ترمب يفكر في إصدار فيديو لمقتل البغدادي
العالم الآن – تكشفت تفاصيل أكثر عن عملية قتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» بينما لا تزال إدارة ترمب تنتشي بهذا النصر السياسي الكبير، وتتطلع لاستغلاله بشكل أكبر في مواجهة الضغوط من الخصوم السياسيين. وصرح الرئيس ترمب للصحافيين من قاعدة اندروز قبل سفره صباح أمس (الاثنين)، بأنه يفكر في إصدار أجزاء من فيديو الغارة الجوية لقتل البغدادي. ودافع ترمب عن عدم إبلاغ قادة الكونغرس بالعملية متهماً النائب الديمقراطي آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، بأنه أكبر مسرب للمعلومات.
وتقول مصادر بالبنتاغون الأميركي، إن الطائرات المروحية الثمانية قامت بالتحليق على مستويات منخفضة وهي تحمل القوات الخاصة الأميركية إلى المجمع السكني الذي كان يقيم به البغدادي، بينما كان الرئيس ترمب ونائبه مايك بنس ووزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي وبقية المسؤولين يقومون بمتابعة العملية من غرفة العمليات بالبيت الأبيض عبر رابط فيديو، وتابعوا تفجير المبنى ومطاردة البغدادي في المخبأ وعبر الأنفاق وبقية مقاتلي «داعش». وتقول التسريبات، إن الغارة الجوية كانت تتويجاً لسنوات من العمل لجمع المعلومات، و48 ساعة من التخطيط السريع بمجرد توارد معلومات بأن البغدادي، سيكون متواجداً في هذا المجمع السكني في مدينة بريشا بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا. وبمجرد ورود هذه المعلومة للبيت الأبيض يوم الخميس بوجود احتمال كبير أن البغدادي سيكون بهذا المجمع السكني، قدمت الاستخبارات الأميركية والمسؤولون العسكريون خطة صباح السبت أمام مكتب الرئيس ترمب حول الخطوات التي يمكن القيام بها وتقييم مجتمع الاستخبارات لمدى دقة وصحة المعلومات.
المثير أن تلك الدراما الداخلية كانت تجري خلال يوم الجمعة بينما كان الرئيس ترمب يحتفل مع ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر بذكرى زواجهما العاشر، وأمضى صباح أول من أمس في أحد ملاعب الجولف في فيرجينيا مع روب مانفريد لاعب البيسبول الأميركية والسيناتور ليندسي غراهام. وعاد ترمب إلى البيت الأبيض بحلول الساعة الخامسة مساءً، وبدأ متابعة الغارة من غرفة العمليات بالجناح الغربي. وأطلق على العملية اسم «كايلا مولر» التي كانت تعمل في مجال المساعدات الإنسانية وتعرضت للاعتداء والاحتجاز والقتل على يد البغدادي.
ووفقاً للتسلسل الزمني، فبعد دقائق من جلوس الرئيس والقادة العسكرية لمتابعة تطورات الوضع، أقلعت الطائرات الأميركية من قاعدة في غرب العراق. وفي الطريق حينما رأى بعض السكان المحليين طائرات الهليكوبتر تحلق في السماء بدأوا في إطلاق النار عليها ببنادق آلية ثم بدأ الهجوم على المجمع السكني، ووقع انفجار كبير، حيث قال ترمب إن القوات الأميركية قامت بتفجير فتحة كبيرة في أحد حوائط المبنى؛ لأنهم كانوا يخشون أن يكون مدخل المجمع السكني مفخخاً. في حين هرب البغدادي وأطفاله إلى شبكة من الأنفاق تحت الأرض مرتدياً سترة ناسفة.
ووصف ترمب ملاحقة القوات الأميركية للبغدادي، بأنه حينما لاحقت القوات الأميركية، والكلاب البوليسية البغدادي أخذ يبكي ويصرخ وينتحب كالكلب الجبان، وحينما وصل إلى نهاية النفق المسدود وطاردته الكلاب البوليسية، قام بتفجير سترته الناسفة ليلقى حتفه هو وأبناؤه الثلاثة. ومع تفجير السترة تحولت جثة البغدادي إلى أشلاء، كما انهارت أجزاء من النفق. وكان على القوات الأميركية إزالة الأنقاض للوصول إلى أشلائه، وإجراء اختبارات الحمض النووي للتأكد من هويته. وتقول مصادر أميركية، إن الجنود الذين لاحقوا البغدادي كانوا يعتقدون أن الرجل الذي هرب إلى الأنفاق هو البغدادي، لكن هذا لم يكن كافياً، خصوصاً مع روايات سابقة خرجت حول مقتل البغدادي؛ ولذا أجرى الفنيون اختباراً للحمض النووي، في نفس موقع مقتل البغدادي، وفي غضون 15 دقيقة تأكدوا من النتيجة الإيجابية، وأنه بالفعل أبو بكر البغدادي أكثر الرجال طلباً للعدالة في العالم.
وبعد مقتل عدد من أنصار البغدادي الذين كانوا معه بالمجمع السكني واستسلام البعض الآخر، ومقتل اثنين من زوجات البغدادي، وخروج 11 طفلاً، أمضت القوات الأميركية ساعتين تقريباً في تفتيش المكان والحصول على الأوراق والأجهزة والمواد التي تحوي معلومات حساسة عن «داعش» وهياكله التنظيمية وخططه المستقبلية. وبعد خروج القوات الأميركية من المكان أطلقت المقاتلات الأميركية ستة صواريخ على المنول أدى إلى تسويته بالأرض.
وتقول مصادر بالبيت الأبيض، إن الرئيس ترمب كان متحمساً جداً بنجاح العملية ولم يستطع منع نفسه من التغريد عبر «تويتر»، بـ«أن شيئاً كبيراً جداً قد حدث للتو».
رجح مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين، أن تتعامل واشنطن مع جثة زعيم «داعش» المقتول أبو بكر البغدادي بالطريقة نفسها التي تعاملت بها مع جثة زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن. وقال أوبراين، رداً على سؤال لقناة «إن بي سي» بشأن مصير جثة البغدادي «إنه سيتم التخلص من جثة الإرهابي رقم واحد، بطريقة مناسبة».
وبينما لم يفصح أوبراين عما إذا كان البغدادي سيدفن في البر أو البحر، أعلن أن نتائج الحمض النووي أثبتت أنه قتل، مشيراً إلى أنه لا يمكنه الإفصاح عما شاهده داخل غرفة العمليات، لكنه أكد أن عناصر القوات الخاصة الأميركية رأت البغدادي وتأكدت من هويته. وكانت واشنطن قد أعلنت في مايو (أيار) 2011، أنها ألقت جثة بن لادن في البحر، بعدما قتلته في عملية نوعية داخل باكستان، موضحة أن رمي جثة المقتول في البحر كان الخيار الأمثل بالنسبة لها؛ نظراً لضيق الوقت.
وأشارت التسريبات إلى أن المعلومات الاستخباراتية التي حددت مكان البغدادي جاءت بشكل أساسي من المخابرات العراقية، حيث حصلت على معلومات من أحد كبار مساعدي البغدادي وهو إسماعيل العيثاوي، بعد اعتقاله من قبل السلطات التركية العام الماضي وتسليمه للعراقيين. واعترف العيثاوي للمخابرات العراقية، بأن البغدادي يعقد اجتماعاته مع قادة «داعش» على متن حافلة خضراوات لتجنب اكتشاف مكانه. وأشار أحد مسؤولي الأمن العراقي، إلى أن العيثاوي أعطى معلومات قيّمة ساعدت الفرق الأمنية العراقية على استكمال المعلومات حول تحركات البغدادي والأماكن التي كان يختبئ بها. وقال المسؤول الأمن العراقي في تصريحات لوكالة «رويترز»، إن العيثاوي أعطى تفاصيل عن خمسة رجال كانوا يلتقون مع البغدادي في داخل سوريا، وأعطى معلومات عن المواقع المختلفة التي يلتقون فيها.
ويعد العيثاوي، الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم الإسلامية، من أحد كبار مساعدي البغدادي الخمسة، وانضم إلى تنظيم «القاعدة» في عام 2006، واعتقلته القوات الأميركية في عام 2008، وسجن لمدة أربع سنوات ثم أطلق سراحه. وقد كلف البغدادي مساعده العيثاوي باختيار قادة «داعش» وتقديم التعليمات الدينية، وكان مصدر معلومات كثيرة قادت المسؤولين العراقيين إلى القيام بعمليات مشتركة مع المخابرات الأميركية والتركية للقبض على بعض من كبار قادة «داعش»، منهم أربعة عراقيين وسوري. وأضاف المسؤول العراقي لوكالة «رويترز»، أنه منذ منتصف عام 2019 تمكنت المخابرات العراقية من تحديد موقع إدلب كمكان يقيم به البغدادي وينتقل منه من قرية إلى أخرى مع أسرته وثلاثة من أقرب مساعديه.
بينما تشير معلومات استخباراتية أخرى، إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) حصلت على معلومات حينما تم القبض على إحدى زوجات البغدادي، وتم استجوابها، وبعدها وضعت الوكالة خططها للقبض على البغدادي بالتنسيق مع المخابرات العراقية والأكراد، الذين ساعدوا في تضييق موقع البغدادي بدقة ووضع جواسيس بشكل استراتيجي لمراقبة تحركاته في الأشهر الأخيرة التي سبقت الغارة الأميركية.
وكان البغدادي من أبرز الإرهابيين المطلوبين، ووضعت الولايات المتحدة مكافأة 25 مليون دولار على رأسه في عام 2016، لكن مع اقتراب الاستخبارات الأميركية من خطة هجوم محددة، جاء قرار ترمب المفاجئ في وقت سابق من هذا الشهر بسحب القوات الأميركية من شمال سوريا؛ مما سمح للقوات التركية بمهاجمة الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة.
وامتدح ترمب المسؤولين الأكراد لاستمرارهم في تقديم معلومات مخابراتية لـ«سي آي إيه» حتى بعد إعلان ترمب تراجع الولايات المتحدة، وهو ما لم يعق الأكراد السوريين والعراقيين في النهاية عن توفير معلومات استخباراتية أكبر عن الغارة. ورغم التصريحات الأميركية والتقارير الإعلامية التي تؤكد أن العملية استهدفت المطلوب «رقم 1 عالمياً»، فقد بينت الكثير من المواقع الإخبارية، أن تصفية البغدادي كانت جزءاً من عملية أكبر. وقالت إن العملية التي نفذتها قوات أميركية استهدفت أيضاً تنظيم «حراس الدين»، حيث أفادت بمقتل أحد أبرز مسؤولي الفصيل التابع لتنظيم «القاعدة» المدعو «أبو محمد الحلبي» والملقب بـ«أبو البراء» مع زوجته وأطفاله الخمسة في الغارة على جبال قرية باريشا قرب الحدود السورية – التركية بريف إدلب الشمالي.
وبينت أن البغدادي كان يختبئ عند أبو محمد الحلبي، الذي كان يسعى دائماً لحل الخلافات بين «النصرة» و«داعش»، علماً بأن وكالة «رويترز» قالت إن زعيم التنظيم وصل إلى مكان العملية قبل 48 ساعة من الغارة. وأشارت هذه المواقع إلى أن آخر غارة في سوريا، والتي سبقت استهداف البغدادي، نفذت في 30 يونيو (حزيران) 2019، حين قصف التحالف الدولي اجتماعاً لقياديين في تنظيم «حراس الدين». وقال التحالف في بيان إثرها، إنه استهدف منشأة في منطقة ريف المهندسين الأول جنوب غربي حلب؛ ما أسفر عن مقتل وإصابة قياديين في تنظيم «حراس الدين»، إلا أن هذا الأخير قال إن المقر المستهدف هو المعهد الشرعي التابع له، موضحاً أن 3 قياديين في الفصيل قتلوا، ومن بين الذين قتلوا، «قاضي الحدود والتعزيرات» أبو عمر التونسي، والقيادي أبي ذر المصري، والقيادي أبي يحيى الجزائري. جدير بالذكر، أن الخارجية الأميركية أعلنت في سبتمبر (أيلول) 2019 عن تخصيص مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لكل من يساعد في القبض على ثلاثة من قياديي جماعة «حراس الدين» في إدلب، بعد يوم من فرض العقوبات على التنظيم وتصنيفه في قوائم الإرهاب.
” الشرق الاوسط