المؤامرة ونحن ؛؛؛ – د. عصمت حوسو – الأردن
العالم الآن – ما يميّز الأمة العربية في هذا العصر تلك الفكرة الملحّة المسيطرة على عقولنا جميعًا أفرادًا وجماعات، فكرة الشعور (بالظلم والاضطهاد).
صورة هذا (الوهم الاضطهادي) المسكون فينا جميعًا تظهر بالشعور المتزايد بوجود (المؤامرة)؛ فكل فرد فينا باعتقاده أنه مرصود بجميع تحركاته، لدرجة قد تُكال إليه التُهم، أو حتى الأضرار الجسدية في أي لحظة مناسبة. وهنا على وجه الخصوص فإنّ العرب إخوات: في إطار الكلاشيه المعلوك (المؤامرة ونحن) لتبرير التقاعس العربي..
إن أوغلنا النظر قليلاً؛ فإن الشعور بالمؤامرة يحمل في طياته، طيّة طيًة، شعورًا بالتميّز والعظمة والرفعة عن الآخرين، إما بالقدرة أو بالهوية، وفي المنطق البسيط لا يمكن أن تتكاتف عناصر المؤامرة ضدنا، ولا يمكن أن تُبذل جهود المتابعة والظلم لأمة أو لأفراد لا يستحق أي منهم عناء المؤامرة ومشقّة الإيذاء من صنع الأعداء !!!
وهنا نتساءل، هل حقيقةً هذا هو حالنا العظيم الذي يجذب لنا المؤامرة من جميع الأمم الأخرى؟؟!!
في الحقيقة، أن المحور الرئيس الذي يدور حوله دماغ (المضطّهَد) هو شعور النقص وقلة الكفاءة، وتختلف درجات الشدة في تموضع تلك الفكرة في عقول العرب الواهمين !!
وفي جميع الأحوال شعور النقص مؤذٍ ويؤدي إلى اضطراب النفس وسوء انفعالاتها، وحتى تعيد النفس توازنها تقوم بإنكار النقص وقولبته إلى عظمة وتميّز .
هذه الثنائية (التوأم) تشتمل شعور أصيل في كره الآخرين وحسدهم على تميّزهم، وهنا يبدأ عامل الإسقاط الدفاعي النفسي بعكس الآية في عقل المُضطّهَد، فيقول سرًا وعلنًا : “أنا لست أكرههم، هم من يكرهوني، ويحاولون إيذائي وتدميري”..
وتستمر الفكرة في عقل المُصاب بالوهم الاضطهادي حتى تستقرّ وتصبح ثابتة غير قابلة للنقاش والجدال، وهذا هو الوهم بعينه، وهذا هو حالنا (نحن) العرب جميعًا دون استثناء للأسف الشديد..
وهنا نتساءل مرة أخرى؛ هل من المعقول لأمة كاملة بضميرها الجمعي أن تقع ضحية الوهم؟؟؟ وهل يُعقل أيضًا أن نركن جميعًا إلى السلبية و(النكوص) ونكتفي بالخضوع لثقل المؤامرة وعبء الاضطهاد المزعوم ؟؟!! هل كل مصائبنا العربية تُعزى إلى تواطؤ الغرب ضدنا ؟؟!! أم أن سوسه من عوده ؟؟!!
وعليه، فربما انحباس المطر هذا العام، وعجز ميزانية الدولة كلّ عام يعود إلى مؤامرة الجميع وحتى الطبيعة ضدنا !!!!
اعتقد أنه من الإنصاف والموضوعية معًا أن نعترف جميعًا بعامل الصراع الحضاري ومعركة الثقافات التي نحن في خضمّها طيلة الفترة السابقة إلى الآن، وربما هنا يستحضرنا سؤال مشروع هام مفاده؛ كيف يمكن للبيت القوي أن ينهدم من رياح عاتية قاهرة إذا كانت أسسه في الأرض متينة وبناؤه فوقها راسخ ومتماسك؟؟!!
فلا يمكن للاستعمار وقوى الجذب الخارجي أن تمنع عقول الناس من الإدراك المعرفي والإبداع التقني، ولا تستطيع كذلك أن تقف في وجه قيام دولة المؤسسات والتشريعات المدنية، أو حتى تساهم في إحباط الديموقراطية وخنق الحريات وتكميم الأفواه، أضف إلى ذلك لا يمكن لها أن تساهم في الفساد وسوء الإدارة والأعطيات الظالمة والرشاوي، كما لا يمكنها (إطلاقًا) تثبيت العشائرية والجهوية والطائفية والعنصرية وما يُبنى عليها من اختلالات، إلاّ في حالة واحدة فقط، أتدرون ما هي؟؟ إن سمحنا نحن من (الداخل) بذلك، وهيهات …
إذًا فلنعترف جميعًا أن عقل الإنسان العربي هو غير متميّز حاليًا؛ لأنه ببساطة شديدة اعتمد واكتفى أيضًا بتميّزه قبل ألف عام ونيف، وما زال يتغنّى بذلك دون فعل.
لذلك يبني العربي في داخله أنه مضطهد وضحية مؤامرة، وهذا في الحقيقة هو محض افتراء ووسيلة استرخاء وراحة؛ لتبرير مرحلة (اللاّفعل) الحالي للعقول العربية.. وهنا أيضًا يصبح العرب إخوات..
ننوّه هنا في الختام أن الإبقاء على هذا الفهم الخاطىء هو (التواطؤ) بعينه مع الآخرين المتّهمين من قِبَلنا بالتواطؤ، لا لشيء سوى زيادة الهوّة بيننا وبين العالم، ليبقى النقص والانحدار هو محرّكنا لتثبيت الوهم ونظرية المؤامرة، ولتثبيت ثقافة الندب والولولة؛ وهذا ما يميّز العربي حاليًا؛ كيف لا والعرب إخوات..
أختم بشعر نزار قبّاني : ” إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب، ففي أي مقبرة يُدفنون؟؟ ومن سوف يبكي عليهم؟؟ وليس لديهم بناتٌ وليس لديهم بنون، وليس هناك حزنٌ وليس هنالك من يحزنون !!
رأيت العروبة معروضةٌ في مزاد الأثاث القديم، ولكنني.. ما رأيت العرب !! ” …
حتمًا ودومًا في قضايا العرب سيبقى لحديثنا هذا من بقية، وربما بقايا…دمتم….
#دة_عصمت_حوسو
#مركز_الجندر_استشارات_نسوية_اجتماعية