الإنسان الثعلب – الدكتورة عصمت حوسو – الأردن

0 4٬913

العالم الآن –

الإنسان الثعلب ؛؛؛

يتصف حيوان الثعلب بالمكر والحيلة والدهاء، أما (الإنسان الثعلب) فهو أكثر مكراً ودهاءً منه؛ فنحن نظلم الثعلب عند اعتباره مقياس الدهاء مقارنة بمكر بعض البشر وحيلهم الخبيثة والشرّ المستتر في نفوسهم المريضة جداً، فتقف مذهولاً من هول صنعهم قولاً وفعلاً، وتمسي موسوماً بوسم الغباء مهما بلغت حدّة ذكاءك أمام ذلك الدهاء الثعلبي..

هؤلاء هم شياطين الإنس وما أكثرهم،، هنا على وجه الخصوص نشعر بحجم الذنب عندما تساهلنا وتجاوزنا مع من لا يستحقون منا سوى (الحذر) ..

أجمل ما يليق بوصف الإنسان الثعلب “القصيدة الزينبية” للشاعر ‘صالح عبد القدوس’ واخترت منها هذه الأبيات الجميلة لوصف القبيح : ” لا خير في ودّ امرىء متملّق حلو اللسان وقلبه يتلهّب، يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب” …

العالم الآن يعجّ بالثعالب البشرية من المحتالين والمنافقين والمدّعين؛ مدّعي الإنسانية والأخلاق والحقوق، أولئك للأسف يحتلون أكثر المواقع والمهن حساسية لذلك هم الأكثر خطراً على الإطلاق، فيظهرون الوجه الحسن وفي نيّتهم كلّ القبح المبطّن..
الإنسان الثعلب هو مريض سيكوباثي يحاول جاهداً تقليل الفجوة الضخمة بين الأنا المثالي المتضخم (على فاشوش)، وما بين الأنا الآخر من أناه المحتقر والذي يحاول إسقاطه على غيره، ويكون بارعاً في (التمثيل) وتغطية شعوره بالنقص والدونية وشروره اللامتناهية بلباس الإنسانية والوطنية المزيّف وثوب الأخلاق العفن، وللأسف الشديد ينجح دوماً في تمثيلياته على من حوله الى أن يوضع على المحكّ أو تتضارب مصالحه؛ فتبدأ الأقنعة بالزوال واحد تلو الآخر لِتُعرّي الوجوه الأخرى الشرّيرة ..
ينجح ذلك الإنسان الثعلب المحتال لفترة، لا بأس بها، في خداع الناس وإبهارهم بشخصيته الوهمية، ويدفعهم لتصديق خداعاته، أما لعب دور المنقذ والداعم والمتفهّم والمضحّي فهي أهم خداعاته، يمارسها ببراعة ولا يحضر للتحليل والانكشاف إلاّ اذا وقع في مشكلة؛ فهو يحتال على الآخرين لأسباب متشعبة الأهداف والمصالح، فقد تكون لسلب أموالهم مثلاً، أو لسلب مكانتهم، أو لتحطيمهم واغتيالهم معنوياً واجتماعياً، أو ربما للتحرّش!! وهو بذلك يغطي دونيته القميئة ليستمر شعوره بالإستعلاء العبيط.
المحتال الثعلب -بهيئة إنسان- ليس فقط كاذباً وإنما هو نوع فريد جداً من الكذابين، ذلك الذي يفرض على الآخرين تلفيقات مضخّمة عن إنجازاته التافهة، ومركزه الاجتماعي المخادع، وممتلكاته المسروقة، وربما شكله الطاووسي أو امتيازاته والتي بمجموعها كلها مضروبة في صفر .
وتستمر المسرحية الاستعراضية الهزلية لذلك الثعلب البشري بسبب استجابة الكثير من الضحايا لخداعه السمعي والبصري. وللضحايا دور كبير في مساعدة الثعلب، لأن اعطائه إيحاء التصديق والموافقة على أقواله وأفعاله وتشبيحهه يدفعه لتصديق نفسه والتمادي في غيّه لأنه يكذب بصدق شديد.
كل ضحية لها طريقة وأدوات خاصة في التعامل وطريقة خاصة للإيقاع بها، وغالباً ما يرمي شباكه لصيد الناس البسطاء السذّج الذين يحلمون بالطرق السحرية السريعة لحل مشاكلهم، وهذا لا يمنع من وقوع الأذكياء والأنقياء والأثرياء وحتى العلماء والقرّاء في أحبولة كذبه المنسوجة ببراعة، فيستيقظون على كابوس حلم الخلاص وقد تبخّر وبقي شبح المحتال قبالتهم يضحك على غفلتهم وسذاجتهم وربما أمانتهم الزائدة عن الحدّ في زمن غدا الصدق عيباً.
نسج الأكاذيب ورسم الأحلام والحلول السحرية تجعل أولئك الضحايا يحلّقون في الهواء، منتظرين تغيير واقعهم المرّ بين ليلة وضحاها على يد ذلك المخلّص المحتال وكأنه يملك مصباح علاء الدين، فيستنزفهم ويستنزف ما في عقولهم وقلوبهم وجيوبهم كذلك.

فكرة التحجيم لهذا الشخص تصدمه، وفكرة القناعة تخالفه، أما فكرة الكرم المصطنع يكشفه البخل الباطن، فيفضحه أول سلوك يكشف نفاذ صبره وزيف قناعاته؛ فالعطاء الزائف هنا ما هو الا وسيلة تبرّر غاياته المؤذية بوعوده الكثيرة الإغرائية الفارغة، فهو صبور جداً حتى يحقق غرضه، فيستخدم الآخرين لخدمة أهدافه ثم يلقي بهم بعد ذلك في سلة المهملات، لأنه لا يحبّ سوى نفسه، وإن اصطنع الحبّ فيخلو من أي عمق أو دفء، لأنه يهتم بالظهور والمظهر أكثر من اهتمامه بالمضمون والجوهر، لذلك هو كثير الوعود دون تنفيذ وهو سيد المماطلة في ذات الوقت، يُداس هؤلاء عادةً من قبل عابري الطريق ويذهبون مع الريح كالغبرة…
أخطر أنواع البشر الثعالب المحتالين أولئك المتسترين بغطاء الدين؛ فأولئك ينطبق قول الله تعالي عليهم : ” كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”..
دقّقوا النظر بمن حولكم؛ في البيت وفي العمل وفي الشارع وفي العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي، ثم بين أصدقائكم وأقاربكم وزملائكم، واكتشفوا الثعالب قبل فوات الأوان؛ فالضربة من أحدهم تكون قاضية لأنها تأتي من مسافة قريبة جداً وجداً..
طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيّته، وعزل الناس عن شرّه.. ولا عزاء للإنسان الثعلب ..
دة. عصمت حوسو

رئيسة مركز الجندر النوع الإجتماعي للإستشارات النسوية والإجتماعية – الأردن

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد