رهبانية خريطون “Chariton” الراهب الأول في وادي خريطون شرقي بيت لحم منتصف القرن الرابع ميلادي- بقلم مراد الزير

0 1٬107

العالم الآن – يعود الفضل في تسمية وادي خريطون الذي يقع بين بلدة تقوع وجبل هيرودوس شرقي بيت لحم، للراهب خريطون “تشاريتون Chariton” الذي سكن فيها مؤسّساً نظاماً مجتمعياً رهبانيّاً يسمى “Souka”، حيث جاء خريطون إلى فلسطين من بلدة قونية “Konya” وسط الأناضول في آسيا الصغرى، بعدما أصبحت فلسطين تجتذب المسيحيين ذوي التفكير الزاهد من جميع أنحاء شرق البحر المتوسط، وكان ذلك في عام 320م، حيث استغل خريطون إمكانات يهودا الصحراوية في الضفة الغربية، وقام بتأسيس تجمعات رهبانية، من بينها “Souka” التي تأسست في منتصف القرن الرابع ميلادي، واختلف المؤرخون حول أصل الكلمة السريانية “Souka” فمنهم من رجحها لمنطقة “Cassian” السورية كوطنه الأم، أو لـنص الوحي في “Scholia” من الأدب التنبؤي “Apocalypsin”، أو أنها مشتقة من كلمة “سوق” باللغة العربية أو من “tusq، منحدر بالعبرية” لوقوعها في منحدرٍ حاد، وفي تلك المنطقة طوّر خريطون شكلاً مميزاً للرهبانية.
تتصف رهبانية خريطون في “Souka” بتنظيمها الجماعي، حيث سكن كل راهب بغرفةٍ فردية، وكان الرهبان يمارسون أعمال الصلاة والحِرف الخاصة في خمس أيام من الأسبوع، بينما كانت طقوسهم جماعية في أيام السبت والأحد وأيام العيد، وركزوا على التأمل الفردي والصلاة والعمل، مختلفين في رهبنتهم عن “كونبيوم- Coenobium” الذين كانوا يعيشون حياة مشتركة تعاونية، وكل فرد يقوم بعملٍ محدد إضافةً إلى نشاطه الأساسي في العبادة والتأمل والصلاة والقراءة، وكان يُعرف نظام الرهبنة عادةً بشكله الفردي، بينما خريطون قام بتنظيم المجتمعات الرهبانية وكان يجذب أتباعه لـ “Souka”؛ كونه لم يستطع العيش لوحده، ومن المتعارف بأن المكان لم يكن له أيّ صلة بنص توراتي أو آثار مقدسة أو بقايا قديسين، وإنما سكن خريطون فيها لبناء تجمع رهباني يدعى “Souka” بعدما قام بتأسيس “فاران-Pharan” في وادي القلط، و”دوكا-Douka ” غرب أريحا، وحينما انتقل هناك لم يلجأ هو ولا الرهبان من بعده ببناء غرفهم الخاصة؛ كونها كانت محفورة بالفعل، وذلك لأن الإنسان الأول قد عاش بها وحفر العديد من الكهوف، وحينما سكن خريطون هناك، كانت المنطقة وعرة جداً، وفي أسفلها مجرى لمياه الأمطار التي تجري في الشتاء، على أن مياهها كانت غزيرة ودائمة في العصر الحجري الوسيط، بينما في الوقت الذي كان خريطون ساكن هناك كانت جدباء بدون مياه، نظراً إلى أن المنطقة شهدت في القرن الرابع رطوبة عالية، وقد عاش خريطون فيها، واعتبرها مكاناً مناسباً للزهد المتواضع، رغم أن العمل فيها متعب وشاق، وكانت طبيعة الحياة فيها تعتمد على الفلاحة، فقد كشفت الحفريات بأن غرف الرهبان كانت تحاكي قرى الفلاحين بدلاً من مباني الارستقراطيين.
وكان الرهبان في “Souka” يعيشون حياة بسيطة، معتمدين على الخبز المُعد من القمح المستورد من الأردن، وعلى ما تنبته البيئة المحيطة من مزروعات والتي يأكلونها ويجففون بعضها، بالإضافة لاعتمادهم على عائدات الحج. ومع الكِبر عاش خريطون صعوبة في الحصول على المياه التي يحتاجها, فصمّم سُلم في زاوية الكهف الذي كان يتدفق منه الماء الصافي بشكلٍ ثابت، وكان تصميمه للسُلم لأنْ لا يكون عبئاً على أحد، وبقي في غرفته حتى مات، وبعد موته شهد المكان تقديساً لفترةٍ من الزمن لوجود الرهبان فيها، بينما حالياً لا يوجد أي تقديس للمكان أو استقطاب للسياح نظراً لخطورة المنطقة، وعليه فقد تبين آنفاً بأن خريطون قد تميّز في “Souka” برهبانيته البسيطة والجماعية.

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد