مزارعو فرنسا في الشوارع… والحكومة متخوفة من «خميس أسود»

0 231

العالم الآن – هذه المرة لم يكونوا من «السترات الصفراء» الذين اعتادوا ملء جادة الشانزليزيه، كل سبت، منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول)، من العام الماضي. وما زالت صور المعارك المتنقلة بين كر وفر بينهم وبين قوى الأمن ماثلة في الأذهان. يوم أمس، كان المتظاهرون الذين توافدوا إلى باريس من جميع المناطق الفرنسية، من نوع آخر ولمطالب أخرى. جاءوا على متن جراراتهم الزراعية، في مشهد غير مألوف.
أغلقوا الطريق الدائرية التي تحيط بالعاصمة بمئات الجرارات الزراعية، وقسم منهم «صعد» إلى الجادة الشهيرة، وفي وسطها وقبالة مقهى «لو فوكيتس» الذي طالته النيران في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقطعوا الطريق بأن أفرغوا أطناناً من التبن وعلف الحيوانات، وحملوا راياتهم، في مسيرة مرتجلة، مطالبين الدولة بالالتفات لأوضاعهم الاقتصادية، وللصعوبات المعيشية التي يعانون منها بسبب ضعف عائداتهم، وبسبب «جشع» الوسطاء والمخازن الكبرى التي تفرض عليهم أسعاراً زهيدة مقارنة بهوامش الربح التي يحققونها.
كذلك، ندّد المتظاهرون بـ«المنافسة غير العادلة» التي يتعرضون لها من المنتجات الأجنبية التي تنزل إلى الأسواق الفرنسية، والتي لا تحترم المعايير نفسها المفروضة عليهم، ومنها منعهم من استخدام العديد من الأدوية الزراعية التي تُعتَبَر «معادية للبيئة» أو غير ملائمة للزراعة المستدامة.
وطالب المتظاهرون بلقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، إلا أن القوى الأمنية أقفلت جميع الطرق المفضية إلى قصر الإليزيه، كما أنها عمدت سريعاً، بجرافاتها، إلى إعادة فتح الجادة أمام السيارات، ودفعت المتظاهرين إلى الشوارع الجانبية. وحتى عصر أمس، كانت جادة الشانزليزيه تعجّ بالقوى الأمنية وسط اندهاش آلاف السياح الذين يتدفقون على العاصمة في هذه الفترة من العام. وهدد المزارعون بالبقاء في باريس إذا لم يتم استقبالهم في قصر الإليزيه.
لم تكن باريس وحدها مسرحاً للتظاهر، بل إن غالبية المدن الكبرى عاشت الحركة الاحتجاجية التي دعت إليها نقابات المزارعين للضغط على الحكومة عشية انطلاق المفاوضات التجارية مع ممثلي المخازن الكبرى. ولم يتردد وزير الزارعة، ديديه غيوم، في الإعراب، في إطار مقابلة إذاعية مع «أوروبا رقم واحد»، صباح أمس، عن «دعمه» للمظاهرة، وعن «تفهمه» لغضب المزارعين. وما عاشته باريس عرفته مدن مثل ليون (ثاني مدن فرنسا)، وتولوز (جنوب)، وأخرى في غرب البلاد.
يأتي التعبير عن غضب المزارعين قبل أسبوع من الإضراب العام المفتوح، والمظاهرات التي من المتوقع أن تعم فرنسا، الخميس. وثمة إجماع حكومي وشعبي على أنه سيكون يوم «خميس أسود» بسبب الشلل الذي سيصيب قطاع المواصلات والدوائر الحكومية والمدرس والجامعات وبعض نقابات الشرطة والمحامين والطيران والمستشفيات.
ونقطة الانطلاق تتمثل في رفض مساعي الحكومة من أجل إصلاح قانون التقاعد الذي يؤكد ماكرون على عزمه السير به، رغم الحركات الاحتجاجية. وثمة من يحذر من أن فرنسا قد تعيش ما عرفته في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1995، حيث نتج عن إضراب دام ثلاثة أسابيع احتجاجاً على مساعي حكومة ألان جوبيه، رئيس الوزراء وقتها، إصابة النشاطات الاقتصادية بالشلل شبه التام، الأمر الذي أفضى إلى استقالة الحكومة اليمينة وخسارتها الانتخابات المبكرة التي دعت إليها.
والتخوف الأكبر عنوانه شلل قطاع النقل، ما سيمنع ملايين الموظفين في القطاع الخاص وغير المضربين من الوصول إلى أماكن عملهم، والتسبب بازدحامات خانقة. وهدد أمين عام إحدى نقابات النقل، واسمه لوران جيبالي، من السير بالإضراب حتى أعياد نهاية السنة.
وأشار إلى أن العمل في مترو الأنفاق سيتوقف تماماً، وكذلك قطارات الضواحي والقطارات السريعة، وكل حركة السكك الحديد في جميع المناطق الفرنسية. ويتخوف موظفو قطاع النقل من خسارة امتيازاتهم في حال أقدمت الحكومة على تغيير قانون التقاعد. كذلك سيصاب قطاع النقل الجوي بسبب قرار العاملين في شركة «إير فرانس» المشاركة في الإضراب.
وما يرفضه العاملون في قطاع النقل يرفضه أيضاً المحامون الخائفون على نظامهم التقاعدي. وللتذكير، فإن 20 ألف محامٍ نزلوا إلى الشوارع في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي في بادرة تحذيرية. ومن المتوقّع أن يلتحق بهم القضاة والموظفون الإداريون.
يوم الخميس المقبل، سيشاهد الباريسيون أفراد الشرطة في الشارع بالآلاف، قياساً على ما قاموا به يوم 2 أكتوبر الماضي، حيث نزل منهم 27 ألف عنصر احتجاجاً على أوضاعهم المهنية، ورفضاً للمس بامتيازاتهم. ويُنتظر أن تقفل مراكز الشرطة، وأن يمتنع أفرادها عن تحرير محاضر مخالفات بحق السائقين… وهذا غيض من فيض؛ إذ يتعين إضافة المعلمين والطلاب والتلامذة والممرضين والعاملين في القطاع الصحي.
وإذا كان رفض مشاريع إصلاح قانون التقاعد هو الخيط الجامع بين غالبية المتظاهرين، فإن التعبئة المنتظرة تعكس رفضاً للسياسات التي تتبعها الحكومة. وكشف أكثر من مصدر أن ما لا تريد الدولة حصوله هو استنساخ حركة «السترات الصفراء» التي كادت تطيح بالحكومة، وربما بالرئاسة، والتي خرج منها ماكرون وحكومته ضعيفين. ولذا، فإن الحكومة تسعى لتفكيك الألغام، ودرء المخاطر المقبلة، من خلال التركيز على رغبتها في الحوار، ولكن مع التأكيد على عزمها السير بإصلاح القانون المذكور.
من الواضح اليوم أن أياماً عصيبة تنتظر الرئاسة والحكومة، وأن الشلل المتوقّع حدوثه سينعكس سلباً عليهما بالدرجة الأولى. الرئيس ماكرون، في القسم الثاني من رئاسته يريد مواصلة السير في رؤيته الإصلاحية، لكن هل هو قادر على دفع الثمن؟ هذا هو السؤال الذي ستجيب عنه الأيام المقبلة.
” الشرق الاوسط”

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد