ضغوط على نتنياهو لتوسيع مستوطنة في قلب الخليل
العالم الآن – كشفت مصادر سياسية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يواجه ضغوطاً حثيثة من المستوطنين كي يعلن عن توسيع المستوطنة اليهودية القائمة في قلب الخليل، على حساب عمارات فلسطينية قائمة في شارع الشهداء في المدينة، فيما حذرت السلطة الفلسطينية من زيارة مرتقبة لنتنياهو للخليل وتصفها بـ«الاستعمارية».
وقالت هذه المصادر إن نتنياهو يميل إلى الرضوخ على الرغم من أنه يتوقع انتقادات دولية حادة وردود فعل فلسطينية شديدة ضد هذه الخطوة، وذلك لأنه لا يريد إغضاب المستوطنين عشية الانتخابات، فهو بحاجة إلى أصواتهم لتكبير حجم كتلته. ومع أن عدد المستوطنين هناك لا يتعدى 700 شخص فإن وزنهم كبير في الحركة الاستيطانية.
وحذّرت وزارة الخارجية الفلسطينية من تداعيات قيام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو «بزيارة استعمارية استفزازية» لمدينة الخليل وبلدتها القديمة وللحرم الإبراهيمي الشريف، اليوم (الأربعاء)، بحجة المشاركة في طقوس رسمية لإحياء الذكرى التسعين لأحداث ثورة البراق، والترويج لرواية الاحتلال إزاء ما حصل فيها.
وقالت «الخارجية»: «إن هذه الزيارة استعمارية عنصرية بامتياز يقوم بها نتنياهو في أوج معركته الانتخابية في محاولة لاستمالة الأصوات من اليمين واليمين المتطرف لصالحه، وتأتي في إطار مخططات اليمين الحاكم في إسرائيل لتهويد البلدة القديمة في الخليل بما فيها الحرم الإبراهيمي الشريف، ومصادرة سوق الجملة ومنحها للمستوطنين، خصوصاً أن المستشار القضائي لحكومة الاحتلال كان قد أصدر أمراً بوقف سيطرة بلدية الخليل على السوق». كما أدانت عمليات تعميق الاستيطان في طول وعرض الأرض الفلسطينية المحتلة وما يرافقها من جرائم هدم المنازل والمساجد والمنشآت، كما هو حال المخطط الاستيطاني شرق قلقيلية الذي سيبتلع ألف دونم ويبتلع عشرات أشجار الزيتون من أراضي بلدة جينصافوط، وكما هو أيضاً حال إقدام قوات الاحتلال على هدم مسجد ومنزل قيد الإنشاء في الخليل، إضافة إلى عذابات المواطنين الفلسطينيين ومعاناتهم على حواجز الاحتلال سواء الثابتة أو المتحركة.
وحذرت الوزارة من مخاطر ونتائج زيارة نتنياهو لقلب مدينة الخليل المحتلة، خصوصاً أن سلطات الاحتلال أبلغت سكان حي تل رميدة والبلدة القديمة ومحيطها، بإجراءات تضييقية وتنكيلية بالمواطنين الفلسطينيين تمهيداً لتلك الزيارة المشؤومة مثل إغلاق الحرم الإبراهيمي الشريف أمام المصلين وحظر التجوال والتحرك.
وطالبت الوزارة «المجتمع الدولي والمنظمات الأممية المختصة وفي مقدمتها اليونيسكو بتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه معاناة شعبنا في الخليل، وفضح هذه الزيارة وإدانتها، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات لمنعها، وتحميل نتنياهو وحكومته المسؤولية الكاملة والمباشرة عن تداعياتها».
المعروف أن وسط مدينة الخليل منطقة تجارية كانت مزدهرة في الماضي، إلى أن قام طبيب مستوطن بتنفيذ مذبحة في سنة 1994 عندما دخل إلى الحرم الإبراهيمي خلال صلاة الفجر وأطلق الرصاص من رشاشه على المصلين فقتل على الفور 29 فلسطينياً، وقتلت قوات الجيش الاحتلالي 20 آخرين. وعرض على حكومة إسحق رابين يومها أن تطرد المستوطنين من الخليل، إلا أنه عجز عن ذلك وأحاطهم بسور من الحماية العسكرية. وشيئاً فشيئاً، مع اغتيال رابين وفوز نتنياهو بالحكم، وفيما بعد إيهود باراك وأريئيل شارون ثم عودة نتنياهو، تحول السور إلى طوق يخنق الخليل وتم إغلاق عشرات المتاجر.
وبسبب وجود المستوطنين في قلب المدينة لم ينسحب الجيش منها في إطار الاتفاق الانتقالي (أوسلو ب)، الذي جرى توقيعه في عام 1997 والذي عُرف كـ«بروتوكول إعادة الانتشار في الخليل»، وبموجبه اتُّفق على تقسيم الخليل إلى منطقتين: المنطقة الأولى «H1» حيث يسكن معظم سكّان المدينة الفلسطينيين -وكان عددهم حينئذٍ 115 ألف نسمة بينما يبلغ عددهم اليوم نحو 166 ألف نسمة. في هذه المنطقة نُقلت الصلاحيات الأمنيّة والمدنيّة رسمياً إلى يد السّلطة الفلسطينية كما في بقيّة مدن الضفة. المنطقة الثانية «H2» التي تشمل أيضاً البلدة القديمة، وكان يسكنها حينئذٍ نحو 35 ألف فلسطيني ونحو 500 مستوطن. أمنياً ظلّت هذه المنطقة تحت سيطرة إسرائيل ونُقلت ليد السلطة الفلسطينية فقط الصلاحيات المدنيّة المتعلّقة بالسكّان الفلسطينيين هناك.
ويقيم اليوم في المنطقة «H2» نحو 34 ألف فلسطيني ونحو 700 مستوطن، ومن بين الفلسطينيين يقيم نحو 7000 في أماكن متاخمة لمنازل المستوطنين والشوارع التي يستخدمونها. وتتّبع السلطات الإسرائيلية في هذه المنطقة نظاماً يقوم علناً وصراحة على «مبدأ الفصل». وعلى ضوء ذلك أنشأت إسرائيل فصلاً فيزيائياً وقضائياً بين المستوطنين والسكّان الفلسطينيين. يشمل هذا النظام فرض قيود صارمة ومشدّدة على تحرّكات الفلسطينيين القاطنين هناك (السائقين والمشاة على حدّ سواء بما في ذلك إغلاق شوارع رئيسية) فيما المستوطنون يتحرّكون بحرّية ودون أي قيد. إضافة إلى ذلك أصدر الجيش أوامر بإغلاق لمئات المحالّ والمصالح التجارية الفلسطينية في هذه المنطقة.
وحسب تقرير لمنظمة «بتسيلم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان، فإن «التقييدات المتطرفة لحركة الفلسطينيين، إضافة إلى عنف المستوطنين وعناصر قوات الأمن حوّلت حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق وأدّت إلى هجر مركز مدينة الخليل بشكل مكثف وانهياره اقتصادياً. فقد أقام الجيش في قلب المدينة 21 حاجزاً تشغلها عناصر قوّات الأمن بشكل دائم ويخضع الفلسطينيون حين عبورها لتفتيشات مطوّلة ومهينة، منها عشرة حواجز تعمل طيلة اليوم والبقيّة لا يمكن العبور منها ليلاً. وفي أحيان كثيرة يغلق الجيش أحد الحواجز دون سابق إنذار متذرّعاً بأنّ اعتبارات أمنيّة تقتضي ذلك. وعند إغلاق الحواجز يُضطرّ السكّان إلى سلوك طرق غريبة للوصول إلى المكان الذي يقصدونه حتّى لو كان ذلك منزلهم.
وفي بعض المناطق يفرض الجيش قيوداً أكثر صرامة وتشدّداً. من ذلك أنّه لأجل الوصول إلى حي تل رميدة يضطرّ الفلسطينيّون إلى عبور حواجز شديدة التحصين. لأنّه في الفترة ما بين أكتوبر (تشرين الأول) 2015 ونهاية 2018 سُمح فقط لسكّان الحي بالدخول إليه، مما يعني إبقاءهم معزولين. وفي حي السّلايمة نصب الجيش جداراً يشقّ الحي نصفين بحيث يفتح الجنود البوّابة المثبّتة فيه ساعات محدّدة خلال النهار، وفق اعتبارات يحدّدونها هم. وعندما تكون هذه البوّابة مغلقة يُضطرّ السكّان إلى سلوك طريق التفافي طويل للوصول إلى منازلهم. وإنّ الوجود المكثّف للجنود وعناصر الشرطة في وسط البلد والاحتكاك الدائم بينهم وبين السكّان الفلسطينيين، يؤديان إلى تصرّف الجنود بعنف واستغلال الصلاحيات الممنوحة لهم على نحو مثير للسخرية.
” الشرق الاوسط”