في وداع الحاضرين – أيمن الدولات – الأردن
العالم الآن – في وداع الحاضرين
الفصل الأول: غرباء
وأخيرًا ؛ بعد خمسة أشهر من التهرب والمماطلة ، قررت جازمةً بحزم الواثقين أن ما يزيد على خمسة عشر عامًا من العِشرةِ تستحق منها لقاءًا أخيرًا، لقاءًا وداعيًا ناشفًا لا حياة فيه، خالٍ من العناق ، ومن القبلات ومن المشاعر، لقاء فض شراكة تجارية لا أكثر، ولكنه يبقى أفضل من لا شيء، فأرسلت له أنها قادمةٌ غدًا صباحًا
ولكي تضيف قليلًا من الأكشن الكاذب الذي مارسته عمرًا بحاله حتى أدمنته عادت وأرسلت أنها سوف تأتي ظهرًا ، وربما بعد الظهر ، ليست تدري بالضبط ولكنها سوف تأتيي غدًا، هكذا ختمت رسالتها الأخيرة له
وقد كان يكفيه منها أن تأتي ، فلم يعد يريد شيئَا منها سوى الحضور ، لا يريد اعتذارًا ولا قصيدة حب ولا عبارات شوق ، هو فقط يريد أن يرى بعض الامتنان في عينيها ، وربما بعض الوفاء ، بعض التذكر ، شيء من اللاجحود
………
……..
…………
…………
بعد الظهيرة بقليل رآها قادمة من نافذة غرفته تتراقص في مشيتها كما الغانيات ، ورغم التجاعيد التي غطت ملامحها والهرم البادي على كل تفاصيلها، فهو لا يزال يراها أميرته الأولى والأخيرة ويراها أجمل من كل الفراشات الربيعية المتناثرة حوله هنا وهناك، والأهم أنه لا يزال يغار
…….
جلست بعيدًا عنه تكمل حوارها الهاتفي الذي بدأته أثناء صعودها نحو غرفته، وأحس أنه عِبءٌ مُهمل وكَمٌّ تافهٌ لا يساوي شيئًا: نعم ، أنا مشتاقة لكم كثيرًا ، هههههه ، لا هذا الخط كان لأم فلان قبل أن أشتريه ، سأحضر بعد غد ، ههههههههه … ولم يعد وعيه يفقه شيئًا من حوارها ، حتى نبهه صوتها بعد دقائق
……
…………
…………
اقترب منها مجددًا وحاول أن يقبلها ، لتنتزع شفتيها من على وجهه بغضب:
-يكفي يا هذا ، لمَ لا تريد أن تفهم ؟! كل ما كان انتهى ، وصار جثة هامدةً ، لا حياة فيها ، ولا غناء
وحينئذٍ فقط ، التفت اليها غاضبًا ، متسائلًا:
-من أنتِ ؟! ماذا حدث ؟! كيف استطعت أن تفعلي بنفسك هذا ؟! أين قلبك ؟! دليني ، لعلي أستطيع أن أفعل كما فعلتِ ، كي نتعادل ، نتساوى ، نرحل عنا سويًا ، إذ لا يجوز أن أرحل وتبقين ، أو ترحلين وأبقى
……
……
…..
……..
……..
لحظات قليلة خارج الوعي ، في تلك الزاوية التي يغدو فيها المرء أسوأ من حيوان كاسر ألف مرة ، تلك الزاوية التي تسيطر فيها الأنا على كل شيء ، فلا يعود يهمنا شيء ، ولا نخاف فيها على شيء ، ولا من شيء ، نصحو بعدها وقد أتلفنا كل كروم العنب التي سقيناها بعبراتنا سنينًا ، وحرقنا بيادر القمح التي أحطناها ……
……
…….
…….
……..
لملمت بقاياها ، وخرجت مسرعة لتقود مركبتها تلوي على باب بيتها ، دخلت ، واغتسلت ، وتعطرت ، ولبست البيجاما الحريرية الناعمة التي كان قد أهداها إياها العام الماضي في عيد مولدها ، وارتمت على سريرها ، وابتسمت بخبث ؛ وضمت انعكاس صورته على هاتفها وقبلتها مخاطبةً طيفه القابع ما بين كتفيها ؛ سوف أعتذر منك لاحقًا ، وربما بعد لاحقًا بقليل ، وسوف تعود لي وقتها ، لأنك لا تستطيع إلا أن تعود ، وكتبت على صفحتها الشخصية على الفيس: …………
#في_وداع_الحاضرين 1
#أيمن_الدولات
#حقوق_الطبع_محفوظة_للمؤلف