حدث معي – صالح العجلوني – الأردن
العالم الآن – كانت الساعة تشير إلى (6:50) صباحاً عندما تلقيت اتصلَ صديقي الذي يرافقني للدوام فقد أخبرني أنه سيجتاز الشارع إلى الجهة المقابلة لاختصار الوقت ، وقررت أنا أن أختصر الطريق أيضاً فغيرت اتجاه سيري المعتاد لأكسب بعض الوقت واجتزت الطريق الفرعي إلى نهايتها ورمقت الجانب الأيسر من الطريق السريع بنظرة مستعجلة ودخلت إلى أقصى يسار ذلك الطريق على عجل تاركاً لمن خلفي اجراءات تكييف نفسه مع هذا الدخول المفاجئ وتم ذلك ، وماهي إلا لحظات بعد خروجي من النفق إلا وسيارة شرطة تتبعني وكنت أظنها تتبع غيري ؛ فأنا أضع حزام الأمان إلا أنها تركت كل السيارات وتبعتني وتمت مخالفتي على ذلك العبور السريع للشارع.
تابعت سيري إلى المكان الذي يقف فيه صديقي وقبل أن أصله بأمتار اصطدم إطار السيارة بالرصيف ؛ فانفجر على الفور وبذلك تغيرت سيناريو الرحلة الصباحية لهذا اليوم ، فأوقفت السيارة في منطقة قريبة من الشارع العام وذهبنا إلى حيث الجهة الأخرى وركبنا سيارة صديقي وذهبنا إلى الدوام متأخرين.
وبالرغم من ذلك الإيقاع الدراماتيكي غير المسبوق إلا أنني كنت متأكداً من حصول منحةٍ إثر هذه المحنة.
رجعت من الدوام وكان زميلي على عجل فنزلت إلى حيث سيارتي محاولاً اصلاح تلك الإصابة ولكني لم أجد المفتاح المستخدم لفك وتركيب الإطارات وحاولت على استحياء الاتصال ببعض الأصدقاء وأنا أعلم أن الوقت غير مناسب ولكنها الحاجة ، ولحسن الحظ لم يلبي أي منه اتصالي ..
فوقفت على جنب الطريق لعل أحداً أسأله أو يسألني عن حاجتي إلا أن ذلك المسعى لم يكسبني إلا مزيداً من لهيب شمس الظهيرة الحارقة وفي هذه الأثناء وقفت بجانبي سيارةٌ بيضاء دون أن أشير لها بل كنت مديراً ظهري للجهة التي جاءت منها فإذا بسيدة تفتح نافذت السيارة وتسألني بلغتها عن حاجتي ؛ فشرحت لها ماذا حصل وسألتها عن مفتاح فك وتركيب الإطارات إن كان معها فردت بنعم وحركت سيارتها باتجاهي إلى المنطقة الرملية المجاورة للشارع ونزلت تبحث عن ذلك المفتاح ولم تجده واتصلت بزوجها ليخبرها عن مكان وجوده ولم تجده أيضاً وهنا فتحت برنامح اليوتيوب لتعرف أين توضع معدات المساعدة على الطرق في فئة سيارتها؟ وفعلاً تمكنت من معرفة المكان بالتحديد ، وأعطتني إياه وتمت العملية بنجاح…
وفي هذه الأثناء بدأ المشهد يتغير بعد أن أضيف له سيدة شقراء بكامل جمالها حيث أعطت السماء عينيها زرقةً والقمر أهدى وجنتيها ضياء سيدة بكامل أناقتها ولباقتها وإيمانها ، وأخذت تنهال علينا عروض المساعدة البريئة من السيارات المارة بقربنا فقلت سبحان مغير الأحوال لم يعي المارة أنني لست فاتناً حدّ الغواية ولكنها تحب الخير حتى النهاية… لم يعي المارة أن هذه السيدة علمتني بأن النخوة عابرة للحدود والعناصر وهي ليست مقصورةً على العرب وأن الشهامة ليست حكراً على الرجال دون النساء ، وأن فعل الخير ليس حكراً على المسلمين أو المبشرين أو رجال الدين فقط ..
شكرت لتلك السيدة صنيعها بما اسعفتني به لغتي الانجليزية من عبارات وكانت ترد على عبارات شكري بأن ما قامت به ما هو إلا جزء من واجب الإنسان نحو أخيه الإنسان و أسهبت بالحديث هنا عن جمال فعل الخير وأخذتها دروب الحروف للحديث عن حبيبها وحبيبنا نبي الله عيسى بن مريم عليه وعلى أمه أفضل الصلاة والسلام وقالت لي إن عيسى لم يكن نبياً فحسب بل كان الحياة ، وأنه كان يحب الخير ويسعى لنشره وقالت إنها تعلمت منه أن على الإنسان أن يعبد الله بالإحسان للأخرين ليس فقط بالصلاة واتفقنا معاً على أن الصلاة التي لا تصل إلى السلوك فتغيره وتجمله ما هي إلا حركات يقوم بها الجسد ، وكم تمالكني العجب من حديثها النابع عن إيمانها العميق بأن فعل الخير عبادة وأعجبني أيضاً طريقتها في الحديث عن سيدنا عيسى عليه السلام فقد كانت تغلق عينيها مستلذةً بذكر اسمه مستحضرةً جلاله وعظمته وقالت لي أن القرآن أيضاً يدعو إلى الخير وأنه هناك ذكر لعيسى بن مريم عليه السلام فيه فقلت لها نعم وهناك ذكر لإمه أيضاً ، فقالت لي إن أردت أن تستزيد في معرفة المزيد عن نبي الله عيسى عليه السلام فبإمكانك أن تحمل تطبيقاً لنسخة معينة من الإنجيل ذكرته لي وقامت بتحميله لي على الهاتف وودعتني بكل حرارة فاعل الخير الذي ينكر عظمة ما قدم لينجيك من الإحراج…فغادرت المكان وتركت الفرح خلفها يعبر الحدود…
أيها الساسة ويا دعاة التطرف : خذوا سياستكم وتطرفكم وانصرفوا واتركوا لنا الحياة .