زليخة…ريشتك تستفز من لا يقرأ خفايا السطور- إخلاص القاضي – الأردن
العالم الآن -المطلع على السيرة المهنية والنقدية للكاتبة الاردنية زليخة ابو ريشة يدرك تماما غناها وقدرتها على استحضار ايه حالة وصفية كانت ام سردية ، اخبارية ام إبداعية او ما شاكل ذلك.
هي حقيقة من الرائدات في الاردن في مجال الكتابة المثيرة للجدل ،
ولكن اتهامها الاخير لمراكز تحفيظ القرآن الكريم في الاردن وكأنها حاضنة للإرهاب الذي يأتي في إطار تعميم “طار كريشة بهواء الفتنة ” ؛ مرفوض مهنيا ودينيا واخلاقيا .
وكان ينبغي بها ؛ في حال معرفتها الأكيدة بمراكز ربما تدور حولها شبهات تلقين الارهاب-وهذه ليست قناعتي مطلقا- اقول كان الاجدى ان تتصرف بطريقة مغايرة تحفظ ماء وجهها ولا تعرضها للشتائم والسباب لسيدة في مثل عمرها.
كان الاولى بك .. بدلا من لعن الظلام ان تقدمي عرضا نقديا تحليليا بعيدا عن التهم المطلقة ، المعبرة عن قيم المدنية المجردة دون اعتبار لحرية العبادة.
وكان من الأمثل ان تعرضي نصائحك وبدائلك بطريقة اكثر قبولا في مجتمع محافظ من حقه أن يدافع عن معتقداته، شريطة أن لا تمسي الدين والقرآن الكريم، فأنت بذلك تثيرين دون أن تدري ، حلقات لا تنتهي من استفزاز الناس ، وتتعرضين لايمانهم بمرجعيات مقدسة لا جدل فيها .
وفي المقابل، لاحظت ان الكاتبة ابو ريشة تعرضت لحملة مضادة شرسة ” يعتبرها البعض وفقا لقناعاتهم ضرورية جدا ” بيد انها حملة مغلفة بالشتائم والاهانات والتجريح وهدر الدماء من ذات المجتمع الذي انتقدته ، كنت اتمنى والحالة هذه ان لا ننزلق إلى المنابزة بالالقاب والتحقير والتكفير لمجرد انها ابدت رأيا خاطئا أو مخالفا او مشاكسا ، هو بالنهاية ” مجرد رأي ” ، مسؤول او غير مسؤول؛ لذلك نقاشا مختلفا قد يأتي على صيغة حوار حضاري مرهون بالحجة والإقناع من جهتها.
وعلى المقلب الاخر كان الاجدى ووفقا لتعاليم الدين الحنيف ان لا يرد على الاساءة بمثلها و بامثالها ، فقد تعرضت وهي على مشارف الثمانينات من عمرها ، لحملة مضادة نالت ربما من روحها ومعنوياتها التي تتهاوى حكما بسبب التقدم في العمر ، وانا هنا لا اتنمر على جزئية العمر بقدر ما تعاطفت معه، فكلنا إلى عد عمري عكسي لا محالة ، وقد لا يسعفنا الموقف بتعبير بليغ او يلتف على الالغام.
لست بمعرض الدفاع عن السيدة ، رغم أنه يشرفني ان ادافع ما استطعت عن المظلومين والمظلومات، لكنها القت للاسف بنفسها في اتون نار ، كان الهجوم عليها على إثر ذلك ردة فعل على اسلوب نقدي غير متناغم وقيم الناس وثوابتها.
وعليه وحتى نحقن السيلان الجارف من الوعود والتهديد والسباب، وحتى نضع اوزار الامور دون تصعيد لا يخدم المرحلة ولا المجتمع؛ فإن أبو زليخة مطالبة بتقديم توضيح وتفسير بصيغة اعتذارية تبرد نار الحرب الكلامية الدائرة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تظهرنا كمجتمع كاره للتعبير ومصادر لحقوق المرأة ، بل ومتنمر على سيدة مثلها ، حتى لو تطلب الامر منها تجاوز الصيغة الاعتذارية الايحائية إلى اعتذار واضح وصريح ينهي الحكاية..
نحترم حرية التعبير ؟ نعم ، نتغاضى عن الاساءة للاديان مهما كانت؟ لا ؛ نرحم عزيز كلمة سقطت سهوا؟ ، من المفترض، ..نعم …
كثيرون دفعوا حياتهم اثمانا لافكارهم، ولكن ” المرجلة”، ان تعرف كيف ومتى تعبر، ولمن توجه خطابك المدروس ضمنيا من النواحي كافة، خطاب متضمن لرؤى قريبة من صواب فكرك؛ لا ان تضيع ” صواب عقل ” المتلقي حين تجرحه بايمانه ، وتعود فتستصرخ ظلم الناس لك ، وفقا لنظرية الفعل ورد الفعل التي يدركها طفل بفطرته، فما بالك بمن اختبر الحياة واختبرته وكونت لديه معارف تراكمية متنورة؟
زليخة..مع حفظ القابك ، من المفترض أن يكون لك من اسمك نصيب، ف “الزلخ ” وفقا لمعاجم ، هو التقدم في المشي، نريدك ان تتقدمين بخطواتك لخطاب اكثر قبولا، والزلخ هو الشيء الاملس الذي يتزحلق عليه، فكوني مساحة حرة موضوعية “زحلقي” من خلالها كل الافكار السوداوية المثيرة لاستفزاز العامة، كما أن اسمك يشابه اسم امرأة عزيز مصر التي كانت سببا بسجن النبي يوسف، فلا يقترب الاسقاط منك فيكون اسمك سببا في سجنك ليس بالمعنى الحرفي للكلمة؛ وإنما سجن العزلة والتهميش بسبب فكرة..
وبعد ورغم كل اثارتك للجدل ومن منطلق احترام الناس وكيانهم ، نقدر تاريخك وقيمتك ومفردتك وننتظر منك المزيد من المؤلفات الشيقة..التي تغوص عميقة، موضوعية ، لكنها قادرة على حفظ احداثيات الشاطىء، وخارطة المراسي .