تهديدات بالقتل ومتطوعون زائفون.. محتجو العراق يواجهون حربا نفسية
العالم الآن – قال ناشطون وأطباء يشاركون في التظاهرات المطالبة بـ”إسقاط لنظام” في العراق، إنهم يشعرون بأن الخناق يضيق عليهم مع ملاحقتهم وتلقيهم تهديدات بالقتل عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في قلب التظاهرات.
تقول مريم، وهي إحدى الناشطات التي تستخدم اسماً مستعاراً، لوكالة فرانس برس “نحن نعلم أننا جميعنا ملاحقون”.
وتضيف “يقوم متطوعون زائفون بدعوتنا لالتقاط الصور ويجمعون المعلومات ومن ثم يختفون”.
وتجري مراقبة ساحة التحرير المركزية في بغداد، حيث تم تنظيم عمليات الإغاثة والإمدادات على مدى الأسابيع الماضية، من قبل السلطات وقوى أخرى مجهولة الهوية.
وخلال الأيام الثلاثة الماضية، يؤكد مسؤول أمني لفرانس برس إنه “جرت سلسلة من عمليات القبض على الناشطين من قبل الشرطة السرية في التحرير”.
ويقول إن الهدف هو “تخويفهم وتشجيع الآخرين على العودة إلى ديارهم”.
“أفضل لك أن تتوقف”
يذكر محمد، وهو طبيب يستخدم اسماً مستعاراً كذلك، قائمة طويلة بأسماء أصدقائه الذين تعرضوا إلى تهديدات عبر فيسبوك.
وتلقى محمد أيضاً تهديدات صريحة من رجال يرتدون ملابس مدنية حينما التقى بهم على أحد الجسور خلال معالجة الجرحى، وقالوا له بشكل صريح “من الأفضل لك أن تتوقف”.
كما يشير إلى محاولة البعض افتعال مشادات مع القوات الأمنية “كأن يقوم أحدهم بضرب عسكري ومحاولة إثارة العنف، لكن المتظاهرين يتنبهون إلى أنه مندس، ويمنعونه”.
تعمل مريم مع فريق الدعم اللوجيستي إلى جانب ناشطين آخرين، وتدير مخزون التبرعات التي تتدفق خصوصاً من المحافظات التي لا تشهد تظاهرات، أو من عراقيين في الخارج.
لكنها اليوم تعتبر نفسها هدفاً لجماعات موالية لإيران، خصوصاً بعد ما كتبته من آراء على شبكات التواصل الاجتماعي.
وتذكر مريم أن مصادر، رفضت الكشف عنها، أكدت لها أن اسمها مدرج في قائمة يتحدث عنها ناشطون وصحافيون وحقوقيون، بأنها للأسماء المستهدفة منذ احتجاجات أكتوبر.
ولم تنشر تلك القائمة نهائياً، لكن عمليات التصفية طالت أربعة ناشطين في البصرة والعمارة بجنوب العراق.
واختفى العشرات من الناشطين بينهم الطبيبة والناشطة صبا المهداوي، إضافة إلى أربعة ممرضين كانوا يقدمون الإسعافات للمحتجين، من قبل جهات مجهولة في بغداد.
أما بالنسبة لأولئك الذين اختفوا لمدة 24 ساعة أو ما يصل إلى أسبوعين قبل الإفراج عنهم، تركوا في أحد الشوارع فجراً، فهم صامتون بشأن هوية خاطفيهم.
والسؤال هو، هل تم اعتقالهم من قبل القوات الحكومية؟ تنفي عائلاتهم ذلك، خصوصاً أنه لم يكن هناك أي أوامر قضائية بالاعتقال.
وتتهم منظمة العفو الدولية بعض فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران بالوقوف وراء عملية خطف واحدة على الأقل.
وتؤيد فصائل الحشد الحكومة بشكل علني، وانتقدت الاحتجاجات باعتبارها “مؤامرة” من قبل قوى خارجية.
“لم يفكروا في ذلك”
بدورها، تقول الناشطة هالة إن بعض الرجال يحاولون عمداً ترويع الاخرين لحملهم على مغادرة الساحة.
وتشير إلى أنه “يقوم شخص مجهول عند منتصف الليل، وعندما يكون كل شيء هادئاً، بالصراخ في التحرير بأن هناك هجوماً وعليهم إخلاء الساحة على الفور، ما يدفعهم إلى حالة من الذعر”.
وأولئك الذين يحتلون الساحة، يسألون أي شخص يصور عن اعتماده الإعلامي، خشية أن يكونوا “عملاء سريين للحكومة”.
تساهم التهديدات والاعتقالات في بث “مناخ من الخوف” يشبه إلى حد بعيد مرحلة حكم صدام حسين، عندما كانت القوات الأمنية تخفي المنشقين أو تعدمهم.
ولم يعد الناشطون والمسعفون يتجهون إلى التحرير وحدهم أو على الطرقات المهجورة أو في الليل. وحتى أن مريم تتجنب سيارات الإسعاف التي كانت تستخدم في العام 2011 بعمليات اختطاف.
يكاد يكون مستحيلاً الحصول على إحصائيات حول عمليات الاعتقال في العراق، وفي حين تم إطلاق سراح معظم الذين اعتقلتهم القوات الحكومية، لا يزال آخرون في عداد المفقودين.
تقول مريم إن هناك رسائل من بعض المقربين من الحكومة، يقولون إن واحداً في المئة من المتظاهرين “مندسون”.
وتضيف أن تلك الرسائل غير المباشرة تشكل تهديداً “نعرف أنهم يتحدثون عنا. نعرف أن هذه التهديدات موجهة إلينا”.
لكن الجيل الذي يحتل الشوارع لن يخاف بسهولة. فقد نشأ وهو يرى الجثث في الشوارع أثناء العنف الطائفي في العراق، ثم عاين رعب تنظيم الدولة الإسلامية.
وتعتبر مريم أن “هؤلاء الذين يضايقوننا مدربون تدريباً جيداً، لكنهم لم يفكروا في ذلك أن جيلنا بالفعل قد شهد الأسوأ. حربهم النفسية لن تؤثر فينا”.
” الحرة”