فتنة لا تأتي إلا بعد 16 عام – عامر غزلان – الأردن
العالم الآن – في مثل هذا اليوم من السنة ومنذُ 16 عاماً، يقيم حزب الوحدة الشعبية الأردني حفل تأبين للشهيد أبو علي مصطفى الذي قضى في استهداف صاروخي اسرائيلي مكتبه في رام الله في 27 آب عام 2001، يستذكِرُ المؤبنين في هذا الحفل كل عام شجاعة شهدائنا في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي المعتدي والكلمات في حفل التأبين دائماً ما تتوزع بين ذاكرة الألم التي صنعتها سنين مواجهة الأردنيين والفلسطينيين لهذا الإحتلال، وبين كلمات الشباب والشيّاب التي تتوعد الاحتلال بزواله القريب وبأن أجيالنا لن تنسى.
البارحة أبلغ محافظ العاصمة سعد شهاب الأمين العام لحزب الوحدة الدكتورسعيد ذياب رسمياً بقرار منع الحزب من إقامة حفل تأبين الشهيد أبو علي مصطفى، وجاء ذلك بعد موجة غضب غريبة أثيرت على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مجموعة من الأصدقاء الذين يصرون على أن حفل التأبين هو بمثابة استفزاز لمشاعر الأردنيين، مصورين المشهد بأن أبو علي مصطفى قد قضى وهو يحارب الأردن أو الأردنيين لا الاحتلال الاسرائيليّ، معللين غضبهم بأن أبو علي مصطفى كان مشاركاً في العمليات العسكرية التي نفذتها مجموعات أيلول 1971؛ مطالبين الجهات المعنية بمنع إقامة هذا الحفل بحجة الحفاظ على حالة الاستقرار الوطني على حد وصفهم، والذي يزيد التأكيد على بطلان صحّة هذه الحجة، أنها كانت قد استخدمت مسبقاً من قبل المحافظ لمنع إقامة أي حفل تأبين للشهيد ناهض حتَّر أيضاً!، وكأن الأردنيين كلهم صنف واحد أو رأيٌ واحد يستفزهم كلهم ما يستفز مجموعة من المؤثرين ويعجبهم كُلهُم ما يعجب مجموعة من المؤثرين فقط!.. إن لم يكن لديك حساب على موقع الفيسبوك فأنت خارج هذه المعادلة الوهمية!
أكتب هذه السطور وأنا في قلبي وعقلي محبة الأشخاص التي تقف في الطرفين؛ فانا وخلال عملي وزمالتي لأغلب المتشاجرين من الطرفين لم أجد يوماً بينهم أي عميل أو صاحب إنتماء لا أردني، شباب الوصفيون الجدد شبابٌ وطني، وشباب الأحزاب اليسارية الأردنية شباب وطني أيضاً، كلٌ يسعى لأردن حر ومستقل، كلٌ حسب ايدولوجيته كحال كُلِ شعوب العالم المتحضر. كنت في بداية سنين دراستي في كلية الهندسة من أعضاء “كتلة التجديد العربية” الذراع الطلابي لحزب الوحدة الشعبية، مع أني ابن مدرسة أيديولوجية مختلفة، لكني بنيت خلال هذه الأعوام معرفة متراكمة لعزيمة مجموعة من الشباب اليساري المُقصى من قبل الدولة فالمجتمع؛ كانت هذه الشباب بمكان ثروة كبيرة بالنسبة لشاب مثلي مندفع وصاحب طموح بالإصلاح وصاحب مشروعِ لتشكيل حالة وطنية جامعة تجمع أصحاب المدارس الوطنية من مختلف آيدولوجياتهم، زاد اطلاعي على حجم التضحية الأردنية في سبيل القضية الفلسطينية العادلة خلال وجودي بين هذه الشباب، وعرفت أكثر أن الأردنيين ليسوا نسخة نمطية واحدة، بل كلٌ يناضل بسيفه لنفس الأردن، ليس الأردني من قال أنا أردني فقط.. بل هو من عمِل لأجل ذلك، والأردني الوطني هو المؤمن بالمشروع الوطني الأردني وطناً ودولة والفلسطيني الوطني هو الفلسطيني المنتمي للمشروع الوطني الفلسطيني الذي يسعى لتحرير أرضه من الإحتلال وابقاء قضيته حاضرة في ذهن كل العالم لحين نيل الدولة الفلسطينية العدالة التي تستحقها.
لا يمكن للمشروع الوطني الأردني أن يقوّى بدون أن يقوّى المشروع الوطني الفلسطيني، بعيداً عن كل النعرات التي تثار كل مناسبة، والشاهد على ذلك كلمة الحسين بن طلال -رحمه الله- حين افتتح الدورة السابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير، التي كانت أول دورة تعقد في عمّان من أحداث أيلول 1970. استهل الحسين كلمته الافتتاحية حينها بالقول: “أيها الإخوة والأخوات، إن التئام مجلسكم في عمّان، هو اتحاد إرادتكم بإرادة شعبكم في الوطن المحتل وفي كل مكان، مثلما هو التئام جهد وعزيمة شعبين شقيقين انصهرا في تصديهما لذات التحديث ونفس مصدر الخطر. إنه العودة الطبيعية إلى إلى ما ينبغي أن يكون، وما يجب أن يستمر ويتواصل”، ولا أعتقد أنه يوجد ببال أي أردني وطنيّ إيماناً غير هذا الإيمان.
إن الإستجابة لأي خطاب يثير النعرة اتجاه الفلسطيني الأردني، لن يخدم المشروع الوطني الأردني أبداً بل سيزيده ضعفاً ويقوض من قدرته على الاستمرار والنجاح، ومن أبرز الطرق التي تقود لذلك هي تصوير رموز المشروع الوطني الأردني أو رموز المقاومة الفلسطينية كقادة إقليميين أو اقصائيين توظيفاً للتوجهات خاصة لأصحابها متناسين كل العمل السياسي المشترك الذي كان يجمع الطرفين بغض النظر عن أي نزاعات قديمة، هذا النوع من الخطاب لن يجني بالفائدة على أحد، فنحن بذلك لا نتصدى للعدو الإسرائيلي الذي يقف على يسارنا قليلاً ولا نتصدى أيضاً لمشاريع التوطين التي تحيط بنا من كل جانب.. نحن نساهم بأن يرقص أعدائنا المتفرجون فرحاً فقط!
أنا ابن مدرسة الشهيد وصفي التل، الزعيم الأردني النموذجي، الذي كان يتمنى أن يكون رصاصة في وجه المحتل الاسرائيلي وأنا أخو الشهيد أبو علي مصطفى ورفاقه الذين ناضلوا مشتركين طيلة حياتهم لصالح الدولة الوطنية الأردنية والدولة الوطنية الفلسطينية، ولولا وجود الاحتلال الآثم، لكنت أردنياً فلسطينياً أناضل من أجل وحدة الدولتين، ليس بإمكان أي نعرة اقليمية ان تزحزح جذوري وعقيدتي حالي حالُ كل أردني من مختلف أصوله ومنابته.
عامر غزلان
باحث في الشؤون البرلمانية
[email protected]