وقع الحرب في .. – سهير جرادات – الأردن

0 430

العالم الآن – تُمارس لعبة (وقع الحرب) في المدارس، إما في حصة الفراغ أو حصة الرياضة ، وتُستخدم ل” تخمين المسافة”، وكنوع من الترفيه في وقت الفراغ ، حيث يرسم الطالب دائرة وتقسم حسب عدد المشاركين إلى مثلثات، لكل شخص مثلث يقف عليه…تبدأ اللعبة بإطلاق أحد اللعيبة كلمة “وقع الحرب بين …وبين …..” ً، وفي أثناء الركض يتم تحديد اسم معين ، ليتوقف عند سماع كلمة” وقف “، ليتم تخمين المسافة بين الطرفين مثلاً بـ(7 خطوات)، وإذا كانت الخطوات التي استغرقت للوصول بين الطرفين أقل مما تم تحديده، يخسر الطرف الأول ويخرج من اللعبة، ليأخذ الطرف الثاني ” الفائز ” مكانه .

كنا إلى وقت قريب نظن أن هذه اللعبة قد اندثرت ، إلا أن الخلاف بين نقابة المعلمين والحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم، وعلى مدار اربعة أسابيع ، أعادها بقوة للواجهة مرة أخرى ، مع انتقالها من المدارس إلى الشوارع في جميع المحافظات ، وتحول اللعيبة من الطلبة إلى المدرسين ، لتتغلب في انتشارها على الألعاب الإلكترونية الحديثة .

يظهر أن شهر أيلول له ارتباط كبير مع الشعب الأردني ، ويُشكل نقطة مفصلية فيه ، ومن شهد ” أحداث ايلول التعليمي ” ، رصد مقدار الحنق الشعبي على الحكومة ، وتمثل ذلك بوقوف الشعب إلى جانب مطالب المعلمين بالحق بغض النظر عن ماهيتهم ، حيث اعربت مختلف أطياف المجتمع الأردني، سواء علمية أو اجماعية أو اقتصادية عن وقوفها وتأييدها للحق والمطالبة به .

إن استثمار هذه الأزمة ، قد آتت أكلها عالميا ، حيث تم تسجيلنا في سجل الدول الديمقراطية الملتزمة بالقوانين وترسيخ مبدأ الرأ ي والرأي الآخر ، فيما استثمرت داخليا في تنفيس حنق الشعب على الوضع العام والتراجع الاقتصادي ، وغياب سيادة القانون و العدالة والمساواة وتفشي الواسطة والمحسوبية بطريقة تغولت على الحقوق ، في وقت ما زلنا ننتظر معرفة، ما الذي يراد من وراء هذا التأزيم والغاية منه ، و الأمور المراد لها أن تمرر ، ونحن لاهون ؟!!!.

ومهما يكن ، فالحكومة لم تدرك أن من أخرج المعلمين عن طورهم ، ومنحهم التصميم لحصولهم على حقوقهم ، هو الشعور بعدم المساواة ، وغياب العدالة والظلم الذي لحق بهم ، حيث إذا ساد الظلم أصبح عدلا، إما المحاباة فتحول الشعور بالظلم إلى حنق يتغلغل في الصدور .

إذا كانت الحكومة تتحدث عن تراجع المنظومة التعليمية ، فإن رئيسها ، أحد أبرز المسؤولين عن هذا التراجع والتردي ، فقد كان على رأس هرم التعليم قبل أن يتولى رئاسة الحكومة ، وإلا : ما قراراته ؟ وما اجراءاته لتطوير التعليم ؟!!، حتى يحق له أن يكون طرفا في المعادلة ، ويحق له توجيه الانتقادات ، التي يجب أن تكون موجهة جلها اليه.

قديما كنا نتغنى بمستوى تعليمنا ، ومنزلة المعلم ومكانته بين أفراد مجتمعنا ، حيث كان للمعلم مكانته الاجتماعية الرفيعة ، ولبيته مكانة كبيرة في الحي ، أو المدينة أو القرية ، إلا أن ما نشهده في أيامنا هذه من تراجع لمكانة المعلم مقصود منه ، زعزعة بنية المجتمع ككل ، فالشعور بالظلم وغياب العدالة أفقدنا قيمنا ، واحترامنا لأنفسنا قبل الآخرين ، فلم يعد هناك أي احترام أو مكانة للكبير عند الصغير .

نعتقد أن من أشار ونصح بإنصاف أفراد قواتنا المسلحة ربما أصاب الهدف ، ولكنه أخطأ باختيار التوقيت ، لأن إنصاف قطاع على حساب قطاع آخر لا يحقق المساواة ، فلدينا ثلاثة قطاعات عاملة ” أمني وعام وخاص ” ، وإنصاف قطاع على آخر بحد ذاته محاباة لطرف على حساب طرف آخر، وترسيخ لمفهوم غياب العدالة ، إلا إذا كان هناك خوف من مقدار وحجم قوة المطالبة التي وصلت إلى درجة “يا قاتل يا مقتول ” ، واستشعار بالتخوف المسبق من انتقال المطالبات إلى صفوف العسكر المتقاعدين ، والمطالبة بمساواتهم بنظرائهم ، حيث ان الشعور بالظلم وعدم العدالة والمساواة ، تُخرج الانسان الرزين عن طوره ، وأخلاقه، ليس بسبب الجوع الذي ينعت ب” الكافر” ، انما الكفر بغياب العدالة .

لنكن منصفين ، هل يستطيع الشخص الذي يشعر بالظلم أن يوصل معنى العدالة للآخرين ؟ وكيف لانسان يشعر بالغبن والقهر والإحباط ، أن يزرع القيم والاعتزاز بالنفس بين بناة المستقبل ؟ وكيف له أن يزرع حب الوطن بين طلبته الذين سيصبحون حماة له ؟ وكيف للمعلم أن يصبح قدوة للطالب إذا ضيع حقه ، أو تنازل عن كرامته التي بعثرت بين “الرابع” والعبدلي ؟.

بعد اعتراف الحكومة بخطئها ، واعتذاررئيسها لنقابة المعلمين ، وتحمل الحكومة لكامل المسؤولية عن إي إساءه إنتقصت من كرامة المعلمين ، وبعد حصول النقابة على حقوقها وتحقيق مطالبها ، وعودته المعلمين الى غرفة الصف مرفوعي الرأس ، بعد حصول المعلم على العلاوة والاعتذار ، علينا أن ننتظر ، وليس طويلا ، لنتعرف الى النتيجة الحقيقية للعبة ” وقع الحرب بين نقابة المعلمين والحكومة ” ، والتي في الظاهر كانت نتيجتها لصالح جهة على حساب جهة أخرى ، حققت من خلالها النقابة العدالة والأنصاف ، وإحقاق الحقوق لأصحابه ، الأمر الذي يحدث انعكاسات إيجابية على أخلاقيات المجتمع، قبل مستواه العلمي، لأن التربية تسبق العملية التعليمية ، الا أن المخفي بأن هناك جهة أخرى – ثالثة -استفادت من هذه الأزمة ، وصولا لغايات وأهداف معروفة لديها ، وما زالت غير واضحة لدينا لغاية هذه اللحظة .

الموضوع ليس معلما ، وانما موضوع وطن .. والقضية ليست تعليمية ، إنما قضية من يعلم أجيالنا على الكرامة وعزة النفس ، والمطالبة بالحقوق وسيادة القانون والعدالة.

كلنا مع الحق والعدالة ..

[email protected]

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد