النصائح العشرون لعام ٢٠٢٠ – د. عصمت حوسو – الأردن
العالم الآن – ونحن نشتمّ رائحة نهايات العام المختلطة بعبق البدايات، نتضرّع إلى الله لعام جديد معطّر بالسلام، الشخصي والوطني والعربي على حدّ سواء، فلا نملك سوى (الأمل) بانقضاء كل ما كان سيئًا من “أشخاص” وأشياء وأحداث ومواقف، وأنّ ما هو قادم سيكون أجمل بإذن الله..
ولكي نستفيد من عثرات هذا العام وآلامه، وخبراته السيئة مهما كثُرَت أو صَعُبَت، لا بدّ لنا الآن أن نقوم بمراجعة ذاتية وتقييم لكل ما سبق، حتى نبدأ العام الجديد بتفاؤل ودروس وحكم جديدة، نتعلّم منها مهما كانت قاسية، وننقلها لغيرنا بضميرٍ مُتخم بالصدق والأمانة، كيف لا وراحة الضمير ونظافة السريرة هي خير الأرزاق..
إليكم أعزّائي القرّاء عشرون نصيحة لعلّها تساعدكم لإنهاء هذا العام بسلام، بحلوه ومرّه، وبدء عام “عشرين عشرين” بأمل كبير يفوق ما مرّ بكم من ألم. إليكم:
١- أكثروا من مخالطة العلماء، ففيها فائدة عظيمة وإن كانت مدّة الجلوس معهم قليلة، واختاروا رفقة العقول الكبيرة التي تناقش الأفكار، لا الصغيرة التي تعتاش على إيذاء الناس وتقتات على حشر أنوفها في خصوصياتهم، ولا الأفواه الناطقة بأحكام مسبقة ومطلقة دون دليل؛ لأن السلوك معدٍ، وما أجمل العدوى من أصحاب الخبرة والحكمة، فإنّ محادثة قصيرة أو حوارًا صغيرًا مع “الحكماء” كثيري الخبرة، يعادل شهر من القراءة..
٢- كونوا دائمًا مثل (المشتري) في سوق المبادىء وإن كانت باهظة الثمن، ولا تكونوا مثل (البائع) أبدًا؛ لأن البائع يعرف (الثمن) تمامًا، في حين لا يعرف المشتري سوى (القيمة)، وإياكم أن تحوّلوا المبادئ إلى ذات المصالح، فتمسي وجهان لعملة واحدة، كقطعة نقد “رخيصة” تتنقّل بين جيوب الناس جميعًا، الصالح منهم والطالح دون استثناء..
٣- أتقنوا مهارة (الفلترة السلوكية)، فلا تأذوا الآخرين على سوء سلوكهم (الصغير) كحجمهم؛ ولا تأذوا أنفسكم أيضًا بتلوثاتهم البصرية والسمعية والكلامية والسلوكية؛ لأنها ببساطة ليس لها قيمة أمام حضرة الحكمة والوقار، فهي “كرامات” لا يجيدها إلاّ (الكبار) جدًا، فكونوا كبارًا وابتعدوا عن (الأقزام) أخلاقًا لا طولاً..
٤- جميعنا مرّ في حياته أشخاص سيّئون، وجميعنا قد ذاق مُرّ الطعنات والخذلان سواء كانت من الخلف ممن كنا نعتبرهم أصدقاء، أو كانت من مسافة قصيرة جدًا من الأقرباء، غربلوهم سريعًا قبل إضاعة المزيد من الوقت والصحة، فللعمر “قيمة” وبه (حياة) لا متّسع فيها لمزيدٍ من الخيارات الخاطئة أو من الناس الغلط..
٥- احذروا كثير الكلام عن (أناه)؛ لأنه يخفي عيوبًا مستترة لا يعلمها سواه، وخفّفوا من مرض (تضخّم الأنا)، واتركوا العنان لإنجازاتكم وأخلاقكم تتحدث عنكم؛ لأن “التشبيح” والاستعراض والعرط قبيح جدًا لمن يحترم ذاته..
٦- عندما ترى الآخر قد بدأ بمرحلة (الصمت)، هذا يعني أنه لا يريد “العتاب”، وإن طال صمته اعرف تمامًا بأنك لم تعد تعنيه، وأصبحتَ أنت أمامه (اللاّأحد)، وأمسيتَ (اللاّشيء)؛ لأنه بات لا يراك أساسًا ولا يكترث بوجودك أو غيابك. هكذا توضع النهايات دون إرهاق، وهذا ما يليق بِ “اللاّأحد” وأفضل علاج مع “اللاّشيء”، وتذكّروا دومًا أن الفراق “أخلاق”، ولا تنسوا الفضل بينكم في ذات الوقت..
٧- إوصلوا سريعًا إلى مرحلة (الرضا) في الحياة، الرضا عن الذات والرضا بقضاء الله وقدره، فهو ما يوصلكم لمرحلة السلام الداخلي والخارجي على حدّ سواء؛ لأن السلام يحتاج إلى الرضا وليس النجاح فقط، فالأخير -أي النجاح- يقيسه الناس ويرونه، أما الرضا فلا يراه ولا يقيسه غيرك. ارضوا من أنفسكم وعليها، وتقبّلوها على علاّتها حتى يتقبّلكم الآخرين، حينها فقط ستنجحوا وستستمتعون بها أيضًا..
٨- لا تتخذوا من “الأعداء” إلاّ من يستحق البغضاء، وتجاوزوا عن عداء من لا يستحق منكم إلاّ (الاحتقار)، فحتى العداوة لها أصول ومباهاة..
٩- عندما تمرّون في (أزمة) لا تحزنوا على فداحتها ومرارها بقدر ما تفرحوا بمساعدتها إيّاكم لكشف معدن من حولكم، سواء من تربطكم فيهم روابط الدم أو النسب أو الحب أو حتى الصدفة؛ لأنّ (الأزمة) فقط من بمقدورها مساعدتكم على إعادة ترتيب الناس من حولكم، وتحدّد درجة قربهم منكم أو بعدهم عنكم، فمنهم من يستحق الثناء وربما أكثر، وهناك من لا يستحق البقاء فيها أبدًا، أما من تبقّى منهم فباعدوا المسافة معهم، وحافظوا على “مسافة أمان” كافية بينكم لحماية ذواتكم منهم، وللحفاظ على احترامكم لأنفسكم.
وتذكّروا أن الأزمة بتعدّي وبتمرّ، لكن إياكم ثم إياكم السماح لمن خذلوكم أن يمرّوا معها إطلاقًا، خصوصًا من اقتات واعتاش على أزماتكم. إنها (حكمة) قد يكون ثمنها حياة كاملة، وفّروا على أنفسكم ثمن باهظ جدًا..
١٠- لا تستوحشوا طريق (الحقّ) لقلة سالكيه، ولا تستسهلوا طريق (الظلم) لكثرة ساكنيه، فكلا الطريقين في (الباطل) سيان؛ لأن الأول مهجور، والثاني مأهول..
١١- تخلّصوا من (سارقي الطاقة)، وغربلوا الناس السلبيين من الواقع وعلى المواقع، لمنع الضوضاء من تشويش العقل، وحجب الضجيج عن إرهاق النفس، وتنظيف التلوّث الذي أتخم الوجدان. تخلّصوا منهم قبل نهاية العام وقبل فوات الأوان، وأوقفوا سرقة طاقتكم بسرعة، فإن تبدّدت لن تعود بذات الكفاءة. وأدركوا جيدًا أن العلاقات “المسمّمة” لا تُسمن ولا تُغني من جوع..
١٢- تذكّروا أن الحياة مواقف، والإنسان موقف أيضًا، ومن لا يفرح لفرحكم قبل أن يحزن لحزنكم اتركوه وراءكم دون أدنى التفاتة للوراء، وادفنوه كما يدفن القطّ برازه..
١٣- سامحوا أنفسكم على أخطاء ارتكبتوها، فالماضي كالميت لا يعود، ولكن اقطعوا وعد مع أنفسكم بالتعلّم منها وعدم تكرارها. فالذكي من يتعلم من كيسه، والعبقري من يتعلم من كيس غيره، فلا تكتفوا بالذكاء، واطمعوا بالعبقرية، ووفّروا على أنفسكم “عناء” التجربة..
١٤- لا تستثمروا في الناس “الغلط”، وتذكّروا أن المُجرّب لا يُجرّب، والعمر أقصر بكثير من إضاعته في الاستمرار بإعطاء الفرص لمن لا يستحقها. واعلموا أن الاستثمار في الناس الغلط يشبه تمامًا من يروي شجرة صناعية وما زال ينتظر ثمارها، واعلموا أيضًا أن الوقت له قيمة والمعلومة قوة فلا تبخسوهم مع من لا يقدّرهم..
١٥- تخلّوا تمامًا عن فكرة “الانتقام” من أحد، فهو لا يدمّر سوى صاحبه، والانتقام الحقيقي هو (النجاح) فقط، وإنّ السير قُدُمًا نحو الأمام بلا أحد هي أفضل انتقام من أيّ أحد، اتركوه يعود غريبًا كما بدأ وكما كان لكن دون فرصة أخرى إطلاقًا.
واعفوا وسامحوا إن كان بمقدوركم، فالعفو مربوطٌ بالمقدرة، واغفروا الخطأ إن استطعتم من أجل راحة أنفسكم أولاً، لكن احذروا من إعادة الودّ كما كان، اغفروا ولا تنسوا أن تكونوا أكثر حذرًا في المرات القادمة مع ذات الأشخاص وغيرهم..
١٦- لا تنسوا (الحياة) وأنتم مشغولون في “العيشة”؛ لأنّ سنين العمر تُقاس بالحياة فيها لا بعددها. ولا تقضوا حياتكم في جمع المال وكثرة الشكوى من نقصه أو الخوف من عدمه، استمتعوا بما لديكم، فالصّحة وحبّ الناس “رزق” أهم بكثير، وتذكّروا أن رزقكم في السماء وما توعدون.
ولا مناص أمامكم من ضرورة تذكّر الموت دومًا، فهو حقّ، وهو الحقيقة الوحيدة المطلقة في هذه الحياة، رغم مرارها وما تسبّبه من حسرة الفقد، وإن أردتم (الخلود) فاصنعوه بإنجازاتكم، وبما تفعله أيديكم، وما تقترفه نواياكم، وما تتفوّه به ألسنتكم، وما تخطّه أقلامكم، وما تكتبه أصابعكم، فأخلاقكم لها حياة أطول من حيواتكم، وهي (الإرث) الوحيد الذي يعيش مطوّلاً وراءكم لا أملاككم. عدا ذلك فهو زائل، فحافظوا على حاضركم واهتموا بنظافة تاريخكم..
١٧- غذّوا عقولكم في القراءة؛ فالكتاب هو الصديق الوحيد الذي يشعركم أنكم ما زلتم على قيد الحياة، ولا يوجد صديق صادق صدوق صامد ومخلص سوى “الكتاب”، فهو لا يخذل كما يخذل (الطين)، ولا يُرهق كما يُرهق من خُلِق من الطين، صادقوه، فصحبته أبدية وأكثر فائدة، وليس له ضرر ولا ضِرار. والكتاب هو التجارة “الرائجة” الوحيدة وقت كساد العلاقات الباهتة، تلك التي لا لون ولا طعم لها..
١٨- لا تبوحوا بأوجاعكم لأحد؛ فلا يؤلم الجرح إلاّ صاحبه، ركّزوا على الحلول وابتعدوا عن ثقافة الندب والولولة، فلن تجدي نفعًا. وتبنّوا مبدأ “كما تُدين تُدان” فهو الرادع الحقيقي من إيذاء الآخرين، وهو ما يمنحكم (الصبر) على من آذاكم، واليقين لإعادة حقوقكم المهدورة، ويحول بينكم وبين الرغبة في تبديد طاقة الخير لديكم في الانتقام، فكلّ ساقٍ حتمًا سيُسقى بما سقى ولو بعد حين، إليكم بالصبر فهو ترياق جروحكم وآلامكم الوحيد..
١٩- اختاروا سمة (الرحمة) في شريك الحياة نصيحة لوجه الله تعالى؛ فمعه تتحقّق أركان (الحبّ) وأشياء أخرى. ومع شريك الحياة (الرحيم) فقط تسقط مقولة (الزواج مقبرة الحبّ)، وتنسفها بالضربة القاضية (إن) كان اختيار الشريك صحيحًا، وبُني على أسس عميقة لا سطحية. وتذكّروا دومًا أن ما يُبنى على باطل يستمرّ باطلاً ويسقط سريعًا، وتتكشّف “هشاشة” العلاقة عند أول محكّ.
اختار أيها الرجل شريكة رحيمة قبل جمالها، واختاري أيتها المرأة شريك رحيم قبل جيبه ووسامته، حتى تستمتعان بشبابكما معًا وتشيخان معًا بكلّ الحبّ.
فالرحمة هي محراب الحبّ والأمان والاستقرار، وبها ومعها تدوم النعم، وتُبنى البيوت “المتينة” الصامدة للأبد..
٢٠- إنسوا الأسامي التي تكدّر صفوَ ذكرياتكم، واكتبوا في أول صفحة في السنة الجديدة أسامي تستحقّ حبّكم ووقتكم وعطاءكم، ثم ابدأوا بحماس وشغف ودون حسرة أو حزن على ما فات، فلا أحد قد خذلكم يستحقّ أن ترهقوا تفكيركم به، فمن يريدكم (لذاتكم) لن يخذلكم، ولن يفقدكم، ويسعى إليكم دومًا.
ولا تتأسّفوا على من قابلكم (بالغدر) مقابل الوفاء، ولا على من أشعركم بأن طيبتكم كانت غباءً أمام خبثه وثعلبته، ولا تأخذوا معكم إلى السنة الجديدة ذات الأشخاص الذين أرهقوكم بسلوكهم “الصغير”، وسبّبوا لكم إزعاجًا أو أذى نفسي مهما كان حجمه.
ولا تحزنوا على ما كان، وعلى من كان لكم يعني الجميع، ثم اكتشفتم بلحظة غفلة أنكم له لا شيء، ولا تحزنوا على من استأمنتوهم على أنفسكم وقلوبكم وحبّكم وحياتكم، وكنتم (أنتم ) أول من فرّط به، ولا تحزنوا على من استأمنتوهم أسراركم ونقاط ضعفكم وتفنّنوا في إسقاطكم وأيذائكم. لا تحزنوا عليهم أبدًا؛ لأنكم لم تخسروهم بقدر ما كسبتم أنفسكم.
وإياكم ثم إياكم من منح (الثقة) سريعًا لأيّ كان، اختبروها قبل منحها، ولعلّ الوقت والمواقف هي المعيار الأهم لمنحها لمن يستحقها، وتحديد مقدارها بحجم أخلاقه وأفعاله..
ابتسموا وامضوا ولا تحزنوا على أيّ شيء ؛؛ فهناك على هذه الأرض ما زال (ما ومن) يستحق الحياة لأجله ولأجل الحياة نفسها، فهي جميلة رغم ضنك العيش فيها، وجمالها وقرار الاستمتاع بها هو قراركم وحدكم وخياركم أنتم..
أكتفي بهذا القدر رغم أنّ في الجعبة كثيرًا مما ذُكر أعلاه، ولكن بإمكانكم القياس لما لم نقله على منوال ما قلناه هنا. فجميع ما ورد وليس بعضه هي (حكم) حياة كاملة باهظة الثمن، من وحي الخبرة، الشخصية والعملية، ومستوحاة كذلك من تجارب مراجعي ومراجعات مركز الجندر الكرام، لا سيّما الجميلة منها والموجعة أيضًا..
وأختم بنصيحة أخيرة تلخّص كل ما سبق، وربما أهمهم، أقول لكم لا تلوّثوا أرواحكم وأنفسكم وألسنتكم وأيديكم حتى لو أحاطكم التلوّث من كل حدب وصوب، ومهما تعرضتم للخذلان وما يتبعه من صدمات وطعنات، إياكم أن تتلوّثوا، فنقاء القلب وصفاء النيّة هي الهدية من ربّ العالمين، تلك التي تمنحكم راحة البال وتمكّنكم من النوم بهدوءٍ وضمير، فحافظوا عليها نقيّة حتى تستقيم البقيّة..
عامٌ جديدٌ سعيد لنا جميعًا، وفي ظلّ الأمل الذي لم يبقى لنا سواه، سيبقى لنا من هذا الحديث حصّة أخرى وبقية…دمتم….
دة. عصمت حوسو