البيت الأبيض يأمر البنتاغون بتجميد المساعدات لأوكرانيا
العالم الآن – أمرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزارة الدفاع، بتجميد مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 391 مليون دولار، وذلك بعد أقلّ من ساعتين من المكالمة الهاتفية التي طلب فيها الرئيس الأميركي من نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التحقيق في أنشطة منافسه السياسي جو بايدن، حسبما أظهرت رسائل داخلية بالبريد الإلكتروني كُشف عنها أخيراً.
وتُبين مذكّرة البيت الأبيض التي نُزع عنها غطاء السرية، أن المحادثة الهاتفية بين ترمب وزيلينسكي قد بدأت في الساعة التاسعة وثلاث دقائق صباحاً في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الماضي وانتهت بعد نحو 30 دقيقة. وتتضمّن توثيقاً كاملاً للمكالمة التي طلب خلالها ترمب من نظيره الأوكراني التحقيق في نظرية مؤامرة نسبها مساعدوه إلى أجهزة الاستخبارات الروسية.
وعند الساعة الحادية عشرة وأربع دقائق من صباح ذلك اليوم، أي بعد 91 دقيقة من انتهاء المكالمة، بعث مايكل دافي وهو مسؤول الرفيع في “مكتب الإدارة والموازنة” في البيت الأبيض، برسالةٍ عبر البريد الإلكتروني إلى موظفي وزارة الدفاع يطلب فيها من البنتاغون التوقّف عن وضع خططٍ لتوزيع أيّ أموالٍ خاصة بالمساعدات الأمنية لأوكرانيا، حسبما جاء في الوثائق.
ويصف خبراء قانونيّون قرار البيت الأبيض تجميد التمويل بأنه يشكّل انتهاكاً للقانون الأميركي الذي يحظّر على الرئيس “احتجاز” أموالٍ أقرّها الكونغرس، وهي خطوة تصبّ في صميم التهمة الموجّهة إلى الرئيس بـ “إساءة استخدام السلطة” التي عمل مجلس النوّاب بموجبها على عزل ترمب الأربعاء الماضي.
وكان تصويت مجلس النوّاب بالموافقة على تهمتي العزل تتويجاً لتحقيق دام شهوراً بعد إرسال أحد المخبرين شكوى إلى “المفتش العام لأجهزة الاستخبارات الأميركية” بأنه “تلقّى معلوماتٍ من عددٍ من المسؤولين الحكوميّين الأميركيّين” تشير إلى أن ترمب ” استخدم السلطة التي يتمتع بها كرئيس لإغراء بلد أجنبي بالتدخّل في الانتخابات الأميركية للسنة 2020″.
وفيما أطلع مسؤولو الإدارة الأميركية المحقّقين المعنيين بموضوع العزل، على أن الرئيس أمر “مكتب الإدارة والموازنة” بحجب المساعدات عن أوكرانيا في وقت مبكّر أي في 12 يوليو (تموز) الماضي، تظهر الوثائق الجديدة التي كُشف عنها أخيراً أن مسؤولي البيت الأبيض أمروا البنتاغون بتجميد الأموال موقّتاً بعد فترة قصيرة من رفض الرئيس الأوكراني زيلينسكي الموافقة على تقديم “خدمة” كان ترمب قد طلبها منه خلال مكالمة الخامس والعشرين من يوليو.
وكتب مايكل دافي، وهو المدير المشارك لبرامج الأمن القومي في الرسالة التي وجهها عبر البريد الإلكتروني قائلا “بناءً على التوجيهات التي تلقّيتها، وفي ضوء خطة الإدارة لمراجعة المساعدات المقدّمة لأوكرانيا، بما في ذلك ‘مبادرة المساعدة الأمنية لأوكرانيا‘، يُرجى تجميد أيّ التزامات إضافية من وزارة الدفاع فيما يتعّلق بهذه الأموال، في انتظار توجيهات أخرى تتناول هذه العملية”.
ويتولّى دافي، المعيّن سياسياً والذي كان شغل سابقاً منصب رئيس الحزب الجمهوري في ويسكونسن، إدارة ملفّ المساعدات الأوكرانية بعدما تسلّمه من نائبه مارك ساندي، وهو موظف مدني محترف.
وكانت رسالة دافي بالبريد الإلكتروني هذه واحدة من رسائل كثيرة كُشف عنها في 20 ديسمبر (كانون الأول) استجابة لدعوى قضائية قدّمها “مركز النزاهة العامّة” بموجب “قانون حرية الوصول إلى المعلومات”. وهي توضح أنه كان يدرك أن قرار تجميد الأموال المخصّصة لمساعدة أوكرانيا في مواجهة غزو مدعومٍ من روسيا، سيكون مثيراً للجدل، الأمر الذي حمله على مطالبة مراقِبة الحسابات في البنتاغون إيلين ماك كاسكر بجعل المعلومات “محصورة فقط بأولئك الذين يحتاجونها لتنفيذ الأوامر”.
وعلى الرغم من حجب أجزاء كبيرة من معظم رسائل البريد الإلكتروني التي أُفرج عنها، إلا أن المعلومات المتبقّية توضح أيضاً كيف أن توجيهات دافي التي صدرت في 25 يوليو فيما يتعلّق بحزمة المساعدات العسكرية لأوكرانيا التي وافق عليها الكونغرس الأميركي، لم تكن الأولى من نوعها التي تواصل فيها مع ماك كاسكر بشأن حزمة المساعدات هذه.
ففي 19 يونيو (حزيران) الماضي، بعث دافي برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى مراقِبة الحسابات، يستفسر فيها عن موضوع نشرته مجلة “واشنطن إيغزامينر” تسرد فيه بالتفصيل كيف وافق الكونغرس على تقديم 250 مليون دولار من المساعدات الدفاعية لحكومة كييف. وكتب في رسالته تلك “لقد سأل الرئيس عن إصدار الكونغرس هذا التمويل، وقد كُلّفتُ متابعته مع أحدٍ ما للحصول على مزيد من التفاصيل”، وسأل ماك كاسكر عمّا إذا كانت لديها “أي فكرة عن هذا طبيعة هذا التمويل”.
يُشار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طلب خلال مكالمة 25 يوليو من نظيره الأميركي شراء مزيدٍ من صواريخ “جافلن” المضادّة للدبابات التي كانت الولايات المتحدة تزوّد كييف بها لمواجهة الدبّابات الروسية الصنع، فردّ ترمب بطلبٍ غير معتاد قائلاً له “أودّ منك أن تسدي لنا خدمة لأن بلادنا تواجه أموراً عدّة تعرف أوكرانيا الكثير عنها”.
ومن ثمّ طلب ترمب من زيلينسكي “الوصول إلى قعر ” نظرية المؤامرة التي تفترض أن أوكرانيا، وليس روسيا، كانت مسؤولة عن اقتحام خوادم البريد الإلكتروني لـ “اللجنة الوطنية الديموقراطية” خلال الانتخابات الأميركية في العام 2016، والتحقيق في اتّهامات لا أساس لها في أن نائب الرئيس جو بايدن قد أمر الرئيس الأوكراني الذي سبق زيلينسكي مباشرة على الحكم، بفصل مدّعٍ عام رفيع المستوى لحماية إبنه هانتر بايدن.
ولا يوجد دليل يمكن الوثوق فيه يدعم الادّعاء بأن تعليمات بايدن للرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشينكو كانت تنطلق من أي دافع شخصي، أو بأن إطاحة المدّعي العام السابق فيكتور شوكين كانت شرطاً لتقديم ضمانات القروض التي وضعتها حكومة الولايات المتحدة، والمدعومة من حكومة المملكة المتّحدة و”البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي” وعددٍ من حكومات الاتّحاد الأوروبي الأخرى.
وخلُصت سلسلة من التحقيقات، بما فيها ذاك الذي أجراه المستشار الخاصّ روبرت مولر، إلى أن الهجوم السيبراني على خوادم البريد الإلكتروني التابعة لـ “اللجنة الوطنية الديموقراطية” قد شنّه قراصنة روس في إطار جهود “شاملة ومنهجية” لجعل الانتخابات تصبّ في مصلحة دونالد ترمب، وذلك عبر إلحاق الضرر بصورة منافسته هيلاري كلينتون.
إضافةً إلى ذلك، رفض عدد من مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي فكرة أن أوكرانيا تدخّلت في انتخابات العام 2016، بمَن فيهم كبيرة مستشاري ترمب السابقة للشؤون الروسية الدكتورة فيونا هيل، التي وصفت النظرية بأنها “قصّة خيالية نسجتها أجهزة الأمن الروسية نفسها ونشرتها”.
© The Independent