نحن مُحارَبون نفسيًا ؛؛؛- د.عصمت حوسو – الأردن
العالم الآن – باتت (حرب العصر) حاليًا “معنوية” بامتياز، وميدانها “العقل العربي”، وهي من أخطر الأسلحة التي حققت أهدافها بجدارة في الذهنية العربية، فهي بمثابة عملية (غسيل الدماغ)؛ لأنها حرب تغيير الأفكار والسلوكات، وتوجيه الاتجاهات، وتهديم القناعات، وإحلال أفكار “مزيفة” بما يخدم الطرف الأقوى، ومعروف لدى العرب جميعًا بما لا يدعُ مجالاً للشكّ من هو هذا الطرف وماذا يريد، ولكن، الذاكرة العربية بُليتْ بالخرف المبكّر جدًا. وعلى رأي العسكري الصيني (صن تزو) “إنّ أعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال”..
ومن الجدير بالذكر، أن الحرب النفسية أو المعنوية أو الباردة أو حرب الأفكار وغير ذلك من تسمياتها المختلفة، فتعددت الأسماء والوجه واحدُ، هي ليست وليدة العصر الحديث، وإنما هي قديمة منذ وجود الإنسان، ولكنها اختلفت من حيث الأدوات والتكنيكات والمحتوى، وانتقلت إلى مرحلة جديدة ومختلقة تزامنت مع ظهور وسائل الإعلام الحديثة في بداية القرن العشرين.
ومن الأدوات التي نجحت في محاربة العرب نفسيًا، استخدام كل ما يتناسب مع النفسية العربية وفكر (المؤامرة)، من نشر الشائعات وزرع الفتن والتضليل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كافة وترسانة الإعلام المأجور، وكانت في السابق تتم من وراء الكواليس في الخفاء، ولكنها اليوم أمست لعبتها على المكشوف وعلى عينك يا تاجر، ورغم ذلك لم يتمكّن العرب من مواجهتها؛ بسبب إضعافها للروح المعنوية العربية، وإفقاد العرب الثقة في قدراتهم وفي حكوماتهم وأنظمتهم للأسف الشديد.
وإن برع العرب بها -أيّ الحرب النفسية-، كان في تطبيقها فيما بينهم وعلى بعضهم البعض (فقط)، سواء في نطاق الأسر والعوائل، وفي العلاقة بين الرجل والمرأة، والأهم بما تمارسه الحكومات المتعاقبة على شعوبها، ولم يفلحوا بها في مواجهة العدو الأزلي، ولا حتى أعداء الوطن من الداخل أو الخارج..
أمّا أبرز وسائل “الحرب المعنوية” وأدواتها الطاغية حاليًا، هو (الطابور الخامس)، المكوّن من الخونة والمرتزقة وبائعي الأوطان وأصحاب الأجندات، الذين يحترفون تغليب المصالح الشخصية على مصالح الوطن مهما كان الثمن، كل ذلك وأكثر من أجل مقعد حرير ومنصب مثير ومال وفير..
ولسنا هنا بصدد طرح الأمثلة التاريخية عن الحرب النفسية، فصفحات الكتب والانترنت تزخر بها، ولنسلّط الضوء على أحدث “حرب نفسية” مورست على العرب مؤخرًا، وتمثلت في التسريبات المختلفة قبل إعلان صفقة القرن، لذلك لم تكن ردود الفعل العربية بمستوى فجاعة الحدث بعد إعلان صفعتهم؛ لأنهم ببساطة يحفظون سيكولوجية الشعوب العربية عن ظهر قلب، وتزامن ذلك بحرب نفسية أخرى ارتبطت بشكل جديد من الحروب المعاصرة، وهي “الحرب البيولوجية”، وكان شكلها الحالي هو إطلاق (فيروس كورونا)، وخلق جوّ عالمي من الرعب الشعبي، ولا سيما في المجتمع العربي على وجه الخصوص، كيف لا وهذا ما سيمرّر صفعات كثيرة على (الخدّ العربي) وليس على قرونهم فقط..
وحتى نتمكّن من التصدّي للحرب النفسية وطابورها الخامس، التي تدور رحاها منذ وقتٍ ليس بقصير، أول خطوة من المفروض أن نبدأ بها هي محاربة الشائعات، وعدم المساهمة في إعادة تدويرها بقصد أو بدونه لا فرق، وعلينا جميعًا أن نرفض الفوضى ومن يسعون لإثارتها ويعيثون في الوطن فسادًا، ومن يعملون على افتعال الأزمات وحبك المؤامرات من خلال استغلال بعض الحوادث حتى لو كانت بسيطة، وهنا يأتي دورنا ووعينا بعدم السماح في تضخيم أحداث على حساب أخرى أهم منها بمسافات، ولعلّ وحدة النسيج الاجتماعي وتناغمه ما يمنحه القوة في مواجهة الحرب المعنوية الشرسة التي تستهدف السيكولوجية العربية بما يفوق استهدافها للجسد العربي، وتمشي على مبدأ (الغاية تبرّر الوسيلة)، ومبدأ (خير وسيلة للدفاع هو الهجوم)..
ومن قادة التاريخ وأحد صانعيه الذين نوّهوا لخطورة الحرب النفسية، ما قاله القائد الفرنسي نابليون بونابرت: “حرب العقل أقوى من حروب الأسلحة، والعقل دومًا ينتصر على السيف”. واتعظوا يا أولي الألباب من بني يعرب.
والعرب منذ النكبة الأولى عام (١٩٤٨) إلى الآن وهم مُحاربون نفسيًا، إلى أن شهدوا النكبة الثانية في (٢٠٢٠)، ورغم كل هذا الوقت لم يتعلّموا فنونها بعد، ولم يربطوا ما حدث ويحدث بأدواتها، لذلك نقول لكم هنا، أن المعرفة أم (الوعي) والحكمة أبوه، فكفاكم استخفافًا بعقولنا، وكفانا ذلاً طوعيًا يا عرب، ولا ضير بقليل من الكرامة إن تبقّى منها شيء، وتذكروا أنّ سلاحَ الصائلين عقولُ..
ولا أجمل من كلام الله الذي أظهر أهمية الحرب النفسية في هذه الآية الكريمة (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم)، أختم به هذا المقال..
وأخيرًا وليس آخرًا، في ظل ما نعيشه من حروب نفسية على مستوى شخصي، ووطني، وعربي، سيبقى ذلك الوضع مغريًا لهذا القلم، للكتابة حدّ الثمالة في كل ما يتعلق بالسلوك الإنساني والشأن العربي… دمتم….
دة.عصمت حوسو