براغماتية كوشنر وتاريخ التجربة الأمريكية في سياستها- بقلم مراد الزير
العالم الآن – بادر جاريد كوشنر برسم بنود صفقة القرن بتوجهٍ براغماتي، والذي عمل على صياغة البنود بطابعٍ مختلف، مستنداً على فكرٍ سياسي مستوحى من التجربة الأمريكية في سياستها الخارجية، فلكلّ بند تم صياغته له واقعه واستراتيجيته في التنفيذ، وعلى إثر هذا سأناقش واقع الصفقة من التجارب الأمريكية الأخرى.
من خلال استعراض كوشنر للبنود، والتي بعضها مخالف للشرعية القانونية الدولية، وبعضها يُلهم بأنها نقطة تحول للاقتصاد الفلسطيني؛ لأن هناك (50) مليار دولار! في الحقيقة هذا الأمر يتطلب توضحيه ومناقشته، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع العالم الثالث بعلاقات لسانية ولها خططها واستراتيجياتها المختلفة، لهذا تسعى لتطبيق الديمقراطية بينما في الحقيقة هو تهديد لكينونة الاقتصاد من خلال المشروعات الرأسمالية الخاصة، كيف ذلك؟ فكوشنر قدّم حلّاً لمشكلة الاقتصاد الفلسطيني من خلال الاستثمار وفرص العمل ولكن ستُنفذ بالتنمية والعمل على زيادة إنتاج المحصول والمنتج المطلوب للتصدير والتي تكون بيد مستثمرين أمريكيين أو تابعة لهم، مع خفض هائل للمحصول المطلوب محلياً وهي فكرة تطوير الاقتصاد في حين لا يجد الشعب مطالبهم من المحصول (تجويعهم)، وهذا إهلاك للمجتمع الفلسطيني، لأن السياسة الأمريكية تستند على استقرار وتأمين المستثمرين الأجانب، في حين أي نجاح اجتماعي اقتصادي خارج عن المألوف تعتبره خطراً وتحاول تدميره، لهذا لو كان هناك تنمية اقتصادية ذاتية تُعرّض الاستثمار للخطر ستعمل على تدميره، لنفترض بأن فلسطين حاولت أن تعمل على تنمية ذاتها بشكلٍ مستقل ستجد نفسها تحت ضغوطات أمريكية، وستضغط الولايات المتحدة الأمريكية على الحلفاء بمنع تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني، وسيكون حال الفلسطينيين مثل جواتيمالا، التي قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية لها صفقتها للتنمية الاقتصادية المستقلة بعد ثورتها التي توصلت لسيادة النظام الديمقراطي في عام 1944، إلا أن جواتيمالا تطورت في ظل النمو الاقتصادي، وهذا ما أثار غضب وجنون الولايات المتحدة الأمريكية واعتبرت ذلك بمذكراتها بأن هذا التطور والإصلاح هو نتيجة التأثر الشيوعي، وسعت لإفساد الشعب وصولاً للانقلابات العسكرية، مما يعني بأن النمو الاقتصادي لن يكون شيئاً مثالياً للسياسة الخارجية وستسعى لتهديد الكينونة السياسية فوراً ويُقاس على ذلك واقع فلسطين.
كل الإصلاحات الاجتماعية التي قامت بها السياسة الأمريكية أدت في الوهلة الأولى بدورٍ هام للإصلاح، إلا أنها سعت لتدمير الدولة وسيادتها، فـ”لاوس” قامت بإبادتها بالقنابل وأخفت عملياتها، ودمرت كينونة جرينادا المنتجة للجوز، ونيكاراجوا بحجة خوفها من تدفقها لحدود الولايات المتحدة الأمريكية، والأمثلة كثيرة مثل بنما والبرازيل وشيلي وغيرها، فالإشكالية واضحة هو الخوف من الاستقلالية الاقتصادية، لهذا ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية بالاستثمار في الفلسطينيين لتحقيق أرباح خاصة بها، مع إذلال المجتمع محلياً، لأن الاقتصاد وأرباحه سيكون في قبضة المستثمرين الرأسماليين، مما يجعل الصفقة تشبه خطط الوزارة الخارجية ولجنة العلاقات الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية والتي تسمى “المجال العظيم- وهو ملف سري” والذي يشبه أمن إسرائيل التي تبرر به كل أنواع الجرائم، وهذا المجال يخضع لمتطلبات الاقتصاد الأمريكي، أي العمل على تحقيق هدفها الاقتصادي من الصفقة، مما يجعل الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على إبقاء شخصيات في الحكم تابعين لها، فمن المعروف عن السياسة الأمريكية حسبما يؤكده المخططون بأنها دائماً تسعى لمنع وصول المغالين في وطنيتهم للحكم، ولو شاءت الأقدار ووصلوا الحكم سيتم عزلهم وتنصيب حكومة تعتمد على الرأس المال الخاص سواء كانوا محليين أو أجانب، والتي ترتكز على تصدير المنتجات وإبقاء أرباحها بالخارج.
فيما يخص الحدود، فهي شبيهة لدور الولايات المتحدة في أزمة حرب الخليج بين العراق والكويت، والتي أرادت انسحاب كامل للعراق من الكويت وعدم التطرق لمسألة الحدود بين الدولتين، وكان توجه الولايات الأمريكية المتحدة بعدها هو القضاء على أسلحة الدمار الشامل، فالأمر سيان ذلك “دولة فلسطينية منزوعة السلاح”، فالعراق تحولت بعدئذٍ لركام وكذلك الأمر لفلسطين، وفيما يتعلق بأن إسرائيل ستواصل حماية الأماكن المقدسة في القدس وضمان حرية العبادة فهذا الوعد تم إملاءه للفلسطينيين في وعد بلفور ولكن لم ينفذ، فكيف على الفلسطينيين مجاراة ذلك؟
ولو نفترض بأن هناك (50) مليار دولار، هل يمكن للفلسطينيين بناء مطار خاص بهم، سكة قطار؟ بنية تحتية؟ هل سيتم توزيع الأموال على الشعب؟ بالفعل لا، لأنها ستذهب للاستثمار، وهذا ما تم ذكره آنفاً، فالاستثمار ليس لصالح الفلسطينيين وإنما لصالح الرأس المال الخاص، وعلاوةً على ذلك، لن يكون هناك أي بند له فائدة 0.1% لفلسطين، لأن كل الخطط مدروسة وتطبيقها سيكون له منحنى مختلف نظراً للقوة السياسية.