الأمّة مسمومة ؛؛؛ – د.عصمت حوسو – الأردن

0 298

 

العالم الآن – كيف ننتظر النصر والصمود من (أمّة) ثُقبت ذاكرتها ونخرها الزيف وتغييب الوعي حدّ التسمّم؟! هل من الممكن لأمّة بهذا الوضع أن يُحسب لها أدنى حساب؟! كيف ستمنع هذه الأمّة “مسمومة الذاكرة” هزائمها المتكررة؟! أليست الذاكرة للوطن هي “التجربة” التي تمنع الهزيمة؟!

ذاكرة الإنسان بشكل عام تعمل مثل (المصفاية) حيث تفلتر ما تريد بشكل مقصود أحيانًا ودون قصد في أحيانٍ أخرى، أما بالنسبة لتسمّم الأمّة العربية جميعها، فلم يقتصر على الذاكرة قصيرة المدى، بل طال التسمّم حتى الذاكرة طويلة المدى أيضًا، ولعلّ “التطبيع” العربي مع (العدو) الذي حُفر في ذاكرتنا منذ إنشاء كيانه المزعوم هو أكبر دليل على تسميم الذاكرة الطويلة، فتوجهت بوصلة الوحدة العربية الآن (معه) بعد أن كانت سابقًا (ضده)، وهذا نتاج التسميم الممنهج لذاكرة الأمّة على مدى طولي، الذي اعتمد على الجهد الكبير المبذول من أدوات الصهاينة كثيري العدد والعدّة؛ لطمس معالم “التاريخ والجغرافيا” معًا، لتأتي ((نكبة)) ثانية في تاريخ العرب المعاصر تقهر بتقسيمتها الجغرافية الجديدة التاريخ كله والكرامة معه، سواء بتزوير الحقائق أو بتشويهها وانتقاصها، وهذه السموم ليست صدفة عابرة بالتأكيد، وإنما نضجت وتشكّلت لملىء الفراغ الذي خلّفه غياب الرؤية الصحيحة من العرب في صراعهم مع عدوهم (السابق) الماكر الغاصب الحاقد، حيث نجح الأخير في تسميم علاقاتهم فيما بينهم، ولم يكتفِ بتسميم ذاكرة التاريخ، ولعلّ شواهد الوقت الحالي بعد إعلان سرقة العصر ونكبته المنبثقة عن صفقة “القرون” وتداعياتها تشي بذلك بجلاء ووقاحة..

سياسة بعثرة الأوراق، والبحث عن (توليفات) مخادعة لما يحدث في وطن العرب حاليًا، تهدف أولاً قبل أي شيء إلى الإبقاء على تزييف الوعي وتغييبه، وتسميم الذاكرة بذات المستوى، صحيح أن (لعبة الأمم) هي لعبة قذرة، ولكنها محبّبة للأسف الشديد، حيث يتداعى لممارستها (لفيف) من أنصاف الكتّاب وأنصاف المثقفين وأشباه الإعلاميين وأدعياء الفهم ومحتكري الحقيقة مع الفاسدين، لذلك دائمًا ما نعود لأول السطر، بسبب نخرهم في الذاكرة حدّ التسوّس، ونتيجة للنخر المتواصل لا تقبل ذاكرة العربي التراكم والتجارب بتعاقب بنّاء، ولا تقبل الجمع كذلك، وهل هناك تسميم لذاكرة الأمّة أكثر من ذلك؟!

ولزيادة الحسرة، أنه لمّا كانت ذاكرة الأمّة “مثقوبة” كان بالإمكان الاحتفاظ ببعض التفاصيل في أقلّ تقدير، أما عندما أمست مُتخمة بزفيرٍ مسموم حدّ الانتفاخ من أعدائها، نجح رهانهم في قدرتهم على تسميمها، ونجاح ذلك (الرهان) يعني (تكرار الاستعمار) وسلب الخيرات من كل الجهات وبأشكال مختلفة، فلن يسلم أحد ولا وطن من مخططات هذه الإمبريالية وحلمها بوطنٍ كبير مسلوب من النيل إلى الفرات..

ولو أن تلك الأمة ( أمّة إقرأ) التي لا تقرأ، أجبرت نفسها على قراءة تاريخ العرب المعاصر بمعزل عن “التطبيع” والتدجين والاختزال والتزوير، لربما حموا أنفسهم وذاكرتهم بلقاحٍ منيع ضد التسميم من لدغ أفاعي “السوشال ميديا” جميعها، وربما استطاعوا أيضًا تطهيرها من بيوضها المنتشرة، قبل تجددها وتلونها بألوان عصر المصالح الحالي وتصارع القوى على خيرات أمّة يعرب..

هناك فرق كبير جدًا بين (التمنّي) وبين الواقع الحقيقي، ولا يمكننا في أيّ حال من الأحوال الاعتماد على التمنّي في إنهاء أزماتنا وتحرير أوطاننا، وأول خطوة في العودة للواقع هو تطهير ذاكرة الأمّة من سمومها، وتوجيهها نحو الذاكرة السحيقة، وفرمتتها وإعادة بنائها بحقائق التاريخ والجغرافيا الواضحة لا المزيفة، بعيدًا عن المصالح الذاتية الضيقة.
لعلنا حينها نتعلم من (المكابرة) في تحويل الخسائر إلى نجاحات، ولنتعلم من وسائل علم النفس الحديث وأدواته للبحث والتعمّق في أسباب “الإخفاق” في أيّ شأن من شؤون المواطن والوطن. فكفاكم استخفاف بعقول الشعب العربي وازدرائه، فهذا مشهد مضحك ومبكي في ذات الوقت..

وأخيرًا وليس آخرًا، أرجوكم، لا تفلتوا العقال للفوضويين والفاسدين الذين عاثوا خرابًا في البلاد والعباد، ولا تكونوا عُراة كالسلحفاة المنزوعة صدفتها؛ لأن قطرة ماء واحدة كافية لاختراقها حتى النخاع، كفانا اختراقًا من أعداء الأمة في الداخل والخارج، وكفانا هرجًا ومرجًا حول كل القضايا الوطنية الجوهرية التي نعايشها حاليًا..

ولا تجعلوا سموم ذاكرتنا الحالية تجمعنا على قبول الذلّ والعار والخنوع والتملّق، ولا تسمحوا لتسميم الذاكرة إسقاط قيمنا وأخلاقنا وتاريخنا وأوطاننا منها، وتذكروا جيدًا أن المهزوم فكريًا ونفسيًا لا يمكن أن ينتصر ماديًا وواقعيًا على الإطلاق..

نظفوا ذاكرة الأمّة من سمومها على جدران الوعي، فذلك فقط ما يُخيف الأعداء والمتربصين، وهو كفيل بإعادة الذاكرة (نظيفة) إلى رؤوس أصحابها وللوطن، وترميمها وتعقيمها مما أصابها من سموم طال عليها الزمن أو قَصُر..

وعلى رأي محمود درويش، ” بدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان”.. حتمًا يقصد الذاكرة النقيّة لا المسمومة..

وأختم هنا في محاولة أخيرة لإنعاش ذاكرة العرب قبل موتها السريري للأبد، وإن كانت محاولة بائسة، بالتأكيد على أنّ القدس (عربية) وعاصمة فلسطين الأبدية، وأن الجولان (عربية) سورية، وأن الأغوار (عربية) أردنية، وكل التواقيع على بيع أراضينا لا تستحق ثمن الحبر “الساقط” على ورق الصهاينة الرخيص والمزوّر كزور تاريخهم المركّب قسرًا على الجغرافيا العربية..

وسنمحي يومًا تواقيعهم التافهة بدمائنا، وكفانا ذلاً “طوعيًا” يا عرب ..
لن ينتهي حديثنا إلى هنا، دومًا لنا من قصص الأمّة المسمومة حديثٌ آخر وبقية… دمتم…
#دة_عصمت_حوسو

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد