من أبجديات الحياة ؛ (الجزء الثاني) – دعصمت حوسو- الأردن
العالم الآن – عطفًا على مقال الأسبوع الماضي، الذي طرحنا فيه بعضًا من أبجديات الحياة، وتناولنا الخمسة الأولى منها، نكمل اليوم في هذا المقال أبجديات الحياة الخمسة المتبقيّة، إليكم أعزّائي القرّاء..
أبجدية الحياة السادسة هي (الاتزان)، وتعني الحفاظ على الذات من “التلوّث” مهما كان محيطكم ملوّث، ومهما كان الأشخاص من حولكم ملوّثين، أي الحفاظ على خُلُقْ وطبع واحد حتى في أصعب الأوقات وأحلك الظروف وأسوأ المواقف، فالاتزان مطلوب في الأوقات الجيدة والعصيبة على حدّ سواء.
وعندما يحاول الإنسان جاهدًا للحفاظ على ديمومة مشاعر السعادة، فإن ذلك يحول بينه وبين الاستمتاع في اللحظة الراهنة، ويشتّت انتباهه من تحويل المحنة إلى منحة، ويقوده إلى الهرب من المشكلة، وبدلاً من الهروب من المفروض مواجهتها واستخلاص الدروس القيّمة منها، فلا شيء في الحياة يحدث عبثًا.
ولا مناص أمامكم من ضرورة إدراك حقيقة حياتية هامة جدًا مفادها، أن الإمساك بلحظة السعادة وعدم إفلاتها هو أمر غير واقعي، فهذه هي الحياة، فيها مشاعر من السعادة بقدر ما فيها مشاعر المرار في ذات الوقت، ولا شيء يدوم على حاله، فهذا ليس ممكنًا إطلاقًا، ولا يجترّ سوى خيبات الأمل.
آمنوا أن كل التقلّبات عابرة، وأن كل شيء سيمضي في هذه الحياة، الحلو والمرّ على حدّ سواء، والإيمان بذلك يقودنا إلى الحفاظ على سجيّة واحدة، والاستمتاع بصفاء الذهن وراحة القلب ووضوح الهدف كذلك..
أما أبجدية الحياة السابعة فهي (الامتنان)، وتلك من أجمل النعم وأغنى الأرزاق التي تحمينا من (المرض الصامت)، والأخير يوجّهنا نحو التركيز على ما ينقصنا بدلاً من الاستمتاع بما لدينا، وغياب الامتنان يُنسينا ما أنعم الله علينا من نِعم كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى.
الامتنان يعلّمنا الاعتراف بتقدير أول النعم وهي “نعمة الحياة”، حتى لو كانت هذه الحياة مليئة بالألم والمعاناة، ويحمينا كذلك من الشعور بالحسد والغيرة مما يملكه الآخرون، فكل شيء عند الله بمقدار، وما حرمك منه وأعطاه لغيرك قد حرمه شيء آخر موجود لديك، كما أن الله لا يكلّف نفسًا إلاّ وُسعها.
وعليه، لا بدّ من تكريس بضعة دقائق يوميًا للشعور بالامتنان والحمد المتواصل على جميع ما نملك من نِعَمْ التي تزخر بها حياتنا، ولا نشعر بها ولا بأهميتها إلاّ عند فقدانها، وذلك له أثر كبير جدًا على صحة العقل والوجدان، فتصبح الأفكار صحيحة وتكون المشاعر مريحة وبذلك يكون السلوك متحفّزًا ومُنتجًا.
وحينها لن نحتاج إطلاقًا لأدنى جهد لملاحظة معاناة الناس، أولئك الذين لا تسمح لهم ظروفهم بالحلم والأمل في حياة أفضل، فلا يوجد إنسان على هذه الأرض يعيش حياة كاملة دون نقص أو منغّصات، فكلٍ منّا يحمل على ظهره همومه الخاصة التي تكفيه، فلا داعٍ من زيادتها، وبدلاً من ذلك مارسوا الامتنان لتنعموا بالراحة النفسية والصحة العقلية، احمدوا الله حمدًا كثيرًا في السرّاء والضرّاء حتى يبلغ الحمد منتهاه..
وتأتي الآن أبجدية الحياة الثامنة (النزاهة)، وهي قيمة مفقودة في هذا العصر المتوحش للأسف الشديد، ومن المفروض إعادة إحيائها، وما علينا لفعل ذلك سوى تحديد أهم (القيم) من وجهة النظر الشخصية، فلكل منا قيمه الخاصة التي تعمل بمثابة “المصفاية الدماغية” أثناء تعاملنا مع الآخرين، فهي (فلتر) خاص تمنعنا من ممارسة الأخطاء بحق أنفسنا وحق غيرنا.
ولكن احذروا من تلاشي القيم مهما كانت المغريات أو صَعُبت الظروف؛ فإن القيم يمكن أن تتفتّت وتتحلّل بسهولة، وقد لا تلحظون ذلك في البداية، وتذكّروا أن هناك مرة أولى لكل خطأ، وإن حصل وهانت عليكم أنفسكم سيسهل الهوان عليكم، وإن خاطرتم بفقدان النزاهة ولو مرة واحدة فقط، سيمسي فقدانها نهائيًا سهلاً جدًا، ومن النادر لمن فقدوا قيمة النزاهة التمكّن من بداية حياة جديدة بنيّة قوية تعادل قوة التمسّك بها قبل انحلالها.
تمسّكوا في القيم في زمن شحّت فيه كثيرًا، وحافظوا على أنفسكم، وكونوا أكثر حذرًا من فخّ الوقوع بمغريات الحياة ذات المتعة الزائلة..
أما أبجدية الحياة التاسعة فهي (اللّطف)، ويعتبر الجانب الواضح والفاعل من “الرحمة”، ووجوده يمنح الناس الاهتمام والرعاية دون انتظار المقابل أو أي منفعة شخصية أو حتى اعترافهم بذلك.
واعلموا جيدًا أن تصرفات الإنسان الرحيمة المسكونة باللّطف لا تفيد من يتلقوها فقط بل تفيد مانحها أيضًا.
السلوك الرحيم اللطيف معدٍ جدًا، ويمكن تشبيه تداعياته كتموّجات تتوسع على صفحة الماء، وهكذا السلوك يفعل، فإنّ احتمال تحوّل المحيطين بنا إلى إناس طيبين أكثر من المعتاد تعتبر (عدوى اجتماعية) تقود الإنسان والمجتمع إلى الدرب الصحيح نحو الصحة النفسية والمجتمعية، وأجمل ما في ذلك السلوك أنه يعود لنا سريعًا، كيف لا والحياة تدور وفق نظام (الكارما)، فكما تُدين تُدان، بالإضافة إلى الشعور الجميل الذي يمنحنا السعادة التي تتولّد بسبب قدرتنا على إسعاد من حولنا، وتعاملهم معنا بسبب ذلك بلطف ومحبّة..
ونأتي أخيرًا إلى تاج أبجديات الحياة العاشرة وأهمها وهي (الحبّ اللاّمشروط)، والذي بإمكانه أن يغيّر كل شيء ويغيّر كل الناس؛ لأن الحبّ هو الفضيلة التي تحتوي كل الفضائل في طيّاتها، ووجوده ينهيكَ عن الرذائل، كيف لا والله محبّة، فوجود الحبّ يشفي كل الجراح، وهو القوة التي تخفّف عنا كافة الأوجاع والأمراض، لا أدويتنا وأدواتنا وتقنياتنا فحسب؛ لأنه ببساطة يُعتبر الحُضن الذي يضمّ داخله إنسانيتنا، فلا يمكن العيش دون حبّ، والحبّ لا يقتصر على حبّ الحبيب، وإنما حبّ الآخرين والأشياء، وأن يكون التعامل مع الذات ومع الآخر مجبولاً بالحبّ ومسكونًا بالمحبّة..
أبجديات الحياة العشرة، الوارد نصفها هنا في هذا المقال، ونصفها الأول في المقال السابق، ترسم لكم دربًا يصلكم بقلوبكم، ويساعدكم على فتح أبوابها لذواتكم وللآخرين وللعالم أجمع، ويسمح لكم ببدء كل نهار بنيّة سليمة وهدف واضح، ويساعدكم على تركيز أفكاركم على الحلول حين تواجهكم الضغوطات، أو حتى عند الشعور بالضعف في أي لحظة ولأي سبب كان..
تلك الأبجديات هي ببساطة (لغة القلب) و (لغة النوايا)، أقرأوها بعناية، وافهموها جيدًا، وطبقوها، لتسعدوا في حياتكم، وتحققوا أهدافكم، دون التسبّب في وجع القلب لكم ولقلوب غيركم.
وتذكروا دومًا أن الدماغ والقلب يعملون معًا بنظام معقّد، ولا يلغي وجود أحدهما أهمية وجود الآخر في أي حال من الأحوال، وهذا ما يميّز الإنسان رجلاً كان أم امرأة..
دومًا لنا في جميع أبجديات الحياة وتوابعها وتداعياتها حديثٌ آخر وبقية…دمتم…
دة.عصمت حوسو