القرآن بترجمة توراتية! بقلم مراد الزير
العالم الآن – تداولت شبكات التواصل الاجتماعي لإشكاليات في ترجمة القرآن للغة العبرية والتي توحي لوجود أخطاء فادحة، والمثير بالجدل بأن المفردات لها ترجمة باللغة العبرية إلا أنها تُرجمت بمدلولٍ توراتي، على أنني لم أُعاين النسخة المترجمة ولكن وفق اعتراض المختصين، فإنّني سأناقش الإشكالية من منظورٍ علمي.
أن هناك تفسيرات مختلفة للغة حينما يتم ترجمتها؛ كونها تُدرس بطريقة دقيقة وخصوصاً حينما يكون هناك دلالات تفسيرية، فحسب نعوم تشومسكي، فإنّه يُستخدم مثلاً مصطلح “House” للإشارة إلى أشياء ملموسة، لكن من وجهة نظر المصالح والأهداف البشرية الخاصة فإنّ البيت يمكن هدمه وإعادة بنائه، وحينما تتم ترجمة بعض المفاهيم في القرآن بمفهوم توراتي، هذا لا يعني أنها ترجمة كلمة لها مدلول لغوي فحسب، وإنما هناك مصلحة حول ذلك، فالافتراض الضمني للمفهوم، لا يقتصر على ذاته بأنه خطاب عادي، وإنما عبارة عن تقنية لغوية تحمل في طيّاتها مدلولاً مغايراً في المستقبل، لأن المفهوم اتخذ نوعاً خاصاً من الترجمة، وعليه يرى جورج مونان في كتابه “علم اللغة والترجمة” في حالة الانتقال من لغة إلى أخرى يعتبر كلّ شيء عبارة عن تعبيرات اصطلاحية، “idiotismes” وليس انتقالاً مباشراً من كلمة إلى كلمة؛ كون ذلك يتطلب تقسيم الخصائص المتعلقة بكل لغة، أي دراسة تركيب هذه اللغة وكلماتها، ومعرفة العلاقة بين التراكيب والكلمات والحقيقة غير اللغوية والحضارة والثقافة لهذه اللغة، فحينما تتم ترجمة كلمة من القرآن للغة العبرية، فإنّ بعض الكلمات تُفهم بناءً على الحضارة والثقافة للغة العبرية، وهذا يجعل الكلمة لها مدلولاً وليس تعبيراً اصطلاحياً، فالمشكلة في ترجمة القرآن من اللغة الأصلية إلى اللغة العبرية، هي ليست الانتقال من لغة إلى لغة، وإنما الانتقال من حضارة إلى حضارة.
أريد هنا الإشارة إلى نص من الكتاب المقدس تم ترجمته من لغة إلى أخرى وسبّب في صراعٍ ديني، والكلمة المستعملة هي المذكورة في سفر إشعياء (7: 14) والتي ورد اسمها بالكلمة العبرية “ألما” والتي تعني امرأة في سن الزواج، وحينما تم ترجمتها من اللغة العبرية لليونانية أصبح معناها “عذراء” فتمت الترجمة بطابع لاهوتي، وهذا ما يحدث حالياً في ترجمة مفردات القرآن بمفهومٍ آخر، فلو رجعنا للمثال، فإنّ الترجمة قد أحدثت صراعاً أزليّاً بين التوجه الإنجيلي والتوراتي، وهذا بالفعل سيكون له طابعه حينما تتم ترجمة مفردات القرآن بمدلول مغاير ذات صبغة دينية، ويُستبعد بأن ترجمة المفردات من القرآن للعبرية بمدلول توراتي بأنها “صياغة لتوضيح المفهوم”، لأن ذلك يتعارض مع “نيومارك” حينما ابتكر شكلاً للصياغة اللغوية والأسلوبية وهي الترجمة التوصيلية “Communicative” التي تهدف فقط لتوصيل المعنى كاملاً للقارئ، بينما ترجمة القرآن للعبرية لا تقتصر على توصيل المعنى وإنما لخلق معنى آخر، بهدف تضليل النص الديني، وهذا يعكس بأنهم ملكة اللغة “The Faculty of Language” كونهم يمتلكون خاصية مكرسة لاستعمال وتفسير اللغة، وهنا تأتي الإشكالية في ترجمة القرآن للغة العبرية، ومما سبق يتضح بأن عملية ترجمة القرآن للغة العبرية هي محاولة لإضفاء الصبغة التوراتية على النص القرآني، وهذا سيقود إلى سُبلٍ كثيرة تتعارك فيها الأديان حول صراع أزلي لن ينتهي بعد آلاف السنين.