” لماذا الدولة الدينية ” . أيمن الخطيب – الأردن
العالم الآن –
واهم و ممل جداً من يعتقد أن الأنظمة العربية
إستطاعت أو حاولت على الأقل عمل قطيعة مع المؤسسة الدينية وهي تقود السلطة .
لا النظام الملكي في مرحلة ما قبل الإستقلال الوطني
ولا النظام الجمهوري الثوري في مرحلة ما بعد هذا الاستقلال ،
ولا أنظمة الليبراليات و لا حتى أنظمة الدول الأمنية العميقة قد تجرؤا على تفكيك و فسخ هذا التزاوج التاريخي بين الدين والسياسة وتوظيف كل منهما للآخر و الإستفادة من بعضيهما و إنسجامهما تماما .
دولنا ” دينية ” و إذا كان السطح يلوح بمقدار من حداثة و مدنية ” خجولة ” عن طريق صالات المطار والبنايات الحديثة و المقاهي و وسائل التكنولوجيا ،
فإن الجوهر الحقيقي الذي تتحرك في داخله منظومة العمل وكل المؤسسات هي دينية ” شرسة ” ،
وعلينا فقط أن نرى مؤسسات الدولة و مؤسسات المجتمع المدني والبنى التحتية الإجتماعية والايدولوجية و كيف تُدار حتى نكتشف حجم التوغل الديني و أثره في تشكيل وصياغة هوية الدولة والمجتمع .
لماذا الدولة الدينية ؟
أمام هذا التبدل والتغير في شكل الخارطة السياسية والإجتماعية والاقتصادية والأمنية العالمية
و أمام إنتقال العالم برمته لمرحلة ما بعد الأيديولوجيا
يبقى النظام الرسمي العربي في موقعه التاريخي الجامد موقع التحالف مع المؤسسة الدينية
و إستقطابها كشرعية وحيدة و يتيمة للبقاء في السلطة ؛
هذا الموقع الجامد التاريخي يعود الى سببين منفصلين خارجيا متوائمين داخليا ويكملان بعضهما
أولا :
أن المنطقة العربية إكتسبت دسما دينيا و مذهبيا وطائفيا كبيرا للدرجة الذي يستحيل معها هضم هذا التنوع الديني الكبير ،
وفي العودة لقراءة التاريخ الذي غمر هذه الجغرافيا الممتدة من نجد الى الشام و مصر ،
نرى سلسلة عريضة من الحكم السياسي الذي يخفي في داخله حكما دينيا أوتوقراطيا سميكا ،
ونرى أن لا دولة بقيت و إستمرت بمعزل عن توظيفها للمؤسسة الدينية .
هذا الموروث تستثمره الأنظمة العربية الحديثة الآن
ولا تزال تعبر عن نفسها ضمن هذه الدلالات ،
من الرئيس ” المؤمن ” الى خادم الحرمين الى وصاية على المقدسات مرورا بالأعلام والرايات ومقدمة الخطابات الرسمية كلها إشارات على شرعية الأنظمة الدينية .
ثانيا ،
قيام دولة ” الاحتلال ” على أساس ديني واضح
ساهم إلى حد كبير في بقاء هذه الانظمة والدول التي تنسجم مع المشروع الصهيوني _ في بقائها _ دولا دينية .
في علم جغرافيا السياسة الطبيعية تقول القاعدة الأولى :
أن إذا قامت دولة دينية في محيط إقليمي تتوافر فيها دولا دينية فإنها لا تشعر بالخطر ولا تتهدد ،
معنى هذا الكلام أن أي جنوح للأنظمة العربية نحو تحقيق دولة مدنية حقيقية قائمة على مفهوم المواطنة وقاطعة للعلاقة مع المؤسسة الدينية
دولة تستوعب كل الأديان والمذاهب والطوائف والأعراق وتصهرها في بوتقة الهوية الوطنية ،
يعني هذا خطرا كبيرا يمس دولة الإحتلال التي تنطلق من أرضية دينية كاملة .
بمعنى آخر :
الدولة الدينية التي تتحرك في وسط وجوار إقليمي
غير ديني ستشعر نفسها أنها نشاز ،
و سيحدث فراغا فكريا وايدولوجيا وسياسيا و إقتصاديا و أمنيا في بنائها بشكل يجعل إنهيارها سريعا و دون ضجيج.
الدولة الدينية مشروع يريح ويربّح كل الأطراف
و يعزز من قوة مشروع أكبر ،
يريد لشعوب هذه المنطقة أن تبقى غارفة في ماضيها وفي هوامها و تعيش إنفصالا تاما مع واقعها ونفسها
و تأخرا و فواتا حضاريا مع الآخر .
…..
أيمن الخطيب ” أ.خ ”
الحكيم