الإدارة بالحب والتنمية بالنخوة – د.غالب سعد – الأردن
العالم الآن – هذا ربما يكون لإهتمامي المزدوج، في الإدارة والتنمية، علاقة في اختيار هذا العنوان الهجين، وهو على كل حال نتاج خبرة شخصية على مدى عقود من الترحال والعمل مع منظمات دولية واقليمية، ففي أول زيارة لي لواشنطن العاصمة، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لفتني عمل الموظفين والباحثين في مكاتب مفتوحة، بدون أبواب أو جدران تقريباً، سوى فواصل زجاجية او خشبية قصيرة، تتيح التواصل بينهم وبين رئيسهم، الذي يجلس أحياناً في مكتبٍ زجاجي متواضع، وفي معظم الأحيان يتركه ليندمج بينهم، وعندما سألت عن الظاهرة، علمت أن هذا نمط ” الإدارة بالتجوال “، يعيش الرئيس بين مرؤوسيه بدون حواجز من أي نوع، يقترب من اهتماماتهم، يوجههم ويشجعهم كمساعد وداعم لهم، من موقع القدوة والإقتدار، وتطورت هذه المدرسة الى ما يسمى، ” الإدارة بالحب “، أي أن يحب الرئيس مرؤوسيه ويحبوه، ويحب كل منهم الأعمال والمهام المنوطة به، بأهدافها ووسائلها، حتي بمصاعبها وتحدياتها، التي ستصبح كلها ذكريات جميلة، ومصدر فخر لهم بعد أن يحولونها للمكاسب وإنجازت .
لقد اثبتت هذه الأفكار نجاعتها في الواقع، واستعدتها أثناء زيارة عمل لمحافظة المفرق، شملت جامعة آل البيت، وبعض المواقع في المحافظة والبلدية والإدارات المحلية، وقد لفتني هدوء المنطقة وأهلها، حيث تتداخل رحابة الصحراء ببساطة القرية في تناغم جميل، تديره قيادات شابة مؤهلة واعية لمسؤولياتها، تعمل بهمة واندماج مع البيئة والمجتمع المحلي، بهدف تلبية احتياجات المواطنين والنهوض بالمحافظة، بما فيها من فرص وتحديات، لقد تفاجأت بإدارة حديثة، قوامها المهنية والرؤية التنموية الشاملة، بشكل مختلف عن الصورة النمطية السائدة لأداء المؤسسات العمومية في الأطراف بشكل خاص، انه نموذج جديد مشرف من الإدارة والمديرين، يبشر بمستقبل واعد، يدعو للفخر ويستدعي الإهتمام والمتابعة.
لم يكن هذا التجديد في نمط الإدارة والتوجه التنموي في المفرق بعيداً عن رؤية قائد البلاد، الذي خص المحافظة بزيارة عمل، في الرابع والعشرين من شهر نيسان/ أبريل الماضي، والتقى مع فعالياتها واستمع منهم لما يشغلهم، واعطى التوجيهات لمواجهة التحديات والأخذ بالإعتبار خصوصية المحافظة وتلبية احتياجاتها ووضعها على طريق التنمية المستدامة، فمحافظة لمفرق تزخر بالكفآءات من رجال الدولة والمجتمع والمتقاعدين، وفيها جامعة آل البيت الحكومية الواعدة والمؤهلة لتكون العمود الفقري لمسيرة التنمية في المحافظة، والتي تعتبر ثاني أكبر محافظات المملكة من حيث المساحة والأراضي الزراعية او القابلة للإستصلاح، فيها قدر معقول من مخزون المياه الجوفية، والطقس المناسب للنشاط الزراعي وتربية الثروة الحيوانية، ومساحات أخرى للإستثمار والأنشطة الصناعية، ومن ميزات المحافظة زيادة متسارعة، في عدد السكان والوافدين، تحمل إضافة نوعية من القوى العاملة والخبرات، فضلاً أنها تمثل البوابة البرية الأكبر للأردن مع ثلاث دول شقيقة، سوريا والعراق والعربية السعودية، وهو ما يعطيها ميزة في خدمات النقل البري والتصدير والإستيراد.
إن إشكالية التنمية في المفرق ككل محافظات المملكة، لم تكن في محدودية الموارد، بقدر ما هي في إدارة التنمية، فقد دلت تجارب الدول الصاعدة، في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، أن التنمية يمكن أن تتحقق بالإدارة الحكيمة والإستخدام الرشيد لما هو متوفر من الموارد التقليدية، والإستخدام الذكي للموارد المتجدد والقابلة للتطوير، الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، التدوير، الصيانة والتدريب، أدارة الوقت، اقتصاد المعرفة توظيف التكنولوجيا، كلها موارد يمكن توظيفها لمواجهة التحديات التنموية، والتغلب على ظواهر البطالة والفقر وما يترتب عليها، ولا يقل أهمية عن هذا كله، صيانة وتفعيل الأبعاد الإجتماعية والثقافية والنفسية لدى المواطنين والموظف في كل المواقع، استخراج أفضل ما لدى الإنسان وتوظيفه في منظومات العمل والتعامل والتنمية والإنتاج والجودة، وفي مقدمتها ثقافة العيب وغريزة التميز والمنافسة وحرص الأردنيين على كرامتهم، وحبهم لوطنهم وبيئتهم وأمنهم، باختصار توظيف رصيد الأردنيين اللامحدود من المحبة والنخوة، من أجل إدارة فاعلة، بدون ترهل أو فساد، وتنمية شاملة ومستدامة، تحقق المنعة للأردن والرفاهية للأردنيين.
اا