وادي رم… مساحات آمنة من صخب الحياة
العالم الآن – لا يتخيل المسافر إلى وادي رم أن صخب الطريق سيأخذه إلى ركن هادئ بعيد عن ضوضاء الحياة المدنية، التي عبثت بها تكنولوجيا التطور والأدوات الحديثة لثورة الاتصال. هناك فقط يضع المتجول أمتعة المدنية على رمال هادئة إلا من الرياح وجلسات السمر التي يفتعلها الزوار.
ليلة واحدة على رمال الصحراء الوردية تكفي لتكتشف مكاناً ليس له اتصال بالصورة النمطية عن الصحاري ذات الصفرة القاحلة المفرودة على مد البصر. فهنا في وادي رم، للصحراء رمال بلون مختلف وتضاريس بأشكال عجيبة.
يبعد نحو 300 كم جنوب العاصمة عمان، ويحمل اسم وادي القمر للتشابه في التضاريس، فيما يظل انعكاس أشعة الشمس عند الشروق وفي أوقات الغروب سبباً آخر لتنازع الكواكب على تشبيه وادي رم بالمريخ، ولتظل رم دالة الاتصال بين من عاشوا فيه ومدينة الأنباط التاريخية في البتراء، وفي ذلك دلائل ساقها المؤرخون تحدثت عن اشتراك العرب الأنباط بتلك المساحة الممتدة بين الخزنة ووادي رم.
حسن حجازي المتجول الأردني يصف وصوله إلى وادي رم بوصوله لصحراء وردية اللون، وجبال شاهقة العلو، متناثرة الأفق، تطالبك المنطقة عند الوصول إليها بنفس عميق، حتى تتخيل الرحالة يمشون على مهل وهم يركبون الجياد ويعتمرون العمامات، ومعهم زوادة السفر والتاريخ.
تاريخ المنطقة تكفلت به محركات البحث على شبكات الإنترنت، التي استقبلت كل المعلومات المتناقضة، واستحضار الجدل فيما إذا كان مكان إقامة قوم ثمود هناك، وأنها «إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد»، أو أن مناطق أخرى هي المكان المذكور في القرآن الكريم. فمنطقة تعود تاريخية الرسوم المحفورة على صخورها إلى 4000 عام، تستطيع أن تحكي قصة أقوام مرّوا عليها وعاشوا بها. إلا أن تاريخية المكان اليوم يمكن استحضارها مع تاريخ الدولة الأردنية، بعد أن انطلق منها الأمير فيصل بن الحسين مع فصيله العسكري عند مشاركته بجيش الثورة العربية الكبرى.
وتسرد الذاكرة القريبة عن سكان وادي رم، أنهم توزعوا على عدد من عشائر جنوب الأردن، ولعل امتداد الصحراء على طريق ثلاث محافظات جنوبية هي الطفيلة ومعان والعقبة، يجعل الوادي مشتركاً لجملة من العشائر التي ما زالت متمسكة بنمط البداوة عيشاً وثقافة. فسهل على الزائر أن يلجأ إلى بيوت الشعر هناك ليجد حفاوةً وترحيباً وكرماً ما زالت تتناقله روايات المارة والمرتحلين.
عند مدخل وادي رم كوجهة سياحة ستفصلك سكة حديد الحجاز، الشاهدة على زمن غياب الحدود والخرائط القُطرية، بين مركز استقبال الزوار ومركز التخييم للمقيمين ليالي وأياماً في وادي القمر. الفرق بين مركز الزوار ومناطق الخيام، هو فرق لمن يريد أن يتعرف على سحر المنطقة ويكتشف كنوزها، وبين الذين اختبروا المنطقة وعادوا إليها بحثاً عن الهدوء بعيداً عن صخب المدن وازدحامها. يسمح مركز استقبال الزوار للراغبين في الخروج في رحلة استكشافية للمكان، ولهم الخيار في استخدام الجِمال أو استخدام سيارات الدفع الرباعي، أن يتعرفوا على سحر المكان قبل اتخاذهم القرار في الإقامة لمدة مفتوحة، ضمن برامج معدة سلفاً لا يمكن للملل أن يخترقها. وطبعاً يتيح مركز الزوار خدمة استئجار مركبات الدفع الرباعي مع دليل سياحي من أبناء المنطقة الذين اختبروا تفاصيلها ويعرفون أدق المسالك من دون أن تتوه بوصلتهم. كما يقدم المركز نفس الرحلة لكن بخيار آخر وهو التنقل على الجِمال، أيضاً مع دليل سياحي.
أما العارفون بالمنطقة الذين اختبروا سحرها فهم بطبيعتهم يدخلون إلى مناطق التخييم ضمن حجوزات مسبقة وخيارات متعددة لأشكال وأنواع الخيام. فالمنطقة والإقامة هناك تحتكرها الخيام وتطرد أي بناء حجري تعوّدته العيون في المدن والقرى القريبة.
وتُراعي مناطق الخيام كل الإمكانيات، مركزة على أسعار معقولة تسمح، أو بالأحرى تشجع، على تمديد الإجازة، لأنها غير مكلفة على الإطلاق. أما فعاليات السمر فهي دعوة عامة للمقيمين والعابرين على حد سواء. لكن تبقى للإقامة في بيت شَعر بدوي والعيش ضمن طقوس العشائر والأسر التي تسكنه، نكهة لا مثيل لها. وبين كل ذلك هناك خيارات حرة للمجموعات الشبابية أن تدخل المنطقة بمركبات الدفع الرباعي، والإقامة الحرة في صحراء ممتدة، إذ لهم حق بناء الخيام الخاصة بهم، واختيار زوادتهم، والتحوط بكل إمكانات البقاء لأيام من حيث الطعام والشراب، وسط إجراءات احترازية تقوم بها السلطات حتى يشعر الزوار بالاطمئنان والأمان حتى لو ضلّوا الطريق وسط الصحراء المترامية.
ويتجلى هذا الأمن في دوريات لحرس البادية يتقدمها عسكر أردني من أبناء المنطقة، وشرط دوريتهم هي التجول على ظهور الجِمال، والقيام بطلعات على مدار اليوم، كي لا يتعرض أحد لسوء أو في حال طلب أي زائر لخدمة طارئة أو مستعجلة. منطقة وادي رم يسكنها نحو 20 ألفاً من السكان المحليين، يعملون في مجالات متعددة، لكن الطبيعة السياحية شجّعت أغلبهم على العمل بالقطاع السياحي.
ومؤخراً، أدخل قائمون على إدارة مخيمات في منطقة وادي رم التي تقسم بين منطقتي الديسة ووادي رم طقوساً جديدة للسياحة من بينها التمتع بالرصد الفلكي في مخيم يُعرف بـ«رم سكاي» عبر تلسكوبين حديثين قُطر عدسة كل منهما 10 إنشات، ودشن المشروع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، لرؤية القمر ومجموعات فلكية مختلفة. كما درجت مؤخراً مخيمات الفقاعات أو ما تعرف بـ«الكبسولات»، ذات السقوف الشفافة وتضاهي بخدماتها وفنادق النجوم الخمسة. وينتمي السكان المحليون في منطقة وادي رم إلى عشائر الزوايدة والزلابية فيما يتوزع نحو 50 مخيماً في صحراء رم، ويعود وجود هذه العائلات في المنطقة لمئات السنين، إذ تمتدان إلى عشيرة العنزة في المملكة العربية السعودية، فالعشائر البدوية التي كانت ترتحل بين البلدين بحثاً عن الربيع، كانت حركتها سهلة ومرنة قبل أن تقطع الحدود بين الجسم العربي الواحد، حسب رئيس مجلس محافظة العقبة محمد الزوايدة.
أنشطة وبرامج متنوعة
> في وادي رم متسع لممارسة مختلف الرياضات، فقد أضحى مصطلح السياحة الرياضية مفهوماً خاصاً في وادي رم الذي أتاح لمحترفي تسلق الجبال ممارسة رياضتهم على قمم يصل ارتفاعها إلى (1750) متراً، عن سطح الصحراء المحيطة بها.
أما لهواة النظر بعين أوسع وأفق أرحب، فقد كفل نادي الرياضيات الجوية الملكي الأردني رحلات ممتعة للراغبين ضمن شروط مسبقة متعلقة بالسلامة العامة، والأوقات المناسبة للطيران الخفيف على ارتفاعات تصل إلى 6000 قدم. وعبر طائرة الألترالايت، يستطيع الزائر التحليق فوق العقبة ووادي رم وينابيع لورنس وأعمدة الحكمة السبعة، في جولة يقدمها النادي بأسعار معقولة وفي جولات تصل مدتها إلى ساعة طيران، فيما تقوم جولات طائرات المايكرولايت، لتمنح متعة خاصة للراغبين بجولة من السماء، عبر الطائرة المكشوفة التي يعود شكلها لأول عهد الطائرات، والتي يقودها طيارون متمرسون.
” الشرق الاوسط”