها آلة جهنمية للتعذيب المنهجي».
وعن دور المستشارين الكوبيين يقول فيغيرا إنهم يشكّلون الحلقة الضيّقة لحماية مادورو، «كان عددهم في الماضي لا يتجاوز الخمسة عشر، لكن بعد التطورات الأخيرة ارتفع هذا العدد إلى المئتين تقريباً». أما عن قادة الوحدات والأجهزة العسكرية فيقول: «إن معظمهم رهينة المصالح والمنافع الشخصية التي تدرّها عليهم مناصبهم، ويخضعون لابتزاز النظام الذي يملك أدلة على تورطهم في كل أنواع الفضائح».
وعن الدور الروسي في الأزمة الفنزويلية يقول فيغيرا: «العلاقة مع روسيا بدأت تجارية، ثم تطورت إلى علاقة عسكرية بعد أن اشترت فنزويلا أسلحة ومنظومات تكنولوجية حربية روسية. وفي الأشهر الأخيرة يتوافد خبراء عسكريون روس إلى فنزويلا بصورة منتظمة».
وعلى صعيد متصل قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف: «إن فنزويلا أصبحت من أهم شركائنا الاستراتيجيين، لا بل من حلفائنا.. ونحن نقدّر بكل صدق الدعم الذي يقدّمه لنا الأصدقاء الفنزويليون في مجالات كثيرة، ويؤيدون مواقفنا في الجمعية العامة للأمم المتحدة… ويساعدوننا في إدارة ما نأمل في أن يتحوّل إلى مقاومة دولية موحّدة ضد العقوبات الأميركية خارج الحدود الإقليمية».
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا هي الدولة الدائنة الثانية، بعد الصين، لفنزويلا، وداعم رئيسي لنظام مادورو بعد أن اعترفت أكثر من خمسين دولة بشرعية رئيس البرلمان خوان غوايدو. ويقول ريابكوف: «إننا نتواصل باستمرار مع فنزويلا التي نقدّم لها الدعم الاقتصادي في هذه الظروف الصعبة، والمشورة اللازمة في مجالات عدة».
وكانت موسكو قد أرسلت نحو مائة من المستشارين العسكريين إلى فنزويلا في أبريل (نيسان) الماضي، فيما تحدثّت أنباء عن إرسال شركات أمنية خاصة روسية لأعداد غير محددة من الخبراء العسكريين إلى كاراكاس في الفترة الأخيرة. لكن نائب وزير الخارجية الروسي أكّد أن «المعدات العسكرية الروسية التي أرسلت إلى فنزويلا لم تؤثر في أي لحظة على توازن القوى في المنطقة».
وبعد أن يوجّه ريابكوف انتقادات شديدة لسياسة واشنطن في الأزمة الفنزويلية وتهديداتها المتكررة بالتدخل العسكري، يقول: «إن المخرج الوحيد من هذه الأزمة هو الآن على طاولة المفاوضات»، مؤكداً أن روسيا تشارك في الحوار الذي ترعاه النرويج بين النظام والمعارضة.
” الشرق الاوسط”