#كومستير.. علاقات إنسانية “مشوهة” – شادن صالح – الأردن
العالم الآن – يجب أن نمرن أدمغتنا على فكرة قد تكون مقززة لوهلة لكنها حقيقية وواقعية جداً وهي أن الكثير من العلاقات الإنسانية على اختلاف أنواعها يكون أحد الأطراف فيها ” vampire “ أو مصاص دماء. قائمة على الأخذ من طرف واحد دون أي عطاء يذكر، والطرف الآخر يجد نفسه ” تدريجياً ” يعطي ويعطي يقبل يحب يسامح يستمع يقدر يعذر يستحمل وينزف أيضاً، وفي كل مرة تقدم جزءً من ذاتك وروحك وأعصابك قرباناً لاستمرار العلاقة. في وقت لا يعرف الطرف الآخر أي طريق للشبع.
هذا النوع منتشر كما قلت على اختلاف أنواع العلاقات البشرية من صداقة أو حب أو أمومة أو أخوة أو زواج أو حتى زمالة..
وعلى اختلاف الدوافع والمبررات والأسباب التي توصل أي شخص لأن يصبح مصاصاً للدماء في علاقاته بحكم أن الخوض في سبر النفس البشرية هو أكثر الأشياء تعقيداً على هذا الكوكب والأكثر غموضاً فأن وجهة نظري الشخصية تقول أن الأشخاص الذين يمتازون بالأنانية المفرطة يرسمون الآخرين بمقاسات معينة تتناسب وميولهم النفسي الشاذ وهذا طبيعي لسبب بسيط وهو أنهم يفتقدون للتوازن العقلي والنفسي، لذلك فأن الأمر لا يتعلق ” مبدئياً فقط” بالشخص المضحي الذي تنحصر وظيفته بالعطاء فقط . لكن ….في الوقت الذي تبدأ فيه العلاقات برجوح كفة عن الأخرى واستمرار ذلك الرجوح لمرحلة لا توازن قوى فيها … ورغم ذلك نستمر في عدم التوازن والإتزان هذا .. بل ونصبح شركاء في اتساع الفجوة … هنا تحديداً فأن اللوم يتحول الينا مباشرةً …
بمعنى آخر وأبسط … لا يجدر بأن تفصل نفسك بمقاسات لا تناسبك إرضاء لأي طرف، ولا تسمح لأحد أن يحقق ولو حلماً واحداً من خلالك.. وبصرامة أكثر لا تكن امتداداً لأحد أو مشروع الآخرين الإستثماري…. أرفض فوراً من يقبلك بشروط أو يحبك بشروط أو أن يكون إلى جانبك بشروط أيضاً…
الحياة لم ولن تكن على نغم واحد فقط … ستسير أيام للأمام وترجع ربما سنوات للخلف …ستقع وتتعثر وتنهض وتعود وتقع …. الحياة مليئة بالحيرة والشك ومليئة بالظلام والنور أيضاً … ونحن جميعاً نحمل دواخلنا كل هذه التناقضات فمن لا يرى بك كل هذا ويقبلك ويتقبل كل ما فيك .. أشكره وأكمل رحلتك دونه بكل اختصار….
بعد هذه اللحظة تحديداً أول شعور سينتابك هو الشعور بالذنب وفي الوقت الذي ستؤنب نفسك ونلومها ستعود لتكرار نفس الخطأ وبنفس الغباء مرات عديدة.. ولذلك عوض هذا بالشعور بالمسؤولية التي سوف تقودك للتعلم ومن ثم الإعتذار لنفسك والمسامحة ومن ثم التحرر … وهنا تظهر النفس الحقيقية لديك دون تشويه أو إختزال أو إنتقاص … وتستطيع بعد التعافي أن تكون في علاقات إنسانية تختلف تماماً عن الصور المشوهة التي زرعها الآخرون بداخلك من خلال تجارب مؤذية … علاقات يكون فيها الحب غير مشروط ولا يتغير بتغير حالاتك أو أحوالك وغير مرهون بخطأ صغير قد يرتكبه أي بشر منا .. أي بمعنى أدق حب “موقف” وليس حب “حالة” … تصل بها الى أنك مقبول… ” كلك” مقبول كيفما أنت … بالضعف الذي تحمله أحياناً وبالعجز والفشل أحياناً أخرى حتى مع عدم الموافقة على بعض تصرفاتك…
هذا النوع من العلاقات يوصلك بالنهاية لشخص يهتم بك لحسابك أنت وليس لحسابه هو .. لأجلك أنت ولأنه يراك أنت تحديداً لا أن يرى نفسه بك أو من خلالك … توصلك لشعورك بوجودك وأن وجودك يحدث فرقاً حقيقياً … لن تكون حينها مضطراً لدفع أثمان لإرضاء أحد .. مساحتك في الحرية مضمونة لا تضييق او اختناق أو تشويه أو إختزال فيها…
من حق أي شخص منا أن يحدد من يرافق وأين ومتى … لكن من المهم جداً أن تبقى حدودنا واضحة ومساحتنا آمنة .. ولكل منا الحق في الدفاع عنها لحمايتها.. وأعني هنا تحديد المسافات بيننا وبين أي أحد كحق أصيل نمتلكه لأننا وحدنا من نمتلك بيوتنا النفسية.. لأن الكثير ممن حولنا يجيدون الإقتحام فيقترب منك ويجدك فاتحاً حدودك فيعطي لنفسه الحق بالتجوال داخلك ويمتلك المكان في ذاتك ويبدأ باستهلاكك .. لتحزن بدلاً عنه .. وتتألم مكانه وتحمل همه ووجعه نيابة عنه .. لينهك أفكارك ليوصلك في نهاية المطاف لتوجيه تصرفاتك لحسابه ورسم سلوكك لصالحه فتجد نفسك ناسياً لنفسك..
في الوقت الذي تقدم فيه كل هذه القرابين والولاءات والطاعات والحب أيضاً وتتهم بالكذب لأنك تخفي ألمك وقهرك ووجعك سيشعرك الطرف المقابل بأنك الأسوء على وجه هذه الأرض ليفقدك ثقتك بنفسك بكل السبل والطرق المشروعة وغير المشروعة … هنا تحديداً وفقط عليك أن تدرك تماماً بأنك اخترت مرآة مشوهة مكسورة معتمة لترى بها نفسك لذلك ستكون صورتك فيها حتماً وبالضرورة مهشمة …
بإختصار … إختر من ترى في عيونهم ما ينقصك فتكمله …. من يرفع من قدرك لا من يكسر قلبك…من يأخذ بيدك على الحياة لا من يلومك …غادر كل من بحاول سرقة ذاتك … ولا تصغي لمن يوجه لك الإتهام دائماً … فكلنا بشر نخطئ ونتعب ونعود ….
لا تكن أبداً مع من لا يغفر لك وكأنه يرتقب زلتك لإذلالك…
كن أنت … هكذا كما فطرت ولا تتجزأ لأجل أحد ولا تتشظى بإسم التضحية .. لا تجعل أحداً يحولك تدريجياً لشخص هجين لا يشبه نفسه ولا حتى يشبه الآخرين …وقل لهم دائما: هذا أنا بأخطائي وزلاتي وحالاتي وحبي الكبير أيضاً … ولنا ولكم الخيار