مضطرون أن نقبل بكل شيء من أجل علمنا- نادر جابر
العالم الآن – شاب مقدسي ، اسمه عبد ، يعيش في قرية بيت صفافا ، ويقطن مع أسرته المكونة من ستة أفراد ، حيث كان أبوه أستاذا في المدرسة وكان قد تعلم من أبيه حب العلم والاجتهاد والتفوق وحتى أصبح يحب العلم كثيرا ، لدرجة أنه يرى الترفيه و التسلية بالقراءة والدراسة ،فكان منذ نعومة أظافره يحلم أن يكون دكتورا للغة العربية ولهذا كان يدرس ليل نهار ويجد ويجتهد من أجل ذلك وبقي على هذا الحال حتى وصل إلى المرحلة الحاسمة للتحقيق حلمه ، والتي فيها التعب النفسي وهي مرحلة الثانوية العامة ، وفي هذه المرحلة بدأت علامات التعب والشقاء النفسي والجسدي تظهر عليه، لدرجة أنه أصبح لا يستطيع إكمال الدراسة وأصبح يحب النوم ، فضلا عن ضغط الأهل والأقارب هذا يسأله ماذا درست وآخر يسأله لماذا جلست وثالث يعيره بصديقه وآخر بابن جاره ، ويقول لسان حالهم لا إعتبار عندنا لأية ظروف ، فهو النجاح والتفوق مهما كان.
ولأنه شاب طموح ويريد تحقيق حلمه قاوم كل هذا التعب وصبر واجتهد من أجل ذلك ، حتى جاء يوم الحصاد فكان الطالب خائفا رغم أنه درس كثيرا وقدم بشكل جيد ، ومع ذلك لم ينم الليل بطوله مفكرا في مستقبله كيف يكون معدله ، وجاء يوم النتائج، وجهز نفسه لذهاب إلى المدرسة ، فإذا به يلاحظ على هاتفه عشرين مكالمة ، لم يرد عليها ، ورسالة مفادها أين أنت ، فخاف عبد وظن أنه الرسوب ، وذهبا مسرعا إلى المدرسة دون إخبار العائلة ، واكتشف أنه حصل على معدل جيد جدا ، فجعله سعيدا جدا ، لأنه اقترب من الباب الأول أو الخطوة الأولى لتحقيق حلمه ، وحمل الشاب الأوراق الازمة من شهادات وحسن سلوك وغيرها للتسجيل في الجامعة ، وبدأت علامات الفرح تظهر على الشاب ، لأن حلمه بدأ يتحقق إلا أن أرسلت له الجامعة ورقة بالأقساط المطلوبة وكانت باهظة الثمن، وهو يعلم أن والده لا يستطيع دفع ذلك خاصة أن راتبه لم يكن كاملا إنما مجزءا بسبب الظروف القاسية ، وهذا ما دفع عبد للبحث عن عمل ليحصل على المال الذي من خلاله يحقق حلمه ، و بدأ يتجه للأماكن التي تحتاج لعمال ، لكن لسوء حظه أن وقته التعليم يتعارض مع وقت العمل ، وبهذا هبطة العزيمة عنده ، وكأنه بدأ يشعر بأن حلمه بات أمرا مستحيلا ، إلا أنه يوم كان في زيارة صديقه في مكان عمله ، حيث كان صديقه يعمل في سوق خضرة ، فسأله صديقه : ماذا حصل معك بخصوص الجامعة ؟ فبكى عبد وقال له لن أستطيع الالتحاق بها بسبب الثمن الباهظ وأنا أبحث عن عمل ولا أجد ، فقال له صديقه: لماذا لا تعمل معي؟ فإنهم يبحثون عن عاملا يعمل بالخضرة ليلا ، ففرح سعيد ، واستطاع أن يعمل فعلا في سوق الخضرة ليلا ، فكان يحمل صناديق من الخضرة ويقوم بترتيبها في الأماكن المخصصة ، ويتحمل التعب والسهر ، وبقي على هذا الحال لمدة شهرين ، إلى أن استطاع عبد أن يمتلك القسط الأول من الجامعة ، وبالفعل التحق عبد بإحدى الجامعات الفلسطينية بتخصص أدب عربي .
وتابع الشاب عبد تعليمه صباحا وعمله ليلا ، إلى أن تأخر ذات يوم عن العمل ، فسأله المسؤول عنه بالعمل لماذا تأخرت ؟ فرد عليه عبد قائلا : أنني أتعلم بالجامعة وعند عودتي من الجامعة إلى العمل كان الطريق مزدحما ، فتأخرت، لسوء حظ عبد أن مسؤوله غير متعلم ولا يعرف سوى كيفية التحكم بالناس فغضب منه وبدأ بشتمه والاستهزاء به والشكوى منه ، رغم قيام عبد بعمله على أكمل وجه ، ويتابع الشاب قائلا : ((رغم أنني أقوم بعملي بإخلاص من حملي لصناديق الخضار والفواكه وأرتبها في مكانها إلا أن مسؤولي يكرهني لأني أتعلم ، وخاصة عندما يراني أقرأ أثناء الإستراحة)). وبقي عبد على هذا الحال وهو صابر من أجل حلمه إلى أن استطاع أن يتخرج بدرجة امتياز بالغة العربية من الجامعة ، وتوظف في تدريس اللغة العربية .
فقصة عبد هي معظم شباب بيت المقدس الذين يصبرون على الذل والمهانة وتحكم أناس جهلة بهم من أجل هدف واحد وهو التعليم .