السلطة في زمن الكورونا – نادية حرحش – فلسطين
العالم الآن – منذ اعلان رئيس السلطة الفلسطينية حالة الطوارئ بسبب فايروس الكورونا والشعب يعيش بين تخبط فكرة اعلان الطوارئ بحد ذاتها، وبين هلع من الفايروس الذي انتشر لدرجة بدا وكأن تفشيه في فلسطين أسوأ من تفشيه في الصين.
من ناحية ممكن التفكير ان السلطة وبكل بساطة لا تملك أي إمكانيات لمكافحة الفايروس في حال تفشيه، وبالتالي واحترازيا قررت اعلان حالة الطوارئ. والحقيقة، ان التصرف المبدئي هنا يشير الى مسؤولية من قبل السلطة واعتراف ضمني بأنها لا تملك إمكانيات المكافحة وعليه فأن اعلان الطوارئ يمكن ان يشكل وقاية حقيقية في حصر الفايروس. وعليه، فكان من المتوقع ان تأخذ السلطة تدابير متتالية لكي ينتظم امر الشعب الذي لم يعد يفهم ما الذي يجري.
فبعد أكثر من شهر على انتشار الفايروس والتحذيرات منه، بينما لم نشهد الا تصريحات بالاستعدادات وكأن الامر سيكون مجرد عارض. كان الإعلان المفاجئ لحالة الطوارئ مرعبا في نفوس الشعب بعمومه. من جهة أخرى بدت ريبة من فكرة اعلان طوارئ تضمنت قراءة بنوده المستفيضة منع الإضرابات والتظاهرات. قد يقول قائل ان رئيس الوزراء كان يتلو كل ما جاء فيه القانون من بنوده المتعددة فلربما لم يكن هناك نية لأمور أخرى. ولكن، ما لبث الامر بأخذ منحنى جد خطير، عندما لم تمر ساعات وكان أحد القياديين والنائب في المجلس التشريعي- حسام خضر – قد دوهم منزله واعتقل واختفى. فكيف لعاقل الا يرى الغبن في هذا التصرف المجحف والمخل ببديهيات سبب اعلان حالة الطوارئ؟ فعلت التساؤلات المشككة في نية السلطة بإعلان طوارئ لأغراض أخرى غير الفيروس.
وعليه، فلو نحن في صدد خطر بقدر اعلان حالة الطوارئ امام الفيروس يجب ان تتدارك السلطة الخطيئة التي حصلت في اعتقال القيادي حسام خضر واطلاق سراحه فورا.
من جهة ثانية، ولنقل ان حالة الطوارئ حاجة ربما في وقت كهذا حتى التخلص من خطر الفيروس، وبعيدا عن نظريات التشكيك الأخرى والتي نتمنى ان تكون خاطئة.
من الجيد ان السلطة سواء من خلال صفحة رئيس الوزراء او وزارة الصحة والتعليم وغيرها من الجهات المختصة تعلن تتاليا تدابير وقائية للجمهور. ومن الجيد كذلك ايعاز التكاليف التدبيرية لكل من وزارة الصحة والتعليم. ولكن يبقى هناك تساؤلات وتصرفات لا تخضع مباشرة لأوامر الطوارئ. فلا يمكن اعلان أوامر بلا حلول للناس. تساؤل لا يزال يقلق أكثر الأمهات العاملات. الم يكن من الجدير اعلان كذلك الايعاز للأمهات العاملات ان يبقين في بيوتهن حتى انتهاء اعلان الطوارئ. فمن غير المنطقي ان تخرج الام الى العمل بينما الأبناء بالبيت. كما هو غير منطقي ان يخرج أحد الافراد بلا تدابير وقائية صريحة وصحيحة.
فترة شهر ليست بالفترة القليلة، أطفال وشباب بلا مدارس وجامعات، وعالم بلا اشغال يعني التجوال في الشوارع والأسواق والمطاعم والحارات. فهل هناك تعليمات وتدابير خاصة بالمحلات والمطاعم؟ فما رأيناه اليوم بالخليل من اكتظاظ بمحل تجاري يفهم منه ان هناك ما هو غير مفهوم بالضبط بالنسبة للشعب لخطورة الوضع. كذلك الامر بالنسبة للمقاهي والمطاعم في رام الله. بما اننا في حالة طوارئ فيجب ان يكون الامر شديد الخطورة.
ماذا بالنسبة للتعليمات بشأن الصلاة بالجوامع والمساجد؟ شاهدت بيانا من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لإيقاف الدروس الدينية، ولكن لماذا لم يرد بيانا بشأن الصلاة في الجامع- الا يجب ان تخرج توجيهات صريحة بهذا الشأن؟ فالجوامع والمساجد كالمدارس والجامعات، هي أكثر الأماكن التي يمكن ان يكون انتقال الفيروس فيها أسرع. فالأمر لا يتعلق فقط بالتعقيم، لأنه إذا ما كان هذا هو الحل، فيمكن ان تصدر أوامر وتعليمات بتعقيم جميع المدارس والجامعات والمرافق العامة وقد ينتهي العمل خلال أيام، وبهذا لن نحتاج الى شهر من اغلاق المدارس والجامعات والمرافق العامة.
خوف اهالي البلدات المختلفة من مراكز الحجر، بين انتقال مواطنين من مناطق الى مناطق وبين تردي ظروف أماكن الحجر يستدعي من السلطة- البلديات والمحافظات- كذلك الايعاز لمن بسلطة ومسؤولية التعامل مع الامر بإنسانية وتفهم واحترام. والاهم هو شرح للناس عما يجري ولم يجر بلا ترك مجال للإشاعات. فالأمر لا يحتمل.
التعليمات والتدابير الخاصة بالمنتجات والاسعار. ربما يجب ان نعرف ان كان علينا ان نتمون باحتياجات لوضع قد يتردى أكثر. فما نراه كذلك من خلو الرفوف من المحلات وارتفاع أسعار واختفاء لبعض المنتجات يتطلب تدابير واضحة وحازمة وصريحة بما يتضمن مراقبة الأسعار والتأكد من وصول المواد الغذائية للعوائل التي سيتعرض افرادها العاملين لصعوبات بالوصول لأعمالهم مثل عمال المياومة والعمال الذين ينتقلون من بلدة الى أخرى او العاملين وراء الحواج.
من جهة أخرى، كان التوجه باستخدام أماكن بعينها كمراكز للحجر مثل المكتبة الوطنية امرا صحيحا. فلا يجب ان تكون المستشفيات هي الأماكن المخصصة للحجر ولربما للعلاج. لأن استخدام المستشفيات والمراكز الصحية في وقت نعرف ان إمكانيات مستشفياتنا ضعيفة قد يزيد من الامر مأساوية. ولا بد من الإشارة انه بمتابعة كيفية تعاطي محافظة رام الله مع الاوضع من خلال الاخبار المتتالية على قدر المسؤولية والجدية.
وبعد الانتهاء مما يمكن ان نطلبه او نتوقعه او نريده من السلطة لتكون على قدر التعامل مع هول الحدث، يبقى هناك حاجة الى وعي ذاتي، أتمنى ان ننتقل فيه نحن الافراد من الشعب من حالة الفردية الى الحالة الجمعية. قد تكون هذه الازمة فرصة لتعيدنا لترتيب أنفسنا تجاه بعضنا وتجاه المجتمع لنفهم ان الفرد والمجتمع كتلة واحدة. ان صلح الفرد صلح المجتمع، وان صلح المجتمع صلح الفرد. والعكس صحيح. فان نجينا من تفشي الفيروس سننجو جميعا، ان لم ننج سيصيبنا جميعا بالتتالي.
فما حصل في اريحا من اغلاق للطرق ومنع كل من هو من خارجها قبل أيام كان بالفعل مريب ومحزن. من جهة، طبيعي ان يخاف المرء ويفكر بنفسه وبأمانه، ولكن نعرف كذلك ان انعدام ثقة الفرد بالسلطة جعل الناس يفكرون بمبدأ ” على وعلى اعدائي”. وقد كان صائبا اليوم في اعلان رئيس الوزراء بالتدابير الجديدة، ان لكل بلدة سيكون مركزها الخاص بسكانها فقط.
كان من المؤسف ان نقرأ تعليقات وتنديدات وتهديدات ربما من البعض بعد قرار تحويل المكتبة الوطنية الى مركز حجر اليوم. وكأن كل يخاف ويهتم فقط بمنطقته وامنه الخاص جدا. فنفس الناس التي استاءت مما بدر من الافراد في اريحا سارعت لتبدي نفس الموقف المندد عندما اقترب الفعل الاحترازي من منطقتها.
عجيب ان نرى أناس حتى اللحظة يحتفلون بقاعات او يستمرون بتنفيذ خطط زواج وخطوبة. كما هو عجيب ان يتجمهر الناس من اجل مؤازرة مركز الحجز في بيت لحم كالمشهد الذي رأيناه. اين كانت قوات الامن من التجمهر؟ كيف يتحول الفرد منا من متصدي الى مؤازر بلحظة لنفس الخطر؟